الآفاق أو الاستشراف الاقتصادي العالمي World Economic Outlook، واختصارا WEO تقرير شامل في نحو 300صفحة يصدر عن صندوق النقد الدولي مرتين سنويا في أبريل وأكتوبر، وهو خلاصة تحليلات اقتصاديي الصندوق وتوقعاتهم حول التطورات الاقتصادية في العالم. وقد صدر تقرير أبريل 2008في مطلع الأسبوع الثاني من هذا الشهر، ويغطي الأحداث إلى نهاية سبتمبر. ورغم سمعة الصندوق غير الطيبة عند الكثيرين، لكن ينبغي ألا يمنعنا هذا من أخذ المفيد، فالحكمة ضالة المؤمن. وتقرير الاستشراف الاقتصادي العالمي يحوي تحليلات قيمة للأوضاع الاقتصادية العالمية، ويحوي سياسات ونصائح جيدة لتطوير الاقتصادات الكلية وتحسين المالية العامة، ويبقى على عاتق الآخرين حسن الاستفادة مما في التقرير. وعامة تقارير الصندوق الاقتصادية تسيرها المعرفة المهنية الاقتصادية، لا التوجهات السياسية، وطبعا هذا لا يلغي وجود خلافات مهنية في الآراء. ربما كانت أهم خلاصة للتقرير إشارته إلى بدء دخول الاقتصاد العالمي، وخاصة ما يسمى بالاقتصادات المتقدمة في مرحلة من الهبوط أو التباطؤ الشديد على أثر أخطر صدمة مالية تتعرض لها الأسواق المالية منذ نحو 80عاما. وزاد من وقع المشكلة ارتفاع أسعار السلع الأولية. ومن المتوقع أن يشهد النمو الاقتصادي العالمي تباطؤا قويا في العام الجاري، وألا يبدأ الانتعاش ولو بصورة متواضعة إلا في أواخر عام 2009وتقترب أو تتجه اقتصادات كثير من الدول الصناعية إلى الركود. ويتوقع ألا يتعدى معدل النمو الاقتصادي على المستوى العالمي 4% للعام الحالي، و3% للعام القادم. ويرى الصندوق أن معدل نمو 3% يعني ضمنا ركودا اقتصاديا، بالنظر إلى أن الاقتصادات السريعة النمو كالصين ستواجه متاعب جدية إذا انخفض النمو فيها من 11% إلى 6%. وقد أكد كبير الاقتصاديين في الصندوق اوليفر بلانشارد (اقتصادي بارز، متخصص في الاقتصاد الكلي، وقد شغل وظيفته من سبتمبر الماضي) على أهمية تطبيق سياسات اقتصادية كلية ومالية مشتركة، لمكافحة قوى سلبية على عدة جبهات. من جهة مالية، هذا يتضمن تصميم برامج شاملة لتتعامل مع مشكلات ذات طابع نسقي. أما من جهة الاقتصاد الكلي، فيتضمن استعمال سياسات نقدية ومالية عامة لدعم النمو وكسر دوران التأثيرات السلبية بين القطاعات المالية والحقيقية. وهو دوران شبيه بحلقة مفرغة تلف اقتصادات كثيرة. انتعاش ولكن بالتدريج ربما كانت أهم خلاصة للتقرير إشارته إلى بدء دخول الاقتصاد العالمي، وخاصة ما يسمى بالاقتصادات المتقدمة في مرحلة من الهبوط أو التباطؤ الشديد على اثر أخطر صدمة مالية تتعرض لها الأسواق المالية منذ نحو 80عاما. يتوقع أن تدفع تلك الصدمة العالم إلى نمو معتدل في حدود 3% في العام القادم، وهو معدل أقل بنحو 1% عما توقعه الصندوق قبل قرابة ثلاثة شهور. ومن المتوقع حصول انتعاش recovery في وقت لاحق من عام 2009، بعد المرور بفترة تباطؤ نمو خلال الفترة المتبقية من عام 2008وأوائل عام 2009، ولكنه سيكون انتعاشا تدريجيا بصورة تختلف عما عرف وقوعه في الماضي. وذلك لأن الظروف المالية من المتوقع أن تستمر صعبة للغاية، رغم الأعمال التي تقوم بها الولاياتالمتحدة والسلطات الأوروبية للتعامل مع الأزمة المالية، وحتى لو افترضنا نجاح هذه الأعمال في تحقيق استقرار الأوضاع المالية، ومنع المزيد من التردي. زمام الأزمة، وخاصة في الدول المتقدمة