د. صالح السلطان الاقتصادية - السعودية عشنا طفرة امتدت سنوات. والمصدر الأول لها ارتفاع أسعار النفط، فقد كانت تدور حول 25 دولارا للبرميل قبل نحو عشر سنوات، ثم ارتفعت نحو أربع مرات خلال السنوات الماضية. القراء يعلمون أنها أخذت في الانخفاض خلال الأسابيع الماضية لتصل إلى 60 دولارا تقريبا للبرميل. وغلبة الظن ببقاء أسعار النفط على مستوياتها الحالية في المدى المتوسط على الأقل، ومن ثم فتلك الطفرة التي عشناها إلى انتهاء. يتوقع أن تقل نسب نمو الاقتصاد السعودي في العام المنصرم 2014، عما تحقق في عام 2013 قليلا. في ذلك العام 2013، حقق الاقتصاد الوطني غير النفطي، أي الحكومي والقطاع الخاص معا، نموا اسميا قارب 8 في المائة، وحقيقيا قارب 5.5 في المائة. نسبة نمو القطاع الخاص أعلى من الحكومي، حيث حقق القطاع الخاص نموا اسميا قارب 10 في المائة، وحقيقيا في حدود 6 في المائة. هذه النسب عالية نسبيا، ومقاربة كثيرا لما تحقق في العام الأسبق أي 2012. أما في العام المنصرم 2014، فنتوقع أن ينمو القطاع الخاص بنحو 6.5 في المائة اسميا، و4 في المائة حقيقيا. وفي العام التالي 2015 فنسب النمو المتوقعة أقل بصورة واضحة في كليهما الاسمي والحقيقي، نظرا للانخفاض القوي في أسعار وإيرادات النفط. هذا النزول يجر إلى خفض الإنفاق الحكومي، والذي بدوره يؤثر سلبا في نمو القطاعين الحكومي والخاص. ومن ثم نتوقع أن يشهد الاقتصاد السعودي نموا سالبا بالأسعار الجارية، بعد سنوات من النمو القوي المتواصل، أما بالأسعار الحقيقية فنتوقع أن يكون التأثر أقل. ارتفعت إيرادات تصدير النفط خلال الفترة 2006 - 2013 من نحو 600 مليار ريال إلى نحو 1200 مليار ريال، أي نحو الضعف، ويتوقع أن تنخفض هذا العام بنحو 10 في المائة مقارنة بالعام الماضي 2013، وأن تنخفض العام القادم بنحو 25 في المائة مقارنة بالعام المنصرم 2014. أما الناتج المحلي الإجمالي (بالأسعار الجارية) فقد نما خلال الفترة نفسها ( 2005 - 2013) من نحو 1230 مليار ريال إلى نحو 2800 مليار ريال. ويتوقع أن يبقى في حدود هذا الحجم للعام المنصرم 2014، ذلك لأن الناتج المحلي نما في النصف الأول من ذلك العام بنحو 5 في المائة، مقارنة بالنصف الأول من عام 2013، حسب بيانات مصلحة الإحصاءات العامة. ونتوقع أن يقابل ذلك انخفاض 7 في المائة في النصف الثاني. ومتوقع أن ينخفض بنحو 10 في المائة عام 2015، مقارنة بعام 2014، ويتركز الانخفاض في القطاع النفطي. وتوضح هذه الأرقام الارتباط القوي في دول الخليج بين مستويات الازدهار الاقتصادي وأسعار وإيرادات النفط. أبرز التحديات ---------------- أبرز تحديات الاقتصاد المحلي للناس خلال العام المنصرم 2014 ستبقى هي أبرز تحديات عام 2015، بل ستبقى أبرز التحديات على المدى المتوسط. هذه التحديات تتركز في مشكلات سوق العمل والإسكان والسياسات والقوانين المحلية المتعلقة بالقطاعات والأنشطة الاقتصادية، والظروف الاقتصادية الدولية. ويمكن أن نضيف انخفاض أسعار النفط وتسببها في عجز متوقع في الميزانية. أما التحديات المزمنة فتتركز في تنمية الاقتصاد المحلي، ويدخل في ذلك تنويع مصادر دخله ورفع إنتاجية الموارد البشرية الوطنية وتنافسية الاقتصاد المحلي. هل سيفرض انخفاض أسعار النفط على الحكومة خفض إنفاقها؟ الترابط الوثيق بين مستويات الإنفاق الحكومي وأسعار وإيرادات النفط في دول الخليج معروف للقاصي والداني. ومن ثم يتوقع أن ينخفض الإنفاق الحكومي في العام القادم 2015، وخاصة الإنفاق على المشاريع، ولكن نسبة الانخفاض أقل كثيرا من نسبة انخفاض إيرادات النفط. يعود ذلك لثلاثة أسباب رئيسة: أولا لوجود احتياطيات هائلة. وثانيا لأن الحكومة ادخرت نسبة كبيرة من أرباح أسهمها في الشركات . وثالثا، الظروف الحالية لا تشجع على خفض الإنفاق الحكومي خفضا كبيرا. لو استمر تدهور أسعار النفط سنين عديدة لتحول الأمر إلى مشكلة كبرى. والحديث في هذا ذو شجون. توقعات الميزانية ------------------------ شكلت إيرادات النفط وعلى مدى سنوات في المتوسط 90 في المائة تقريبا من الإيرادات العامة. وقد بلغت الإيرادات النفطية عام 2013 نحو 1050 مليار ريال، وهو رقم يقل بنحو 100 مليار ريال عن العام الأسبق 2012. ويتوقع أن تكون إيرادات النفط هذا العام 2014 أقل من إيرادات النفط العام الماضي بنحو 10 في المائة. أما نفقات هذا العام 2014 فيتوقع أن تبلغ قرابة ألف مليار ريال، خلاف النفقات الممولة من فائض الميزانيات السابقة، ومن ثم فالمتوقع تحقيق فائض لا يقل عن 50 مليار ريال. أما في عام 2015، فيتوقع تحقيق إيرادات نفطية للخزانة العامة تقل بنحو 30 في المائة عما تحقق في العام الجاري 2014، أي نحو 700 مليار ريال. أما النفقات فيتوقع أن تنخفض بنسبة في حدود 10 في المائة، ومن ثم يتوقع وجود عجز في حدود 70 مليارا، أخذا بعين الاعتبار توقع إيرادات غير نفطية تزيد على 120 مليار ريال. ودرءا للبس، فإن التوقعات السابقة لا يقصد بها أرقام ميزانية العام القادم التي تعلن (كالعادة) في هذا الشهر، بل المقصود ما يتوقع حدوثه فعلا خلال العام القادم 2015. ذلك لأن عمليات الميزانية تتسم وباستمرار بوجود فروقات بين المخطط والمنفذ. التضخم --------- بلغ معدل التضخم قرابة 3.5 في المائة لعام 2013 (موقع مصلحة الإحصاءات العامة). ومن المتوقع أن ينخفض معدل التضخم للعام الحالي إلى 2.7 في المائة للعام الجاري، وأقل من 2 في المائة في العام القادم 2015، نظرا للانخفاض النسبي في قوة العوامل المسببة للتضخم كحجم العرض النقدي والتضخم المستورد، وارتفاع سعر صرف الريال إزاء عدة عملات نتيجة ارتفاع الدولار، وللتوضيح، هذا العامل ثانوي التأثير. هناك ركود في السوق العقارية، أما تكاليف البناء فبعيد جدا انخفاضها. كثيرون يتوقعون مزيد انخفاض في أسعار الأراضي، لكن من المستبعد أن تنخفض الإيجارات في المدى القصير، ذلك لأن توقع انخفاض أسعار الأراضي يدفع الكثيرين إلى تأجيل الشراء والبناء، مما يغذي الطلب على الاستئجار.