عادة ما تهدف سياسات الدول الاقتصادية، مالية كانت أو نقدية، إلى مكافحة التضخم؛ لتعزيز النمو الحقيقي في الناتج المحلي الإجمالي. ولكننا في هذه الأيام، نجد أن اللغة المعتمدة في خطابات سياسات البنوك المركزية، تشجع الانفاق الاستهلاكي، وترحب بالتضخم على غير العادة. فالاحتياطي الفيدرالي الأمريكي ما زال محجما على رفع أسعار الفائدة الرئيسية على الرغم من عودة الاقتصاد الأمريكي للنمو، وظهور فقاعة سعرية في أسعار بعض الأصول؛ بسبب انخفاض معدل التضخم عن المستوى المستهدف. فلماذا تقوم الاقتصاديات الكبرى باستهداف تحفيز التضخم لمستوى 2% على الأقل؟ تواجه معظم الدول الصناعية المتقدمة خطرا يهدد اقتصادها، هو فخ الانكماش. ونتيجة لذلك، نشهد انخفاضات متتالية في أسعار الفائدة الرئيسية في عدد من الدول، مثل: السويد، وأستراليا. بل وفي بعض الأحيان، فإن البنوك المركزية قد تلجأ لاعتماد سعر فائدة أساسي سلبي مثلما حدث في سويسرا. ففي حالة الانكماش، فإن واضعي السياسات الاقتصادية يعملون على تعزيز التضخم برفع مستوى السيولة عن طريق طبع المزيد من النقود. ففي الفكر الاقتصادي الحديث، يرتبط الانكماش بتحول العائد على الأصول إلى السلبية. وبالتالي يعمل العائد الاستثماري السلبي على إعاقة النشاط الاقتصادي. ويتحول المستثمرون والمشترون إلى الكنز العملة بدلا من استثمارها. ينتج الانكماش عندما لا ينمو عرض النقد بنفس سرعة النمو في الاقتصاد والتعداد السكاني، فيصبح المال أكثر ندرة. وبالتالي فإن القوة الشرائية لكل وحدة نقدية تبدأ في التعاظم والارتفاع. ولذلك فإن ارتفاعا في كفاءة وتقنية الإنتاج، والتي قد تكون هدفا اقتصاديا، سبب رئيسي لتوليد الانكماش. بحيث يتمكن المستهلك من شراء المزيد من السلع مقابل أموال أقل؛ نتيجة انخفاض السعر الإجمالي للبضائع. في هذه الحالة، يعي المستهلك أن البضائع ستستمر في الانخفاض نتيجة تحسن وارتفاع كفاءة وسائل الانتاج، فيحتفظ بما لديه من مال اليوم بدلا من توجهه لصرف ما لديه من مال. عند وقوع اقتصاد ما في دوامة الانكماش، فإن الانخفاض في الأسعار يؤدي إلى انخفاض الإنتاج، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى انخفاض الأجور والطلب، وبالتالي يتبع ذلك -بالضرورة- المزيد من الانخفاضات في الأسعار. ولأن التخفيضات في المستوى العام للأسعار تسمى اقتصاديا بالانكماش، فإن دوامة الانكماش هي عندما تؤدي التخفيضات في المستوى العام للأسعار إلى حلقة مفرغة، بحيث تحد كل خطوة من خطوات الدوامة من النشاط الاقتصادي. وقد اعتبر البعض أن الكساد العظيم الذي وقع في ثلاثينيات القرن العشرين على أنه دوامة انكماشية. المثال الأبرز على الدوامة الانكماشية في الفترة الأخيرة هو ما يسمى بالعقد الياباني الضائع. فقد أدى تراجع العائد الاستثماري إلى ما دون الصفر إلى تراجع الطلب المحلي إلى تعاظم قيمة الين، الأمر الذي رفع من قيمة الصادرات اليابانية في مواجهة باقي الدول. فما لبث أن تراجع الطلب العالمي على السلع اليابانية فانخفض الإنتاج، وضاعت عشر سنوات من النمو الاقتصادي نتيجة هذه المصيدة.