وسط الأحداث المتسارعة في العالم بشكل عام والشرق الأوسط بشكل خاص والتي ترسم خريطة جديدة للعالم تبرز تساؤلات تتعلق بالملف الأمني، ومصير التحالفات التقليدية، وما قد يستجد عليها. وقد اهتم تقرير الذي أعده المحلل السياسي (أنتوني كوردسمان) للمركز الدولي للدراسات الاستراتيجية، بعنوان "التغيرات العالمية وتأثيرها الأمني على الخليج" بإبراز تلك القضايا. يشير التقرير -الذي عرض في المؤتمر الدولي الثالث للدراسات الاستراتيجية في الدوحة- إلى أن "الدليل الاستراتيجي" الذي نشرته الولاياتالمتحدة في العام 2012 أوصى باستعادة التوازن في آسيا من خلال قطع من الأسطول الأمريكي والقوات الجوية التي لم تعد لها حاجة للتواجد في أوروبا. وذك لأن ثمة أولوية لا تقل أهمية وهي ضمان أمن الخليج والتأكيد على الشراكة الاستراتيجية مع حلفاء واشنطن في المنطقة. وأصبحت تلك الأولوية بنداً ثابتاً في ميزانية الدفاع خلال السنة المالية 2015، كما تم طرحها في العام الماضي في إطار تناول الأولويات الاستراتيجية حتى عام 2040. ومن جانبها، أبدت الولاياتالمتحدة استعدادها لإعادة القوات المقاتلة لمساعدة الدول الحليفة في المنطقة كما حدث هذا العام في حالة العراق. وفي هذا الإطار تقوم القوات الأمريكية بتعزيز تواجدها في منطقة الخليج باستقدام سفينة لقيادة القوات الخاصة، وسفن لمنظومة الدفاع الصاروخي بعيد المدى، وغير ذلك من العتاد. ويرى المراقبون أنه بمساعدة دول الخليج يمكن للقوات الجوية الأمريكية أن تعزز من قدراتها خلال أيام معدودة. كما تم نشر أنظمة جديدة مثل إف-22 مع تحويل الأنظمة الأخرى إلى إف-35 ذات الإمكانيات المتقدمة. وتؤكد إحصاءات معهد أبحاث السلام في ستوكهولم SIPRI أن صادرات الشرق الأوسط من المنتجات الأمريكية بلغت 28 % خلال الفترة بين 2009-2013 وهو ما يعادل ضعف حجم الصادرات الأوروبية للمنطقة. وقد بلغت الصادرات الأمريكية لدول الخليج وحدها في مجال التسليح 50 مليار دولار تتضمن طائرات قتالية متقدمة، وأنظمة دفاع صاروخي. وتشير التقديرات إلى أن السعودية وحدها حصلت على 29 % من صادرات الولاياتالمتحدة العسكرية خلال الفترة بين 2009-201 هل إيران بديل عن العرب؟ من الأسئلة التي تطفو على السطح بين الحين والآخر ويعتبرها كوردسمان تأتي في إطار نظرية المؤامرة، إلا أنه يعترف أن الولاياتالمتحدة كان لها أخطاء وسوء تقدير في تعاملها مع بعض القضايا في المنطقة، ولكنها تؤكد دوماً على استعدادها تقديم الدعم العسكري لدول الخليج وبقية الأصدقاء في الدول العربية. يضاف إلى هذا الحرص على العمل المشترك مع قوات دول مجلس التعاون الخليجي من خلال التدريبات والمناورات المشتركة. ومن الأسباب المهمة التي تدحض فكرة التحول إلى إيران أن المصالح الأمريكية مع العرب في المنطقة تفوق تلك التي تنشأ مع الشيعة، وأن منتقدي السياسات الأمريكية في الدول السنية لا يطلقون عليها لقب "الشيطان الأعظم" كما هو الحال في إيران بحسب تعبير الكاتب. وللبعد الاقتصادي دوره؛ فطبقاً للتقديرات الأمريكية الرسمية فإن دول الخليج وحدها تستحوذ على اقتصادات وإمكانيات تجارية بناتج محلس إجمالي يقدر بحوالى 1611 مليار دولار، في حين أن الرقم المناظر في حالة إيران لا يتجاوز 412 مليار دولار. وبالمقارنة بدول الخليج فإن حجم التجارة الإيرانية يبدو ضئيلاً؛ وقدرت الواردات الإيرانية في 2014 بحوالى 64 مليار دولار. وعلى الجانب الآخر نجد أن حجم الواردات الخليجية يقدر ب 506 مليارات دولار وهو