اقتصاديا، يسيرها دوامة من فقدان الثقة والطمأنينة. وقد أشار بلانشر إلى أن الآثار تنتشر إلى المستهلكين وقطاعات الأعمال، وهناك صناعات وأنشطة نجت إلى حد كبير من آثار ارتفاع أسعار النفط والسلع الأساسية خلال الفترة الماضية، ولكنها ستعاني من تباطؤ حاد في الطلب من الآن فصاعدا. ورغم حصول شيء من التباطؤ في الاقتصادات الناشئة، إلا أن من المتوقع أنها ما زالت تملك قدرا من المرونة، وستستفيد من قوة نمو الإنتاجية وتحسن السياسات العامة. ولكن ينبغي أن يدرك أن بقاء الأزمة وقتا أطول، يعني مزيدا من احتمال تأثر تلك الاقتصادات. تراجع التضخم من المتوقع حصول ركود اقتصادي معه استقرار في أسعار السلع الأساسية، مما يحد من وتيرة ارتفاع الأسعار في الاقتصادات المتقدمة. ولكن في حالة كثير من الاقتصادات الناشئة والنامية، فإن المتوقع استمرار التضخم مرتفعا حتى نهاية عام 2008، نتيجة أن الزيادات الأخيرة في أسعار السلع الأساسية خلال الشهور الماضية تستمر في التأثير على المستهلكين، قبل أن يتراجع بعض الشيء في أواخر عام 2009.ورغم تباطؤ النمو العالمي، فإن معدل التضخم قد ارتفع في جميع أنحاء العالم إلى أعلى المعدلات منذ أواخر عقد 1990، مدفوعا بارتفاع أسعار الأغذية والوقود. أما فيما يسمى بالاقتصادات المتقدمة، فإن التضخم خلال 12شهرا سجل نحو 4.25% في أغسطس 2008، بانخفاض طفيف عن الذروة المحققة في يوليو، نتيجة انخفاض نسبي في أسعار بعض أسعار السلع الأساسية. وتتضح رجعة التضخم أكثر في الاقتصادات الصاعدة والنامية، مع بلوغ معدل التضخم نحو 8%، في أغسطس، مع وجود معدلات تضخم أعلى في عدد كبير من البلدان. وحسب تقرير الصندوق، يعكس الفرق في معدلات التضخم بين مجموعات الدول إلى حد كبير وزنا أكبر لأسعار الأغذية في محتويات سلة الاستهلاك بين هذه الاقتصادات، فهي تمثل نحو 30-45% في الاقتصادات النامية، مقابل نصف تلك النسب أو حتى أقل فيما يسمى بالاقتصاديات المتقدمة. الأجور والسلع الأساسية هناك دلائل على أن التضخم باستثناء الأغذية والوقود قد تسارع بشكل ملحوظ أيضا، وتشير الدلائل أيضا إلى ارتفاع توقعات التضخم والزيادات في الأجور في الدول النامية، على الرغم من أن هذه البيانات ليست متاحة بشكل منتظم كما هو الحال في الاقتصادات المتقدمة. وأما ما يخص أسعار السلع الأساسية، فرغم الانخفاضات الكبيرة خلال الأسابيع الأخيرة، إلا أن تقرير الصندوق يرى أنها مازالت في مستويات أعلى بكثير من حيث القيمة الحقيقية من أي وقت خلال السنوات العشرين الماضية. القوة الدافعة وراء استمرار هذا الوضع في أسعار السلع الأساسية تتركز في ضيق أرصدة العرض والطلب لكثير من المنتجات الرئيسية، مصحوبة بتفهم أن من المرجح أن تبقى الأسواق مشدودة في المستقبل القريب، بعد سنوات كثيرة من توفر طاقة فائضة. مخاطر محيطة بالتوقعات تحيط بتوقعات الصندوق الأساسية baseline projections حول النمو في العام 2009مخاطر. وفي هذا يرى تقرير الصندوق أن خطر الهبوط الرئيسي للنمو -بنسبة أعلى من التوقعات الأساسية- يأتي من أمرين ماليين متصلين: استمرار الضغوط المالية وقيود الائتمان الناشئة من التشديد في سد الاقتراض deleverageing، بشكل أعمق وأكثر من التصور الموضوع في التوقعات الأساسية -توقعات خط الأساس. والأمر الثاني تدهور سوق الإسكان في الولاياتالمتحدة، بصورة أعمق مما هو متوقع (غالبا) الآن، ويمكن أن يصحب ذلك ضعف في سوق الإسكان الأوربي أشد مما هو متوقع في الأساس. ويشير تقرير الاستقرار المالي العالمي Global Financial Stability Report الصادر في السابع من أكتوبر الجاري إلى وجود فشل لاستعادة الثقة في النظام المالي العالمي من خلال تدابير ومقاييس دولية متماسكة وحاسمة، وهذا الفشل يمكن أن يؤدي إلى فوضى متزايدة في التمويل الاقتراضي leverage. ومن شأن ذلك، أن يتضمن زيادة التكاليف في قطاعات الاقتصاد الحقيقي، أكثر مما جرى وضعه في التوقعات الأساسية. وفي نطاق هذه الحالة الاستثنائية غير الواضحة، فإن هناك مخاطر كبيرة في اتجاه الأمور خارج نطاق التوقعات الأساسية. وزيادة على مواضع الإشكال المتعلقة بالضغوط المالية عندما يطول أمدها وتدهور سوق المساكن في الولاياتالمتحدة، هناك احتمال قوي بوقوع تأثر سلبي ملموس على تدفقات رؤوس الأموال إلى الاقتصادات الناشئة، واللجوء إلى تدابير حمائية، مما يمثل مخاطر إضافية على طول فترة الانتعاش (يشبه ذلك إلى نحو ما مدى التأثير السلبي على مسار الأعمال اليومية جراء تشديد التدابير الأمنية عند وقوع إخلال بالأمن). ويميل خطر التضخم على النمو إلى أن يكون أكثر توازنا بسبب تراجع نسبي في أسعار السلع الأساسية، استجابة لتباطؤ النمو العالمي. احتمالات حدوث تحول بلغ معدل النمو السنوي من حيث المتوسط في الاقتصادات المتقدمة نحو 1%، للربع الأخير من عام 2007والنصف الأول من عام 2008وكان اقتصاد الولاياتالمتحدة أكثر هذه الاقتصادات تضررا من الأزمة المالية التي نشأت في سوق الرهن العقاري، حيث شددت شروط الائتمان، مصحوبة بتصحيحات في سوق الإسكان منذ عام 2006.ولم تنج الاقتصادات الناشئة والنامية من تراجع النمو، فقد لوحظ أن معدلات النمو قد خفت لهذه المجموعة من حيث متوسطها. وكان النمو أكثر مرونة في البلدان المصدرة للسلع الأساسية، أما الدول المعتمدة في تجارتها بقوة على الولاياتالمتحدة وأوروبا فقد شهدت تباطؤا ملحوظا. وهناك مجموعة دول تعتمد اعتمادا كبيرا على الخدمات المالية وتدفقات الحوافظ لتمويل عجوزات كبيرة في حساباتها الجارية؛ هذه الدول تضررت بشدة جراء التشديد المفاجئ للتمويل الخارجي. وتبين التوقعات الأساسية التي عملها صندوق النقد الدولي أن الاقتصاد العالمي يمر بانكماش رئيس، حيث يتوقع أن يهبط النمو إلى أدنى مستوى منذ الانكماش الحادث عام 2001ورغم توقع حصول انتعاش تدريجي ابتداء من أواخر عام 2009، إلا أنه ليس من المتوقع العودة إلى الاتجاه التصاعدي حتى عام 2010ويرى تقرير الصندوق أن الانتعاش المتدرج مدعوم بالتراجع السلبي في معدلات التبادل التجاري، جراء استقرار أسعار السلع الأساسية؛ والتحول في سوق الإسكان الأمريكي؛ وارتفاع الثقة في أن السيولة، مقرونة بحل مشكلات الملاءة في المؤسسات المالية. ومن المتوقع أن ينخفض نمو الاقتصاد العالمي من 5% عام 2007إلى نحو 4% عام 2008وإلى قرابة 3% عام 2009.