شدد الدكتور نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية على أن مواجهة التطرف الفكري والمنظمات الإرهابية تتطلب وضع إستراتيجية شاملة، تتسم بالفاعلية والقدرة، تسهم في تحديدها القوى الحية في المجتمع، من خلال حوار واسع تشارك فيه المؤسسات الحكومية المعنية، والمنظمات الأهلية والمفكرون والخبراء والسياسيون؛ لبحث أفضل السبل لصياغة الإستراتيجية وتحديد أولوياتها وأهدافها، فيما واجهت فكرة العربي بتشكيل «قوة تدخل عربية مشتركة»؛ لدحر الإرهاب، تباينات في مواقف الدول العربية خلال جلسة مغلقة لبحث دراسة قام بها الأمين العام للجامعة، بناء على تكليف سابق من وزراء الخارجية العرب. وبحسب معلومات «اليوم»، فإن الأمين العام للجامعة العربية ومساعديه أصيبوا بخيبة أمل؛ لتحفظات بعض الدول العربية على فكرة تشكيل القوة المشتركة، ما أدى للتراجع عن الفكرة، والتركيز على تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك. افتتاح المؤتمر وأضاف العربي في كلمته التي افتتح بها مؤتمر "الأمن الإقليمي والتحديات التي تواجهها المنطقة العربية" أن المرحلة الراهنة التي يشهدها الوطن العربي تواجه تهديدات جساما، لها تداعيات كبرى، تمثل تهديداً لكيانها وهويتها وتنوعها، تتطلب مراجعة شاملة لكل مسارات الحياة الاجتماعية على اتساعها، لتدبر ولمعرفة "أين الخطأ"، فثقافة التطرف والأصولية التي تؤدي إلى إشاعة العنف الدموي وما تحمله من مخاطر، تهديد للأمن القومي العربي. واعتبر العربي أن الغلو الديني والتطرف الفكري يمثلان إحدى أكثر القضايا التي تؤرق المجتمعات العربية، وتشكل تهديداً خطيراً لنمائها واستقرارها وتطورها وتقدمها، وهو ما يجب مواجهته وإحباطه وعكس مساراته، مشيرا الى أنهما ظلا المصدر الأساسي لتفكك المجتمعات وتمزيق النسيج الاجتماعي والمنبع الرئيسي للعنف والإرهاب وتكريس آليات التخلف عبر التاريخ، موضحا أن الحركات الإرهابية التي تتشح برداء ديني وتقترف أبشع الجرائم هي أكثر موضوعات الساعة خطراً وأبعدها أثراً، لا سيما أنها شهدت خلال السنوات الثلاث الأخيرة (2011 - 2014) تحولات نوعية كالتحول من خلايا صغيرة تحمل أسلحة فردية محدودة وترتكب أعمالا إرهابية منفردة، إلى جيوش نظامية تسيطر على أراض وتملك أسلحة ثقيلة متطورة ودبابات ومدرعات وصواريخ مضادة للطائرات، وهو ما لم يكن متاحاً للمنظمات الإرهابية التي برزت في الثلث الأخير من القرن العشرين. ثقافة التطرف ولفت العربي إلى أن ثقافة التطرف والأصولية التي تؤدي إلى إشاعة العنف الدموي وما تحمله من مخاطر وتهديد للأمن القومي العربي، تفرض على الجميع ضرورة إعادة النظر في المنظومة الفكرية العربية بأسرها، بما في ذلك الفقه والاجتهاد والثقافة والتعليم والإعلام والفنون والآداب، ووضع المقاربات التي تكفل تحرير هذه المنظومة مما علق بها من غلو وتطرف أسهما على نحو غير مسبوق في تكريس آليات التخلف والتقهقر الثقافي، الأمر الذي يتطلب ضرورة إحياء منظومة فكرية جديدة تتسم بالقدرة على التنوير والتفاعل مع روح العصر.وأوضح أن المجالس الوزارية العربية المتخصصة تواصل بحث السبل الكفيلة لإيجاد الآليات المناسبة؛ لمقاومة الإرهاب، والقضايا ذات الصلة بتطوير الإستراتيجية العربية لمكافحة الإرهاب والاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، واتفاقية الرياض للتعاون القضائي، والاتفاقية العربية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وغيرها من الاتفاقيات التي تكفل إيجاد آليات فعالة لمقاومة الإرهاب. قوة عربية مشتركة وفي سياق ذي صلة، أضحت فكرة تشكيل قوة عربية مشتركة، تحظى بتأييد واسع في كواليس الجامعة العربية، في ضوء تصاعد المد الإرهابى لتنظيم "داعش" في المنطقة العربية على نحو شديد الخطورة. وقد جاءت الدعوة لإنشاء قوة تدخل عربية مشتركة؛ لدحر الإرهاب في اقتراح للدكتور نبيل العربى الأمين العام للجامعة العربية في دراسته عن صيانة الأمن القومي العربي التي قدمها للاجتماع