الدولار الأمريكي يتقوّى لأسبابٍ تتجاوز التخفيضات المدروسة لليورو والين.. المصدرون الرئيسيون للسلع هم أيضًا من يقوم عمدًا بدفع عملاتهم للتراجع في الوقت الذي تنخفض فيه أسعار السلع الأساسية.. الدولار الكندي والاسترالي والنيوزيلندي، فضلًا عن الريال البرازيلي والروبل الروسي والاقتصادات الناشئة الأخرى كلها تلعب هذه اللعبة. تلك الدول تريد أن تكون عملاتها أضعف أمام العملات الأخرى حتى تعمل على تعويض تراجع الصادرات السلعية.. في العام الماضي، أعرب رئيس البنك الاحتياطي الأسترالي عن تعاطفه ورغبته في أن العملة الأسترالية أضعف في ضوء الصادرات المعدنية المتراجعة واقتصاد متنام بصورة متواضعة. وفي الفترة الأخيرة، قال رئيس البنك الاحتياطي النيوزيلندي إنه حتى مع تراجع الدولار النيوزيلندي، المشهور باسم «الكيوي»، إلا أنه عند مستويات «غير مبررة»، كما أن سعره لا يعكس الضعف في سوق السلع العالمية. وفي وقت سابق، تم دفع الكيوي عن طريق صادرات اللحوم والألبان القوية للصين، وأسعار الحليب القوية، التي قد هوت بعد ذلك.. النمو الاقتصادي في نيوزيلندا يعتبر الآن في خطر. ترك بنك كندا مؤخرًا سعر الفائدة القياسي دون تغيير عند 1%، ويتوقع أن يكون التضخم قرب الرقم المستهدف والبالغ 2%. لكن انخفاض أسعار الطاقة والسلع الأخرى قد يضر بالاقتصاد الكندي، الذي ينمو بنفس البطء الذي نما فيه الاقتصاد الأمريكي بمعدل 2%. ودفعت فقاعة السلع في وقت مبكر من القرن الحالي منتجي السلع الصناعية، مثل النحاس والزنك والحديد الخام والفحم، لزيادة الإنتاج. أدى الإنتاج الجديد في الوقت المناسب تمامًا لانهيار الأسعار في الركود الممتد من عام 2007 إلى 2009. الانتعاش اللاحق لم يصمد وأسعار السلع كانت قد تراجعت منذ أوائل عام 2011، ولا شك في أن ذلك يرجع إلى فائض في المعروض من السلع الصناعية وتباطؤ النمو في الصين، التي هي أكبر مستهلك في العالم للسلع الأساسية. وانخفاض الأسعار يرجع أيضًا إلى التوسعات البطيئة في البلدان المتقدمة، وفي حالة المنتجات الزراعية، ترجع للطقس الجيد والمزيد من المساحات التي يجري زراعتها أيضًا. وحتى الآن هذا العام، كانت أسعار الحبوب في انخفاض، وكذلك أسعار السلع الصناعية.. وارتفعت أسعار النفط الخام حتى منتصف شهر يونيو، ولكن منذ ذلك الحين انخفضت بنسبة 25% ثم 30%، وهي الآن في أدنى مستوياتها منذ ست سنوات.. وبفضل تكنولوجيا التكسير الهيدروليكي، انفجر إنتاج النفط الأمريكي في الوقت الذي تعاني فيه أوروبا والصين من الضعف الاقتصادي، كما أن زيادة المحافظة على الطاقة عملت على تقليص الاستهلاك.. النحاس، والذي يستخدم في كل شيء ابتداءً من الأدوات الصحية إلى أجهزة الكمبيوتر، ينخفض في السعر وذلك بسبب ارتفاع العرض وتراجع الطلب. كما ناقشتُ في سلسلة سابقة، تواجه الصين مجموعة من المشاكل، بما في ذلك تباطؤ النمو الأمر الذي يشكّل مصدر إزعاج للعديد من مصدري السلع الأساسية الذين يعتمدون على الصين لشراء منتجاتهم.. الصين تستهلك أكثر من 40% من إنتاج العالم من النحاس والقصدير والرصاص والزنك وكميات ضخمة من الفحم وخام الحديد والبترول