عندما يصاب أحدنا بأي نوع من المرض أو الوباء_ لاسمح الله _ يسارع ويحث الخطى إلى الطبيب ويتعهد نفسه بأخذ الحيطة والحذر والابتعاد عن مكامن الوباء والالتزام بالإجراءات والوصايا الطبية التي يقدمها له أصحاب الاختصاص ولاينفك يتناول العقاقير الطبية والتطعيمات الضرورية اللازمة لمثل حالته ....ولا عجب ولا غرابة في هذا الفعل فان الصحة من المهمات لدى الإنسان ولها شان كبير عنده ويبذل من اجلها كل غال ونفيس. ولكن...هل فعلا إن الصحة الجسدية أو العضوية تأتي في أول الأولويات وفي مقدمة الاهتمامات لدى الإنسان؟؟وهل نضارة البشرة وامتلاء الجسد هو المراد الأسمى لكل فرد؟؟ وهل يعني هذا أن الصحة البدنية لدى الفرد هي أقصى تطلعاته وهي الجديرة بالاهتمام , فإذا صلحت صلح سائر حياته , وإذا قويت تمكن من معايشة مجريات زمانه؟؟ طرحت على نفسي هذه الأسئلة , وقلت : انه لاعجب أن يهتم الإنسان بحياته وهذه من الضروريات القصوى و الاهتمامات العظمى وقد أمرنا بها, ودللنا عليها فطرة وشرعا عقلا, ولكن خطر في بالي خاطرة مؤداها( إذا كان البدن في أوج نظارته وصحته ولكن سيد الأعضاء _قلبه_ ومدير الجسد _عقله_ يغطان في نوم عميق وقد ناهشتهما الأمراض , واحتوشتهما الأسقام , وعلاهما الغبش , وقد عميا عن إدراك مايراد منهما وأثرا على فكر صاحبيهما ....فهل نقول إن هذا الفرد في أتم صحته وأقصى درجات نشاطه؟؟؟) لاشك إن صحة العقل والفكر هي الغاية النهائية التي لابد للإنسان أن يسعى إليها ويبذل من اجلها كل شي , ويبتعد كل البعد عن مايعكر صفو العقل وما يكدر نقاءه الذهني , وما بشوب مرآته من أوساخ الأفكار ورديء المعتقدات وسيء الخواطر . ولهذا كانت غالب آيات القران الكريم تخاطب وتنادي ذلك العضو الأهم في الجسد , وتحث وظائفه المتعددة على إدراك الفهم الصحيح وتأمل الحياة من منظور آخر , والبعد عن سفليات الأمور وعن التفكير السطحي المجرد الغارق في أوحال الماديات , فكانت كثيرا من آيات القران تختم ب( أفلا يتفكرون_ يتدبرون _ يعقلون _ يتذكرون ......الخ) وجميع هذه الأعمال هي من وظائف العقل وهو المخاطب الأوحد بهذه الأوامر , بل إن الله _عز وجل _ أمرنا أن ننظر ونتأمل في حال الأرض ومن عليها , فقال( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين ) وقال ( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت.....الخ) فهل يتصور أن الآيات تقصد فقط النظر الحسي المجرد؟؟ إن كان المقصود هذا فالمخاطبون ينظرون دائما إلى هذه الأشياء إما بإرادتهم وطوعهم أو يقع بصرهم عليها مرورا في سائر يومهم !!! ولكن المقصود هنا هو النظر بعين العقل وهو التدبر والتأمل والتفكر في مخلوقات الله والى الأمم الماضية وما فعل الله بها . فما فائدة الصحة , حينئذ , وحدها إذا كان العقل مريضا , وما جدوى العافية إذا كانت الروح شقية , وماذا يغني تكنز الجسم باللحم وامتلاءه إذا كان نحيلا ونحيفا من القيم والأخلاق , ويعيش خواء روحي , قد انتشرت في أجزائه الأورام الأخلاقية , وسالت على جلده صديد المخازي وعششت على عقله تراكمات خطرة فد تعصف بحياته وتحيلها إلى قاعا صفصفا لا مكان فيها للإصلاح والرقي . اعتقد أننا مقصرون كثيرا في الاهتمام بصحة عقولنا وإثراء الجوانب المعرفية والعقلية السليمة التي تقودنا إلى العيش بسلام وطمأنينة , وتبعدنا عن الخوف والاضطراب في زمن غلبت فيه الإمراض النفسية وطغت عليه العاهات الخلقية , ولابد من مواجهتها بالاهتمام بتقوية الإيمان ومعالجة الخلل وتنمية عقولنا وتطويرها والمسارعة الى صد أي هجوم فيروسي قد يطيح بحصون قيمنا , والوقف ضد أي رياح عاتية من الداخل او الخارج قد تنتشل جذور الفضيلة من أعماق أرواحنا , ومواجهة الأعاصير التي تحمل في طياتها الشبهات والشهوات التي نتلقفها كل حين وكل يوم من خلال العديد من الوسائل الإعلامية التي مازالت ولن تزال _مالم تواجه بمقاومة إعلامية واعية_ تغذي عقولنا وعقول أبنائنا بالسيئ من الأفكار والمنحط من الوجبات العفنة التي تمجها الإفهام السليمة . إنها دعوة لان نجري فحوصات دورية على عقولنا , لماذا نحن تهتم كثيرا إلى بإجراء الفحوصات الطبية _ واكرر أنها مهمة_ لأجسادنا , بينما في الجانب المقابل عقولنا وأرواحنا تراكمت عليها أتربة التخلف وعلاها رين الشبهات , وتحجرت أوردتها بالتفاهات , وغارت عيونها من جريان الأفكار الصحيحة السليمة , وأصبحت قيعان آسنة تحمل الخبيث والطيب . إن مراجعتنا الدائمة لعقولنا ولكل ماقد يطرأ عليها وتجديد الإيمان في دواخلنا , وعرض مايرد إلى خواطرنا على ميزان الشريعة , ووزنه بميزان الخطا والصواب , والتأمل الدائم المثمر لمجريات الحياة من حولنا , وتفهم وإدراك القواعد التي جاء بها الإسلام , ومعرفة الغاية التي من اجلها خلق البشر , تحول _بأذن الله_ دون تفاقم وتردي الحالة , ومن ثم قد لاينفع علاج ولايجدي نصح ولانتفع موعظة , فيتحجر العقل وتيبس الروح ويضطرب الفؤاد ...... اهتموا أولا وأخرا باجسادكم وقبلها عقولكم لتحيوا حياة السعداء , لايكدر صفوكم مكدر , ولا ينغص أرواحكم منغص...عافانا الله وإياكم... ابراهيم محمد العمري