ما يعادل ثمانية أضعاف الواردات الإيرانية. وتقدر واردات دولة واحدة كالإمارات بأربعة أضعاف واردات إيران تقريباً بقيمة تقدر ب 250ملياراً، ودولة السعودية التي تزيد وارداتها عن ضعفي الواردات الإيرانية بما يعادل 147 مليار دولار في العام 2014. ومن هذه الأرقام يبدو جلياً أن التحالف مع طهران بديلاً عن دول الخليج قرار يحتاج إلى تفكير عميق من الإدارة الأمريكية أمام هذه الخسائر المؤكدة التي ستنجم عن مثل تلك الخطوة. ولا يمكن تناول مسألة العلاقات بين أية دولة من ناحية وبين دول الخليج من ناحية أخرى بمنأى عن ملف الطاقة. وتشير التقديرات إلى ان احتياطي النفط في دول الخليج بنهاية العام 2013 يقدر بحوالى 497 مليار برميل بما يعادل 29 % من الاحتياطي العالمي، مقارنة ب 157 مليار برميل لدى إيران بما يعادل 9.3 % من احتياطي النفط في العالم. وبالنسبة للغاز، فإن دول الخليج لديها احتياطي يقدر بحوالي 450 تريليون متر مكعب بما يعادل 23 % من احتياطي العالم، مقابل 360 تريليون متر مكعب في إيران بنسبة 9.3 %. وتتبقى ملفات استراتيجية تجعل من وجود "شهر عسل" بين طهران وواشنطن أمراً مستبعداً في المستقبل القريب، ومنها الدور الذي تلعبه إيران في العراق والبحرين واليمن، ودعمها لنظام بشار الأسد ولحزب الله مما يتعارض في أحيان كثيرة مع المصالح الأمريكية. قوة إيران والتوازن العسكري الخليجي يرى التقرير أن الوقت قد حان لكي تتوقف دول الخليج عن التفكير في إيران كقوة إقليمية عظمى بل إن التفكير يجب أن ينصب في الأمن الجماعي وزيادة فعالية قوات هذه الدول بقدر الإمكان. وبحسب تقديرات معهد SIPRI فإن دولتين من دول مجلس التعاون ضمن أكبر 15 دولة تنفق على القوات العسكرية في العام 2013: السعودية 67 مليار دولار، والإمارات 19 مليار. ولم تتوافر بيانات مماثلة عن إيران نظراً للغموض الذي تلف به طهران ما يتعلق بملف التسليح. وبحسب المعهد فقد سبق وضع 15 مليار دولار كتقدير غير دقيق للإنفاق العسكري في إيران، وفي هذه الحالة يكون الإنفاق على التسليح في أمريكا 42 ضعف نظيره في إيران، والسعودية أكثر من أربعة أمثال. وثمة تقديرات مختلفة يقدمها المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية IISS إذ يقدر الإنفاق العسكري الإيراني في العام 2012 ب 23.9 مليار دولار، مقابل 645.7 مليار دولار تنفقها أمريكا (42 % من الإنفاق العالمي). وبحسب تقديرات IISS فإن دول الخليج أنفقت 77.7 مليار دولار لأغراض عسكرية في 2012 وهو ما يعادل ثلاثة أمثال ما أنفقت إيران لذات الغرض. وبالنسبة للكيف يرى المراقبون أن الهوة تتسع بين التقنية العسكرية المتوافرة لدى دول الخليج وإيران. في حين يمتلك العرب أحدث الأسلحة في العالم، فإن العقوبات المفروضة على إيران لم تتح لها إلا الحصول على قدر قليل من التقنية الأكثر تطوراً. كما أن اعتمادها الرئيس في التسليح على روسيا والصين حد من حصولها على أنظمة رئيسة مثل الطأئرات الحديثة والصواريخ وأنظمة SAM مثل S300 و S400. وتشير معلومات استخبارية أمريكية إلى أن اتفاقيات استيراد أسلحة جديدة في المنطقة خلال الفترة بين 2008-2011 بلغت بالنسبة لإيران 300 مليون دولار، في حين قدرت بما يزيد عن 75.6 مليار دولار بما يعادل 174 ضعفاً. ويكمن خطر إيران العسكري في قيامها بتصنيع قوة صاروخية باليستية، فضلاً عن توافر مجموعة متطورة من الأنظمة الصاروخية المتمركزة في الخليج العربي. وتفتقر الأسلحة الإيرانية للقوة التدميرية للدقة في