قبل أشهر قليلة أثارت تغريدات المستشار السابق في شركة أرامكو «برجس البرجس» الفزع حول ال( 30 مليون) ريال التي تصرف يومياً على السجائر في المملكة، حيث إننا نستورد سنوياً ما قيمته ثلاثة مليارات ريال من السجائر. المشكلة أن أكبر الدول الموردة للسجائر للمملكة هي ألمانيا، وهي طبعاً الدولة ذاتها التي يتم تزايد أعداد المرضى السعوديين في مستشفياتها للعلاج والنقاهة. وبصرف النظر عن المظهر القبيح والروائح الأقبح للخمسة تريليونات عقب سجائر التي ينتجها العالم سنوياً فهي تحتوي على مواد كيميائية سامة طبعاً تصل سميتها الى درجة تقتل بعض الكائنات الحية بشكل مباشر كالأسماك مثلاً، وذلك نظرا لأن المواد البلاستيكية ومركبات السيلولوز الموجودة في أعقاب السجائر لا يمكنها أن تتحلل، فهي تعيش فعلياً أكثر من الانسان العادي على هذه الأرض، وهذا ما يشكل خطراً كبيراً على البيئة على مر السنين. أما تدخين الصغار فيعد كما تعلمون أحد أعظم الظواهر السلبية المتفشية، خاصة أن فئة الأطفال والمراهقين لا يمكنهم استيعاب المخاطر الصحية جرّاء هذا السلوك المقيت، ولذلك فإن كثيرا من الدول أدركت أن عليها التدخل لمحاربته من خلال فرض شروط على اعلانات السجائر وإضافة التحذيرات على العلبة الخارجية، كما قامت دول أخرى برفع أسعار السجائر وفرض قوانين تمنع بيعها للصغار بالإضافة إلى حملات التوعية المشهورة والمستهلكة لتلك الصورة للرئة السوداء المثقوبة بعد التدخين ومقارنتها برئة شخص سليم. ولكن يبدو أنه كلما حاول الكبار منع أبنائهم من التدخين فإن ما يحدث فعلياً هو ازدياد رغبة هؤلاء الأبناء في تجربته والعناد وعدم الاستجابة. هذه العادة ببساطة مرتبطة كلياً بالأصدقاء أكثر من علاقتها بتقليد الكبار، ولهذا ترتفع نسبة التدخين عند الصغار في الوقت الذي تنخفض فيه عند آبائهم. إن ذلك له علاقة مباشرة بالتعوّد، بالطقوس، بالمشاركة، وبالحالة العاطفية التي يمرون بها. أما تخويفهم من قبل الكبار وبأن التدخين مضر بالصحة وأنه يتسبب في ظهور التجاعيد وتغيير الصوت والسرطانات والعجز الجنسي فيبدو لي أنه أمر غير مجد مع هذا الجيل، وأظن أن كل تخويف سيقابله رغبة، فالصغار يرغبون في التدخين ليس لأنهم يعرفون أنه مضر بل لأنه أمر يجعلهم مثيرين وعلى الموضة، والأهم أنهم يدخنون لأنه سلوك خطير لا يوافق عليه آباؤهم. لكن إن لم يستطيعوا المواظبة على شراء علبة السجائر بسبب ارتفاع سعرها تدريجياً فسيكون هو الحل الأمثل حالياً، ولذلك يؤكد البنك الدولي أن رفع ثمن علبة السجائر 10 % يؤدي إلى خفض الطلب على السجائر 4 % في البلدان ذات الدخل المرتفع و8 % في البلدان ذات الدخل المتوسط أو المنخفض، لهذا نحتاج ربما إلى زيادة أسعار السجائر مجدداً، ومن حين لآخر. حيث إن ذوي الدخل القليل أكثر استجابة لارتفاع الأسعار وبالأخص الأطفال والمراهقون.