والقطن. النمو الاقتصادي السريع يغطي عددًا وافرًا من الخطايا، وخاصة في البلدان النامية مثل الصين، حيث هناك حاجة إليه لتوفير فرص عمل كافية.. إنه يلمع على أوجه القصور وعلى قدر لا بأس به من الكسب غير المشروع والفساد.. في المقابل، بطء النمو يضخم العلل الاقتصادية والاجتماعية ويفضل أصحاب النفوذ السياسي. الأدلة على تباطؤ النمو في الصين منتشرة في كل مكان. يمكن أن تشاهد ذلك في انخفاض مؤشرات مديري المشتريات.. الإنتاج الصناعي للصين ونمو مبيعات التجزئة آخذان في الانخفاض، ولا يزال نمو صادراتها يتباطأ وأسعار العقارات تتراجع في الوقت الذي تتفرّغ فيه فقاعة الإسكان. استجابة الصين الماضية لتباطؤ النمو كانت حافزًا على شكل المزيد من قروض البنوك والبنية التحتية ومشاريع الإنفاق الرأسمالي، التي كثيرًا ما تستهدف زيادة الصادرات.. تلك الجهود الضخمة أدت إلى تضخم غير مرغوب فيه ووقوع انفجار في القروض وطفرة الملكية، الأمر الذي دفع القادة الصينيين إلى اتخاذ خطوات لتهدئة فورة الإقراض. وكان نمو الناتج المحلي الإجمالي الرسمي في الربع الثالث بنسبة 7.3%، وهو ما يُعدّ أبطأ وتيرة منذ أكثر من خمس سنوات.. مع ذلك، معدل النمو الحقيقي هو على الأرجح قريب من 4%. وفي علامة على أن القيادة تعتقد أن التباطؤ قد ذهب بعيدًا جدًا فوق الحد اللازم، وخفض البنك المركزي الصين الأسبوع الماضي أسعار الفائدة بشكل مفاجئ لتسريع محرك النمو مرة أخرى. قوة أخرى تقوم برفع الدولار الأمريكي مقابل العملات الرئيسية الأخرى هي تجارة المناقلة.. مع هوامش إيجابية بين العوائد على سندات الخزانة لأجل 10 سنوات، وبين تلك العوائد على السندات الألمانية واليابانية (وحتى سندات البلدان ذات الجدارة الائتمانية الأقل، مثل إسبانيا وإيطاليا)، تعتبر جذابة من حيث بيع تلك السندات السيادية من أجل شراء سندات الخزانة الأمريكية. الهوامش صغيرة، ولكن مع تعاملات قائمة في معظمها على الرفع المالي، يمكن لتجارة المناقلة أن تكون مربحة جدًا - وحتى أكثر من ذلك في الوقت الذي يعاد فيه تقييم الدولار. من الذي يرغب في امتلاك سندات الحكومة الألمانية لأجل 10 أعوام على عائد 0.83% مع هبوط اليورو، أو سندات الحكومة اليابانية لأجل 10 أعوام على عائد 0.47% مع هبوط الين، في الوقت الذي تكون فيه عوائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 أعوام بنسبة 2.5% وترتفع قيمة الدولار؟ في أوقات الشدة، يعتبر الدولار هو الملاذ الآمن في العالم. يتدفق الأجانب على سندات الخزانة وغيرها من الاستثمارات المقومة بالدولار، وهو ما يرفع من قيمة العملة الأمريكية. مع التخفيض المدروس لقيمة العملة وانخفاض العملة المتوالدة بسبب انخفاض أسعار السلع الأساسية والنمو الاقتصادي البطيء، فإن معظم العملات الرئيسية تنخفض مقابل الدولار الأمريكي. وكعملة احتياطية وتجارية في العالم، لا يمكن بسهولة أن يتم تخفيض قيمة الدولار. انخفض الدولار بنسبة 52% من ذروته في عام 1985 وتعافى فقط بنسبة 8.2 نقطة مئوية من هذا الانخفاض. المزيد من التعزيز محتمل.. وفي مقال آخر سوف أتناول المضامين المترتبة على الاستثمار من كل هذا.