من خلال متابعة السلوك السياسي لإيران، يمكن التحقق من أنها تعتزم إيحاء فكرة توسعية تاريخية تستعيد إمبراطورياتها الفاشلة التي تهاوت تباعا وظلت حبيسة الجغرافية الحالية لها؛ لأننا حين نرى دورها التخريبي الكبير والفاعل في العراق وسوريا واليمن مع كم هائل من التبجح السياسي لعدد من المسؤولين حول السيطرة على المنطقة نتيقن أنها تفكر توسعيا وتتجه الى إشعال الحرائق الطائفية في المنطقة لخدمة استراتيجياتها ومصالحها الانتهازية التي تصطاد دوما في الماء العكر. ويبدو أن تصريحات المسؤولين الإيرانيين مجانية فهم لا يتكلفون عناء الذكاء الدبلوماسي في التعبير عن طموحات بلادهم في المنطقة، فبعد تصريحات أنهم سيطروا على أربع عواصم عربية، وهو تصريح يفتقد بدهيات الدبلوماسية، كانت آخر التصريحات لمستشار الرئيس الإيراني، حسن روحاني المدعو علي يونسي، الذي قال: إن إيران اليوم أصبحت امبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حاليا، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي، ما يعني ضمنيا إعادة الامبراطورية الفارسية الساسانية قبل الإسلام التي احتلت العراق وجعلت المدائن عاصمة لها. وقد كان يونسي يتحدث خلال منتدى "الهوية الإيرانية" بطهران، وقال بوضوح لا لبس فيه: إن "جغرافية إيرانوالعراق غير قابلة للتجزئة وثقافتنا غير قابلة للتفكيك، لذا إما أن نقاتل معا أو نتحد"، وذهب ببجاحة الى أن كل منطقة الشرق الأوسط إيرانية، وذلك من خلال قوله "سندافع عن كل شعوب المنطقة، لأننا نعتبرهم جزءا من إيران، وسنقف بوجه التطرف الإسلامي والتكفير والإلحاد والعثمانيين الجدد والوهابيين والغرب والصهيونية". ذلك يكشف مزيدا من التعنت الإيراني في التعاطي مع قضايا المنطقة، ولا يُتصور كيف أجلس في طاولة واحدة مع طرف يعتقد أن أرضي تابعة له ويريد استعادتها، ذلك تطرف سياسي مَرَضي أسوأ من التنظيمات الإرهابية المتطرفة التي تخطط بذات المنهجية والشمولية والعداء لكل شيء، فإيران تتملكها عقدة تاريخية ربما بدأت منذ معركة القادسية والقضاء على الإمبراطورية الفارسية، ولم تتوقف يوما من البحث عن تلك الخسائر التي ليست بالضرورة كانت بسبب قومي أو عرقي ولكنها جعلتها كذلك. وبصورة عامة لا نتوقع أن تكون إيران جاراً إيجابياً ومؤثراً في الأمن والسلام؛ لأن طبيعتها العدائية وتعاليها لا يمكن أن يسهم في تطوير علاقاتها بجيرانها، فهي لا تستطيع تجريد نفسها من طموحاتها غير المشروعة بل جنّدت طاقاتها وقدراتها من أجل التوسع ووضع اليد بصورة طائفية في كل مجتمعات المنطقة، ولم يكن دورها إيجابيا مطلقا في أمن الدول التي لها نفوذ نسبي فيها، وإنما عمدت الى استغلال ذلك بصورة تخريبية وعدائية انتهت بنا الى تخريب أمن وسلام العراق وسوريا واليمن وتهديد البحرين. ومن واقع هذا الحال، يمكن استخلاص أن إيران ليست شريكا في أمن أو سلام، وهي تعتقد أنها ذكية بما يجعلها تناور وتناكف وتستعرض عضلاتها العسكرية في الخليج العربي، وعبر أتباعها الطائفيين في الدول التي أسهمت في إشعال الحرائق فيها، وإذا أرادت سلاما حقيقيا فهي ليست في الطريق الصحيح، لذلك عليها -قبل كل شيء- احترام الآخرين والكف عن التعالي ولغة التهديد والنبرة الحادة في التصريحات وتوظيف الأتباع بصورة عابثة كما يحصل الآن، دون ذلك فلا أمن أو سلام مع إيران. * باحث اجتماعي