أخيرا خرجت اليونان تماما من ركودها الاقتصادي الذي استمر 6 سنوات والذي أدى إلى تقليص اقتصادها بمقدار الربع، ورفع معدل البطالة 3 أضعاف، وجعل الأدوية غير متوفرة بصورة كافية في البلاد. لكن الخلاف حول المالية العامة لليونان لم ينته بعد. منذ أن أعلنت أن العجز المخفي في الميزانية ترك البلاد في حالة إفلاس، كانت اليونان هي النقطة المشتعلة في الجدالات الاقتصادية الأوسع في الاتحاد الأوروبي، إلى جانب كونها مشكلة عملية بالنسبة للبلدان التي اصطفت معا لتتبنى عملة اليورو. من وجهة نظر بلدان الشمال الغنية، خصوصا ألمانيا، تعتبر اليونان بلدا مبذرا بحاجة إلى دواء اقتصادي مر. بالنسبة إلى كثير من اليونانيين، فإن عمق مشاكلهم أظهر الفائدة المحدودة بل وحتى حمق تخفيضات الإنفاق العام والزيادات في الضرائب، والتي فُرِضت عليها وعلى الاقتصادات المعتلة الأخرى مثل البرتغال وإسبانيا وإيرلندا وإيطاليا. في عام 2012 هددت الخلافات حول ديون اليونان بتمزيق منطقة اليورو. هذا الإحساس بالاستعجال أمام الحالة الطارئة تراجع الآن. مع ذلك، هناك أزمة سياسية أخرى في اليونان تتردد أصداؤها عبر قارة غارقة في الركود الاقتصادي. في ديسمبر من عام 2014 قامر رئيس الوزراء اليوناني أنتونيس ساماراس على تعزيز ائتلافه الهش بأن فرض إغلاق البرلمان. وعين خليفة له ليكون الرئيس الحالي للبلاد، وأخفق مرتين في الحصول على الأصوات. إذا أخفق للمرة الثالثة في التصويت الذي سيجري اليوم، 29 ديسمبر، فسوف يضطر إلى الدعوة إلى انتخابات عامة، وهو سباق سيكون الحزب المفضل للفوز فيه هو حزب سيريزا، المناهض لإجراءات التقشف في المالية العامة. أليكسيس تسيبراس، زعيم حزب سيريزا البالغ من العمر 40 عاما، وعد بشطب جزء من ديون اليونان البالغة 322 مليار يورو، ومعظمها اقترضتها اليونان من المفوضية الأوروبية وصندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي (التي تعرف باسم ثلاثية الدائنين، أو الترويكا.) حذر ساماراس من أن ذلك يمكن أن يدفع باليونان إلى الخروج من منطقة اليورو، وهو مشروع رفع العوائد على السندات الحكومية اليونانية (وبالتالي أدى إلى التراجع في عوائدها) لكن هذا لم يثر فزع اليونانيين الذين اعتادوا على سنوات من الفوضى. يأمل ساماراس في أن يتوصل إلى عقد صفقته الخاصة مع ثلاثية الدائنين، من أجل تخفيف إجراءات التقشف على الشعب اليوناني. حزب «الديمقراطية الجديدة» برئاسة ساماراس وحزب باسوك الاشتراكي برئاسة أندرياس باباندريو كانا يتبادلان السلطة منذ أكثر من 40 عاماً منذ الإطاحة بالمجلس العسكري الحاكم. أدى تنافس الحزبين على الأصوات إلى فورة إنفاق قوية بتمويل من الديون الدولية، وفي الوقت نفسه انتشر التهرب الضريبي على نطاق واسع. وفي عام 2009 تولى جورج، ابن أندرياس باباندريو، السلطة وكشف عن وجود عجز كان أكبر بأربع مرات مما تسمح به قوانين عضوية منطقة اليورو. تلقت اليونان مبلغا إجماليا بلغ 240 مليار يورو على شكل قروض من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي حتى لا تصاب بالإفلاس. كذلك أَكرهت اليونان الدائنين على شطب 100 مليار يورو من الديون التي اقترضتها من القطاع الخاص. بالمقابل، بالإضافة إلى تخفيضات الإنفاق، ضغط الدائنون على اليونان من أجل إجراء تغييرات شاملة في كل شيء من القواعد التي تحكم اليد العاملة إلى إصدار التراخيص لسيارات الأجرة. وفي عام 2013 حققت اليونان فائضا في الميزانية قبل دفعات الفوائد، وهو من الشروط التي وضعت من أجل إمكانية التنازل عن بعض الديون، التي وصلت إلى أكثر من 170 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، في الوقت الذي اقترضت فيه اليونان أكثر من قبل وتقلص الاقتصاد. من المتوقع أن يسجل الاقتصاد اليوناني نموا بنسبة 2.9 في المائة في عام 2015، و في عام 2014 تراجع معدل البطالة بين الشباب إلى 49.5 في المائة، بعد أن كان قد بلغ مستوى الذروة عند 60 في المائة. حتى أكثر اليونانيين المجهدين من التقشف لا يريدون أن تخرج اليونان من منطقة اليورو، وفقا لاستطلاعات الرأي. لكن ثلاثية الدائنين لم تُظهِر اهتماما بما يطالب به حزب سيريزا بشطب الديون. يشار إلى إن الأحرف في حزب سيريزا هي اختصار لعبارة تعني «ائتلاف اليسار الراديكالي». وإن حقيقة أن إسبانيا والبلدان الأخرى المدينة لترويكا الدائين تعطي أداء أفضل من اليونان يمكن أن تُضعِف حجة حزب سيريزا نحو شطب الديون. يتفق كثير من الاقتصاديين مع رأي تسيبراس، الذي يقول إن ديون اليونان كبيرة فوق الحد إلى درجة تعجز اليونان عن سدادها، رغم أنه توجد حتى الآن مساندة أقل بكثير لدعوته للتراجع عن التخفيضات السابقة في الميزانية وعرض منافع جديدة تلقى القبول عند الناس، مثل تقديم الكهرباء بالمجان. حجة الحزب، التي تقول ان التقشف جعل الأمور أسوأ من قبل بدلا من تحسين الأوضاع، لقيت قبولا واسعا لدى الجمهور. لكن بالنسبة لكثير من اليونانيين تعتبر جاذبيته الرئيسة هي أنه ليس واحدا من الوجوه المألوفة إلى حد كبير في اليونان. اليونان ليست البلد الوحيد في منطقة اليورو الذي يبذل جهودا ضد فرض إجراءات التقشف. فرنسا وإيطاليا أيضا تضغطان على الاتحاد الأوروبي من أجل إعطائهما المزيد من المرونة بهدف تعزيز الإنفاق الحكومي ومساعدة أوروبا في تجنب الوقوع في ركود اقتصادي ثلاثي.