يعتبر نظام المصرف الاحتياطي الفيدرالي بمثابة كائن غريب وصعب المراس، وملاحقه الأغرب والأصعب هي المصارف الاحتياطية الفيدرالية الإقليمية، عبارة عن 12 مؤسسة خاصة من الناحية الفنية تتوزع هنا وهناك عبر البلاد، ويتم اختيار رؤساء المصرف الاحتياطي الفيدرالي من قبل مجالس المواطنين المحلية - بالرغم من عدم اختيارهم من قبل المصرفيين المحليين، منذ صدور قانون دود-فرانك - ويدفع لهم استنادا إلى مستوى معين لا يحلم به إلا أولئك المسؤولون الحكوميون الفعليون ممن هم تحت مستوى الرئيس الأمريكي (إلا إذا كنت تعتبر مدربي كرة القدم وكرة السلة في الجامعات الحكومية كمسؤولين حكوميين). ومع ذلك، يساعد هؤلاء المواطنون الذين يتلقون مكافآت جيدة في وضع السياسة النقدية في البلاد، حيث إن رأي رئيس المصرف الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك مهم دائما أثناء مداولات «اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة» لتحديد أسعار الفائدة، أما الرؤساء ال11 الآخرون فهم يتنقلون عبر أربعة مواقع للتصويت - ويمكنهم حضور الاجتماعات حتى عندما لا يكون لهم حق التصويت. هل يعتبر هذا غريبا؟ بكل تأكيد (أطلق رايت باتمان عضو الكونغرس من ولاية تكساس ذات مرة على المصرف الاحتياطي الفيدرالي لقب «بطة غريبة جدا»). هل جانبه الدستوري مشكوك به، كما يقول المحامي/المؤرخ بيتر كونتي براون في ورقة بحثية قدمها في معهد بروكينجز قبل أسبوع؟ ربما، هل هو نظام سيء عمل على تقليل فعالية المصرف الاحتياطي الفيدرالي وثقة الجمهور فيه، كما يقول أيضا كونتي براون؟ لست متأكدا من ذلك. في ورقته البحثية، التي تعتبر رائعة حول تاريخ المصرف الاحتياطي الفيدرالي حتى لو كنت لا تتفق مع الاستنتاجات التي خلص إليها، يقول كونتي براون: إن المصرف الاحتياطي قد يكون أكثر فاعلية وأكثر موثوقية لو تم تعيين بعض أو كل رؤسائه من قبل الرئيس، وتمت الموافقة عليهم من قبل الكونغرس - أو، الأفضل من ذلك، لو قام مجلس الاحتياطي الفيدرالي بتعيينهم. وفي رده على كونتي براون خلال فعاليات مؤسسة بروكنجز، قال تشارلز بلوسر الرئيس السابق للمصرف الفيدرالي في فيلادلفيا: إن هذا الوضع هو حل يبحث عن مشكلة، وقال بلوسر أيضا: إن أيا من الإخفاقات التاريخية الكبيرة للمصرف الاحتياطي الفيدرالي - الكساد العظيم، والتضخم العظيم في السبعينيات، والأزمة المالية خلال العامين 2007 و 2008 - يمكن أن تعزى حقيقة إلى عملية التعيين التي تمت لدى مصارف الاحتياطي الإقليمية. لست متأكدا من صحة كلامه حول الكساد العظيم. لقد كان رؤساء المصرف الاحتياطي الفيدرالي سببا كبيرا لحالة التسكع التي أصابت المصرف في أوائل الثلاثينيات من القرن العشرين، وفي عام 1935 أعاد الكونغرس صياغة قانون المصرف الاحتياطي الفيدرالي لتحويل ميزان القوة بعيدا عنهم باتجاه مجلس الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن، لكن يبدو أن أقوى فكرة لديه هي أنه من غير الواضح أن ما قد يصلحه اقتراح كونتي براون يبدو صحيحا. في الواقع، أعتقد أنه يمكنني التفكير في عدة أمور يمكن أن تسبب الإرباك والفوضى. الأول، والذي حظي بالكثير من النقاش في بروكينجز، هو وضع المصرف الاحتياطي كواحد من آخر جزر صناعة السياسات التكنوقراطية غير الحزبية إلى حد كبير في واشنطن. إن التكنوقراطية وعدم الحزبية لا تكون دائما أمرا إيجابيا، إذ يمكن استخدامهما لإخفاء وتمويه المصالح وعلاقات القوة. أيضا، يمكن أن يكون التكنوقراطيون خاطئين بشكل فادح، كما كانوا خلال الفترة التي أفضت إلى حدوث الأزمة المالية (هذا لا يعني أن السياسيين كانوا أفضل منهم). لكن في الوقت الذي يظهر فيه الكونغرس وهو يمزقه الانقسام الحزبي الأعمق منذ أكثر من قرن من الزمن، وحتى مداولات مثل تلك الوكالات التي يفترض أنها تكنوقراطية مثل لجنة الأوراق المالية والبورصات، ولجنة الاتصالات الفدرالية، مختطفة بشكل متزايد من قبل منازعات الأحزاب، تبرز لهجة الخطاب داخل نظام الاحتياطي الفيدرالي كاستثناء مدني ممتع ومدروس. إن لهجة الخطاب حول نظام المصرف الاحتياطي الفيدرالي تعتبر مسألة أخرى، بالطبع - لكن يكاد يكون من المؤكد أن تغيير عملية التعيين لرؤساء المصرف الاحتياطي الفيدرالي لن تغير هذا، في حين أنها قد تهدد الثقافة السائدة داخل المؤسسة. القضية الثانية هي أن وجود رؤساء المصرف الاحتياطي الفيدرالي في اللجنة الفدرالية يزيد من التنوع في الرأي والمنهجية الاقتصادية في اللجنة، لكني أعترف أنها لا تزيد ذلك بشكل كبير، لكن أي زيادة تكون مفيدة، بفضل ما سماه سكوت بيج، الأستاذ في جامعة ميتشغان، «نظرية التنبؤ بالتنوع». هذه النظرية هي حقيقة حسابية بسيطة بأنه «عند وجود مجموعة من النماذج التنبؤية، يكون الخطأ الجماعي = متوسط الخطأ الفردي - تنوع التنبؤ». إن عملية التعيين الفريدة من نوعها لرؤساء المصرف الاحتياطي الفيدرالي تأتي بأشخاص لصنع السياسة قد لا يكونون على استعداد لشغل وظائف حكومية تقليدية، ومن ثم تمنحهم الحرية لتقديم أفكار جديدة والتباعد عن الإجماع على رأي معين بطريقة ستكون أصعب بكثير على موظفي مجلس الاحتياطي الفيدرالي القيام بها. وتقوم بذلك ضمن هيكل لا يزال يمنح أولئك المعينين السياسيين ميزة واضحة من السلطة تجعل حدوث حالة التوقف التام على غرار تلك التي حدثت في الثلاثينيات أمرا غير محتمل. هذا يبدو وكأنه يشبه لدرجة كبيرة سمة جيدة أكثر من كونه خللا.