ويواجه الاقتصاد الأمريكي للفترة المتبقية من عام 2008وأوائل عام 2009جمودا أو نموا سالبا، وأما دعم الحوافز الضريبية فمنحسر، مضاف إليها اعتدال في التصدير، وتشديد في الظروف المالية. وينبغي أن تسهم التحولات في قطاع الإسكان المصحوبة باستقرار أسعار النفط في المساعدة على وضع الأساس لانتعاش في النصف الثاني من عام 2009، ولكن من المتوقع أن تكون دورة الانتعاش أكثر تدرجا مما كان في دورات أعمالية business cycles سابقة، حيث إن تشديد الائتمان يحد من الطلب المحلي. ولا يشير تقرير الصندوق إلى خطة الإنقاذ الأمريكية البالغة تكلفتها 700بليون دولار، التي ووفق عليها في 2008/10/3، ويبدو أنه تم إعداد نصوص التقرير، وأرسلت إلى الطباعة قبل الموافقة على الخطة. وليس الاقتصاد الأمريكي وحيدا في مشاكله، فمتوقع أن تمر معظم الاقتصادات المتقدمة الأخرى بفترة نمو بطيء للغاية أو انكماش في عام 2008والنصف الأول من عام 2009، ثم تمر بتحسن نسبي في الجزء الأخير من السنة. ومن المتوقع أن يشهد النمو في الاقتصادات الناشئة والنامية تباطؤا في سرعته، منخفضا دون مسار أو منحنى الاتجاه خلال النصف الثاني من عام 2008وأوائل عام 2009، قبل أن يتعافى نسبيا بقية العام. وبصفة عامة، يتوقع أن يكون النمو في هذه البلدان أعلى بكثير من المعدلات المحققة فترة تباطؤ الاقتصاد العالمي عامي 2001و 2002.وسيستمر نمو الصادرات بطيئا، كما سيكون الطلب الداخلي معتدلا، إلا أن ارتفاع الإنتاجية المحقق في السنوات الأخيرة سيعمل على دعم الطلب. ومن المتوقع أن تحافظ البلدان المصدرة للسلع الأساسية، ولا سيما النفط، من المتوقع أن تحافظ على الزخم، ولكن النمو في الدول التي تعتمد على استيراد الأغذية والوقود أو التمويل الخارجي سيكون بطيئا بصورة حادة. وأما صافي تدفقات رؤوس الأموال الخارجية فمن المتوقع أن ينخفض بمقدار النصف من حيث المجموع، وستواجه بعض الدول مشكلات في وضع الاحتياطي لديها. نمو الاقتصاد الأمريكي سيكون في حدود 1.6% هذه السنة - مدفوعا بالحوافز السياسة المالية، والصادرات - ولكن النمو المتوقع العام القادم سيكون صفرا تقريبا. وتتجه الدول الأوروبية إلى الركود أو تقترب منه، ويتوقع أن تنمو منطقة اليورو بنسبة 1.3% فى عام 2008، و0.2% في عام 2009.الاقتصاد الألماني، أكبر واحد في أوروبا، سيشهد جمودا في عام 2009؛ والاقتصاد الفرنسي سينمو بنسبة 0.2%. أما الاقتصادات الإيطالية والأسبانية فمتوقع أن تواجه انكماشا بنسبة 0.2%. والاقتصاد البريطاني سينكمش بنسبة 0.1%، وقد دخل الاقتصاد الإيطالي فعلا في انكماش يقدر بنسبة 0.1% عام 2008.وأما متوسط النمو في الاقتصادات المتقدمة ككل فسوف يكون في حدود 1.5% للعام الجاري 2008، وفقط 0.5% في عام 2009، بالنظر إلى أن المؤسسات المالية تشهد فترة إعادة هيكلة مؤلمة. ومن البعيد جدا أن يحقق أي من الاقتصادات السبعة الكبرى - أمريكا واليابان وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وكندا- نموا بأكثر من 1% عام 2009.واضعو السياسات في مواجهة تحديات ازداد الاهتمام في الظروف العالمية الحالية في وضع سياسات أكثر حزما في تأثيرها لتقليل دورات الارتفاع والانخفاض الحاد في أسعار الأصول. وفي هذا يواجه واضعو السياسات في جميع أنحاء العالم اليوم مهمة عسيرة لتحقيق الاستقرار في الأسواق المالية العالمية، ويتعين عليهم معالجة اقتصاداتهم خلال فترة حرجة تتسم بتباطؤ نمو وتشديد ائتمان، وعليهم العمل من أجل تحويل مسار التسارع المؤخر في معدلات التضخم. وينتظر صانعو السياسات تحديات هائلة في التعامل السريع مع المخاطر المحدقة بالاستقرار المالي، في الوقت الذي يتعين عليهم تمهيد الطريق لإعادة بناء راسخ لمنشآت الوساطة المالية. وتحقيق هذه المهام الصعبة يتطلب حلولا شاملة لمعالجة