الطارئ لمجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية، منتصف يناير الماضى، واللافت أن الاقتراح تضمن الدعوة لعقد اجتماع عاجل لمجلس الدفاع العربي المشترك؛ لبحث إمكانية تشكيل قوات التدخل العسكري العربي والآليات اللازمة لعملها ومرجعياتها السياسية والقانونية ووسائل تنظيم عملها وتشكيلاتها العسكرية، والدول الأعضاء والمساهمة فيها، إلا أنه سرعان ما صدر تصريح من الأمانة العامة للجامعة، ينفي مثل هذه الدعوة وهو ما كشف -وفق معلومات خاصة - عن تباينات في مواقف الدول العربية خلال الجلسة المغلقة التي عقدت لبحث هذه الدراسة، التي قام الأمين العام للجامعة بإعدادها، بناء على تكليف سابق من وزراء الخارجية العرب، الأمر الذي تقرر معه إجراء المزيد من المناقشات في قطاع الأمن القومي بالجامعة، وهو قطاع مستحدث ضمن هيكلية الأمانة العامة، ومكلف بمتابعة كل الشئون ذات الصلة بقضايا الأمن القومي، والمهددات التي تواجه النظام الإقليمي العربي. وتفيد المعلومات الخاصة التي تم الحصول عليها في هذا الصدد، بأن الأمين العام للجامعة العربية ومساعديه أصيبوا بنوع من خيبة الأمل؛ من جراء التحفظات التي أبدتها بعض الدول العربية إزاء فكرة تشكيل القوة المشتركة، وهو ما أدى إلى نوع من التراجع عن بحث الفكرة، والتركيز على مسألة تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك، وهو ما شكل العناوين الرئيسية لتصريحات الدكتور نبيل العربي من دون أن يشير إلى فكرة القوة العربية المشتركة في آخر بياناته عن العملية الإرهابية التي قام بها تنظيم داعش مؤخرا ضد 21 عاملا مصريا قبطيا في ليبيا، عندما أعاد التأكيد على هذا المطلب في معرض حديثه عن ضرورة إتخاذ موقف حازم، وتبني إجراءات فعالة؛ لصيانة الأمن القومي العربي والتصدي لظاهرة الإرهاب على حد قوله. وبحسب مصدر رفيع المستوى بالأمانة العامة للجامعة العربية، فإن خيار القوة المشتركة سيكون على رأس الملفات التي سيتم طرحها على القمة العربية السادسة والعشرين، التي ستعقد بمصر يومي 28 و29 مارس المقبل. ويقول المصدر: إن التطورات الأخيرة سواء فى مصر أو في غيرها بالمنطقة أعطت دفعة قوية لهذا الخيار، ومن ثم ستعقد خلال الفترة المقبلة سلسلة من الاجتماعات التي ستنظمها الجامعة العربية؛ لبحث تكثيف التنسيق بين الدول العربية؛ للوصول إلى تشكيل قوة عربية مشتركة للتدخل السريع في أسرع وقت ممكن، يكون من مهامها العمل على دحر الإرهاب، مضيفا أن الاجتماعات القادمة على مستوى وزراء الخارجية ستبحث فى إمكانية بدء تنسيق حقيقى على الصعيد العسكري. أهداف القوة ويقول السفير هاني خلاف مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق للشئون الخارجية: إن الأهداف المنوطة بهذه القوة يمكن أن تشمل التعامل مع التنظيمات الإرهابية عندما تعرض أمن إحدى الدول العربية للخطر، مثلما حدث مع كل من العراق وسوريا ومصر وليبيا، إلى جانب توفير الحماية للمدنيين في أى دولة عربية، عندما يواجهون أى مخاطر، بالإضافة إلى إمكانية القيام بتنسيق توصيل المساعدات الإنسانية، ومساعدة اللاجئين والنازحين، والعمل على إعادتهم إلى مناطقهم وغير ذلك من مهام تستوجب وجود مثل القوة المشتركة، ولعل ثمة أنموذجا ناجحا -كما يقول- يتمثل في الاتحاد الإفريقي، الذي باتت وحداته العسكرية منتشرة في غير دولة تواجه اضطرابات، وتلعب دورا مهما في حفظ الأمن والسلام في العديد من مناطق القارة السمراء. ومن وجهة نظر الدكتور محمد مجاهد الزيات رئيس مركز الشرق الأوسط بالقاهرة للدراسات الإستراتيجية، فإن ثمة عقبة تحول دون إمكانية تشكيل القوة العربية المشتركة، وتتمثل -كما يقول- في تبني بعض الدول العربية مواقف داعمة للجماعات والتنظيمات الإرهابية، وبالتالي فإن الأمر يتطلب الإسراع بإيجاد توافق فيما بين الدول الأعضاء في الجامعة العربية مع تحديد طبيعة هذه التنظيمات والجماعات، وبالتالي فإنه يبدو من الصعوبة بمكان تصور التوافق على تأسيس مثل هذه القوة.