كثير من الناس يضيقون بحياتهم نتيجة أحداث معينة تعاكسهم، وتجعل لديهم انطباعا بأن الحياة غير عادلة طالما ظلوا يرددون ما يقولونه دوما عن سوء الحظ.. وكثير من الموجهين الدنيوين يقولون لكل واحد منهم (عش لحظتك) واصنع لنفسك ذلك التوازن بين ما يحدث لك ، وما تريده أن يحدث وهذه الصناعة ليست أمرا عصيا ؛ طالما كنت مؤمنا بالله وقضائه وقدره، وإذا كنت كذلك حقيقة ، لا مجرد ترديد غير واع للأقوال .. فإنك حتما ستدرك أن الله أعطاك مفاتيح كثيرة تستطيع استخدامها لتهدأ نفسك وتطمئن .. وما من شك في أن الشعور بالطمأنينة وسكينة الروح يختلف من شخص لآخر ، وليس بالضرورة أن تكون هذه الطمأنينة مقتصرة على أهل الصلاح والفلاح الظاهري وهم الذين يركعون ويسجدون ويصومون ويكون ظاهر يومهم مليئا بالعبادات .. بلا نقص أو خلل ؛ ومع هذا تكون لحظاتهم متناقضة مع أسسهم الدينية ومتطلباتهم الدنيويه ؛ لأننا نرى بعض هؤلاء يفتقدون لهذه الطمأنينة وافتقادهم لها قد يملؤهم حقدا وضغينة ولهذا نسمع منهم ما لا يتناسب مع عباداتهم الظاهرة ! هؤلاء يعتقدون أن العبادة جانب منفصل عن الحياة ولا صلة له بها من قريب أو بعيد ! ولا يفهمون أثر كل واحدة منهما على الأخرى، ويغيب عن هؤلاء أن الله تعالى حين قال: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) لم يفصل بين الحياة والعبادة، بل جعل العبادة مترتبة على الخلق . فنحن أحياء أولا وعباداً ثانيا فكيف تُفعل الأولى لأجل الثانية؟ وكيف تؤثر الثانية في الأولى؟ إن الإجابة عن هذين السؤالين تحتاج إلى مجلدات، لكنها في الوقت نفسه من الممكن أن تختصر إلى جملة قصيرة من كلمتين (عش لحظتك) أو واحدة هي (الآن) . إن الآن بشرح مبسط ومتعلق بهذا الجانب هي أنه إذا أذن المؤذن فإنك ستقوم للصلاة وتتقرب إلى ربك في كل تفاصيل الصلاة .. شريطه أن يتجاوز كل ما تقوله في الصلاة حنجرتك إلى ما بعد انقضاء الصلاة فإذا كنت في الصلاة تقول: (وإياك نستعين) فعليك أن تفعل العون قدر استطاعتك في الدنيا وإذا قلت : الحمدلله فعليك أن تجعل الحمدلله شاملا لكل حركة وسكنة منك . ولكل نعمة تفضل بها عليك ولكل ألم، ولكل نقص هو خير لك عرفت هذا أو لم تعرفه ؛ لأن الحمد على النعم والاعتراض على النقم يعني أنك لا تؤمن إلا بالخير من القضاء أما الشر فلا ! وقس على هذا كل الدعوات التي وجهها لنا القرآن الكريم لنحيا ونعمر الأرض: (ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون) إن سبل (المعايش) في الأرض كثيرة لا تعد ولا تحصى ويدخل من ضمنها كل فعل من شأنه أن يحقق الاخلاص والسعي للرزق ويدخل من ضمنه كل عمل نزاوله ننتفع به وينتفع به غيرنا.. ولن تستطيع أن تسهم في عمارة الأرض إذا كنت ممن يعملون على هدمها أو الإساءة إليها بأي شكل من الأشكال بدءا من القتل الذي يمارس باسم الدين وانتهاء بالإساءة للبيئة عندما ترمي قاذوراتك مثلا في البحر . أحسب أن كثيرا من همومنا الدنيوية ناتجة عن سوء فهم واضح للدين والتعامل معه بشكل أفقي فقط، فيما بيننا وبين الله ، وفيما بيننا وبين أنفسنا ، وكذلك هو الحال مع غيرنا . فلو أننا صدقنا بيقين ووعي تامين قولنا حين نردد قوله تعالى: (فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون) لما تناقض إخلاصنا لله مع إخلاصنا لما يريده منا في هذه الحياة . ولو أننا فهمنا ماذا نعني حين نتحدث عن (الحب في الله) وأنه ليس مجرد شعور بقرب هذا المرء أو بعده عنا ففي الحديث : (سبعة يظلهم الله بظله) ذكر (رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه) يحصر بعضنا هذا في مجالس الذكر وينحون الحياة جانبا في حين أن هذا التحاب في الله قد نحققه في كل تعامل بين اثنين في كل تفاصيل الحياة اليومية ومثال ذلك.. أنا أحبك في الله فلا أبخسك حقك، ولا أغشك ولا أظلمك ولا... ولا... إن الحياة بما فيها من عبادات ومعاملات تستحق أن تعاش لحظة بلحظة بتدبر كامل لكل ما ورد في القرآن الكريم ولا نتوقف عند أركان الإسلام الخمسة فقط كما يفعل كثير منا فإذا استطعنا الغوص في عمق كل تلك التفاصيل اكتملت عبوديتنا لله . * كاتبة