مشاكل النظام ومشكلة الأصول غير السيولة ونقص السيولة، والنقص في رأس المال، وانهيار الثقة. وفي الوقت عليهم التعامل بسرعة وفعالية مع مشكلات ناشئة في مؤسسات فردية. وينبغي أن تهدف السياسات الاقتصادية الكلية إلى دعم النشاط الاقتصادي، ومن ثم المساعدة في الخروج من حلقة الآثار الدائرة بين الاقتصاد الحقيقي والاقتصاد النقدي والمالي، إلا أنه يجب عدم إغفال المخاطر التضخمية. ويمكن أن تفيد سياسات المالية العامة من خلال أدوات الضبط التلقائي في تقليل الصدمات التي تصيب النشاط الاقتصادي، شريطة تنفيذ السياسات في الوقت المناسب، مع الدقة في التصويب، ودون تحميل المالية العامة أعباء شاقة تؤثر على استمرارية المالية العامة على المدى البعيد. وفي هذا ينبغي التركيز على جهود الاستقرار في القطاع المالي وقطاع الإسكان. وتتباين أولويات السياسة الاقتصادية الكلية بين الدول، وبين المجموعات الاقتصادية كونها متقدمة أو نامية، ومن ثم تجب الموازنة بين النمو ومخاطر التضخم. واضعو السياسات الاقتصادية الكلية التي تسعى إلى إيجاد توازن بين دعم نشاط في مواجهة تباطؤ الاقتصاد العالمي والظروف المالية صعبة للغاية، وقد أدى التدهور النسبي في أداء الاقتصاد العالمي إلى إثارة المخاوف بشأن اختيار أطر السياسات الكلية، ومدى ملاءمة السياسات المؤثرة على الأسواق المالية وأسواق السلع الأولية. الاختلالات وضغوط سوق السلع الأساسية أدت الارتفاعات الحادة في أسعار الطعام والنفط إلى زيادة فجوة الاختلالات العالمية. وقد حدث انخفاض واضح في العجز الأمريكي غير النفطي، وهو ما يرجع جزئيا إلى تخفيض سعر الصرف الفعلي الحقيقي للدولار الأمريكي، غير أن هذا التخفيض هو أساسا تخفيض إزاء اليورو وبعض العملات الأخرى التي تتسم إدارتها بالمرونة. ولا يزال ضبط أوضاع المالية العامة الأمريكية هدفا مطلوبا على المدى المتوسط، ولكن المشاكل الحالية تعطي مبررا لتقديم الدفعة المالية التنشيطية لتحقيق الاستقرار في السوق المالية. وعن طريق رفع سعر الصرف الفعلي الحقيقي لليوان الصيني، يمكن زيادة إسهام الطلب الداخلي في الصين في صنع النمو. وينبغي ضبط وتيرة الإنفاق في دول الخليج وهذا من شأنه أن يحد من النشاط الاقتصادي المتصف بمعدلات نمو مرتفعة جدا. وبصفة عامة، يرى تقرير الصندوق أن تبني السياسات الأنسب يتفاوت ويختلف بين البلدان. واتخاذ مواقف أكثر دعما يمكن أن يبرر في بعض الاقتصادات التي تواجه الآن ركودا نتيجة الضغوط المالية وركود سوق الإسكان وخسائر في التبادل التجاري. إلا أن تشديد السياسات مازال مطلوبا في عدد من البلدان التي لا تزال تنمو بمعدلات فوق الحدود القصوى. والانخفاض مؤخرا في أسعار السلع الأساسية إزاء التباطؤ العالمي لا ينبغي أن يسمح له بأن يقوض الجهود الرامية إلى التخفيف من سياسة الضغوط في أسواق السلع الأساسية. ينبغي أن يكون التركيز على السياسات الرامية إلى تحسين استجابة العرض والطلب، مع تجنب التدابير التي يمكن أن تؤدي إلى تفاقم مشكلة النقص في السوق على المدى القصير. وأخيرا، سيكون من المهم لضمان أن الاختلالات الكبيرة في التدفقات التجارية لا تؤدي إلى الحشد في التدابير الحمائية على سواء الحالية أو حساب رأس المال. كسر الجمود الحالي بشأن جولة الدوحة من شأنه أن يساعد في تعزيز النظام التجاري المتعدد الأطراف مفتوحة. @ دكتوراه في الاقتصاد