منذ نهاية حرب الخليج الثانية، أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب، عن عزمه لجم طموحات إيران النووية. ومنذ ذلك التاريخ، تعاقب على سدة الرئاسة ثلاثة رؤساء، كلينتون وبوش الابن وأوباما، وكل يعد في برنامجه الانتخابي أنه سيجبر إيران على الخضوع، لقرارات مجلس الأمن، فيما يتعلق ببرنامجها النووي. استمرت لعبة القط والفأر، بين المجتمع الدولي وإيران، حول ملفها النووي. واقتربت الأمور، في عهد بوش الابن من حافة الخطر. وجرى الحديث عن تدريبات لطائرات عسكرية، ومناورات استعدادا للهجوم على المفاعلات النووية الإيرانية. وشعر العالم، أنه يقترب من، حافة الخطر، وأن مرحلة الحسم، تجاه التصدي لطموحات إيران النووية، باتت قاب قوسين أو أدنى. ثم خبا الحماس، وعاد المعنيون بالملف مرة أخرى لطاولة المفاوضات، في دورات مكوكية، لا يبدو أن لها نهاية. ويبدو أن الإدارة الأمريكية تحديدا قد تخلت عن سياستها السابقة، في الضغط على إيران، من أجل التخلي عن طموحاتها النووية. لقد غلبت رؤيتها الاستراتيجية للصراع العالمي، المختزل الآن في مواجهة عودة روسيا بقوة للمسرح الدولي، على ما عداها من الملفات الساخنة الأخرى. وليس من شك، في أن بلوغ إيران مبتغاها، في امتلاك السلاح النووي، سيكون من شأنه تهديد أمن دول الخليج العربي، بما يعنيه من تعريض المصالح الوطنية لشعوب المنطقة للخطر، وتهديد للأمن القومي العربي. لقد كشفت التطورات الأخيرة، التي أعقبت المباحثات التي جرت في سلطنة عمان، بين وزير الخارجية الأمريكي، ونظيره الإيراني، وبشكل خاص الرفع الجزئي للحصار المفروض على طهران، من دون تقديم الأخيرة، أية تنازلات عن طموحاتها النووية، أن الهدف الرئيس للتحرك الأمريكي تجاه إيران، ليس هو الملف النووي الإيراني، بل العودة لسياسة الاستقطاب، التي طبعت حقبة الحرب الباردة. وقد شبه التحرك الأمريكي الجديد تجاه طهران، بما أقدمت عليه إدارة الرئيس الأمريكي، ريتشارد نيكسون، تجاه صين ماوتسي تونج، في نهاية الستينات من القرن المنصرم، حين تمكنت إدارة الرئيس نيكسون من مد جسور قوية مع الصين الشيوعية، على حساب علاقة الأخيرة مع الاتحاد السوفييتي. وكان من نتائجها تسعير حدة الصراع العقائدي، بين موسكو وبكين. فإدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ترى أن التحدي القادم لسياساتها ومصالحها الاستراتيجية، ليس من إيران، بل من روسيا الاتحادية وحليفتها الصين الشعبية، الذين يمكن في القريب المنظور أن يشكلا قوة اقتصادية وعسكرية هائلة، تهدد مستقبل الإمبراطورية الأمريكية. ولذلك تعمل على استقطاب إيران، أو على الأقل تحييدها، ولذلك تقبل بأنصاف الحلول معها. فيما يتعلق بأزمة ملفها النووي. إن ذلك يعني أن أمن الخليج واستقراره، ليس في الأعلى من اهتمامات الإدارة الأمريكية، في هذه المرحلة بالذات. والبديهي أن تبادر دول مجلس التعاون الخليجي، لصياغة استراتيجية عملية، لمواجهة هذه التداعيات الخطيرة، الناتجة عن عجز المجتمع الدولي عن لجم طموحات إيران في امتلاك السلاح النووي. والمنطقي، هو أن ندخل بقوة في مجال التكنولوجيا النووية، وبقوة أسرع لكي نتمكن من اللحاق بما تمكنت إيران من إنجازه، خلال أكثر من عقد من الزمن. فلن تكون بلداننا في مأمن من الخطر القادم، إلا إذا امتلكنا ما يملكون، وتساوت معادلة القوة بين جميع بلدان المنطقة. ليس ما نطرحه، ردة فعل، أو دعوة لسباق تسلح من نوع آخر، ولكنه السبيل الوحيد أمام بقاء المجتمع الدولي متفرجا، وعاجزا وإيران تسير قدما نحو استكمال برامجها النووية، للتهيؤ لردع أي عدوان محتمل، ولحماية أمننا وصيانة وجودنا ومستقبلنا... ومن ساواك بنفسه ما ظلمك.