تحديد الهدف. ويرى الباحث أن تضخيم الدول العربية لدور إيران، وتأثيرها على الخلافات الداخلية لكل دولة- لا يعني أنها تمتلك هذه القوة بالفعل. ويعد التعاون الأمريكي الخليجي كفيلاً بصد أية هجمات محتملة كما يؤكد المراقبون استناداً إلى المعطيات الواقعية. الإرهاب والتطرف يعتبر الإرهاب والتطرف الديني من التهديدات الأمنية التي تحدد شكل المنطقة في الفترة المقبلة. وشهدت السنوات الأخيرة زيادة ملحوظة في أحداث العنف والعمليات الإرهابية في الشرق الأوسط كان لتنظيم داعش النصيب الأكبر منها بنسبة 43 % تلاه تنظيم الشباب 25 % وجبهة النصرة 21 % وتمظيم القاعة في شبه الجزيرة العربية 10 %. كما شهدت السنوات الثلاث الأخيرة تضاعف أعداد السلفيين الجهاديين. ويرصد تقرير لمعهد الاقتصاد والسلام ارتفاع معدلات الوفيات جراء عمليات إرهابية في العام 2013 إلى 60 % احتل العراق فيها أكبر نسبة قتلى بلغت 6300 قتيل، تلته سوريا، ثم اليمن، ومصر، ولبنان، وإيران. وكانت أقل المعدلات في عمان وقطر اللتين خلتا من عمليات إرهابية ثم الكويت والإمارات والأردن والسعودية. ولا ينفصل موضوع الإرهاب عن التطرف الديني العنيف، وفي هذ الصدد يرصد كوردسمان في تقريره عدم وجود محاولات جادة لقياس مدى التوتر المتنامي بين السنة والشيعة في الوقت الراهن، والذي تزيد حدته عن القتال الذي دار بينهما في العراق خلال الفترى 2006-2009. ويشير إلى أن مثل هذا الصراع يمتد ليحدث توترات إثنية وقبلية لها تبعاتها. الحرب الأهلية تستعر المنطقة بأكثر من اقتتال داخلي في عدد من الدول: يواجه اليمن احتمالات اقتتال عديدة: بين الحوثيين والسنة، أو بين القاعدة والجيش، أو مع أنصار قيام الخلافة في الجنوب. وتسببت الحرب الأهلية في تدهور الأوضاع في العراق حيث يوجد 2.8 مليون شخص بحاجة للغذاء، بالإضافة غلى 5.2 مليون في خطر. وقتلت الحر ب الأهلية في سوريا أكثر من 190 ألف مدني، وتسببت في جرح 300 ألف آخرين، فضلاً عن 3.2 مليون لاجئ خارج البلاد، و6.5 مليون نازح بالداخل. ولم تتوافر بيانات أو تقديرات حيادية تخص الوضع في ليبيا. ضغوط مؤثرة وثمة مشاكل وضغوط في المنطقة مرشحة أن تكون سبباً في اشتعال العنف، وإن كان بدرجة أقل. أهم تلك الضغوط الارتفاع المضطرد في عدد السكان فقد تضاعف خمس مرات في إقليم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الفترة بين 1950 و2014 ليصل إلى 404 مليون نسمة، يتوقع أن تبلغ 590 مليونا في 2050. ومن التحديات الصعبة التي تواجه المنطقة ودول الخليج توفير وظائف للشريحة الكبيرة التي تمثل الشباب والتي تتراوح بين 28-38 % من عدد السكان. الاقتصادات الفقيرة تزيد الضغوط في بعض الدول: هناك فجوة كبيرة بين الناتج المحلي الإجمالي لكل فرد ففي حيم يصل إلى 102 ألف دولار في السعودية، لا يتعدى 2500 في اليمن. وتشير التقدرات إلى أن تعبير "الثوة النفطية" تسمية غي دقيقة؛ فقد تراوح الدخل لكل فرد في دول أوبك بين 167 دولار في الجزائر، و8.9 في السعودية و41 في قطر. وفي مجال الزراعة تلوح مشكلة نقص المياه. ومن هذه الضغوط أيضاً فشل الدول ورجال الدين في التواصل البناء على المستوى الإيديولوجي والديني. يضاف إلى هذا الاضطرابات الداخلية التي تؤدي إلى توترات إثنية تغذي التطرف. ومنها تأثير أدوات الإعلام والتواصل الجديدة. وثمة عامل هو التركيز على مكافحة الإرهاب دون النظر في علاج أسبابه. وكذلك عدم الاهتمام بالاستثمار في التعليم وبالتالي عدم تحديث النظام التعليمي.