يعتبر الكفاح من أجل تطوير طاقة متجددة معركة الخير ضد الشر، ومستقبل الانسانية معلق في الوسط. لا أتحدث هنا عن التغير المناخي (بالرغم من أنه في غاية الأهمية). وإنما أتحدث عن توزيع السلطة والثروة عبر الكوكب بأكمله. السؤال حول من سيجني منافع التطور المستقبلي يعتمد على مدى اكتشافنا لمصادر جديدة أفضل للطاقة. إن قصة سلالتنا أو جنسنا كالتالي. منذ آلاف السنين، تم إصلاح ميزانية الطاقة البشرية أساسا– نحن نحصل على الطاقة من أجسامنا، ومن الحيوانات ومن الخشب. كل تلك المصادر جاءت من الأرض- فمن يمتلك الأرض يسيطر على الطاقة. بسبب بطء التطور التكنولوجي فإن أفضل طريقة للثراء كانت الحصول على أرض الآخرين. لذلك، ومنذ آلاف السنين، كانت الحرب هي الوضع الطبيعي السائد، ومن كان الأفضل في الحرب كان هو الأغنى - أمثال الاباطرة الرومان أو الصينيين، أو أمراء الحرب البرابرة أو المغول. كان عالما وحشيا محصلته يقوم على أن الفائز يربح من خسارة الطرف الآخر. حدث بعد ذلك أمران قلبا ذلك العالم ذا المحصلة الصفرية رأسا على عقب. تسارع التطور التكنولوجي بشكل كبير، واكتشفنا كيفية استخراج الطاقة من مواد الوقود الأحفوري. هاتان العمليتان تغذي كل واحدة منهما الأخرى، وكانت النتيجة زيادة في رفاه الانسان بشكل لم يشهده العالم من قبل. فجأة، ظهرت ثروات هائلة من خلال اختراع أشياء جديدة وتنظيم البشر وفق أعمال إنتاجية، وليس من خلال الاستيلاء على أراضي الآخرين. أصبح بذلك العالم أكثر إيجابية، وأكثر سلاما وأكثر ثراء. يحب معظم الناس منا أن يستمر ذلك العالم الإيجابي على هذا النحو. هنالك فقط مشكلة واحدة - هناك مصدر محدود جدا لطاقة مواد الوقود الأحفوري موجودة على كوكبنا. خلال العقد الأول من هذا القرن، بدى واضحا تلك المحدودية في المصادر- حيث اعتقد كثير من الناس أننا كنا على وشك الوصول لذروة النفط، واقفين على شفير عصر مظلم جديد. كافح الابداع البشري مرة أخرى وقدم لنا الغاز الصخري والنفط الصعب اللذين ساهما في تخفيض أسعار الطاقة، ولكن ليس إلى المستوى الذي كانت عليه قبل منتصف العقد الماضي. عملية التكسير الصخري مكلفة، ومن المتوقع أن تزداد كلفتها مع مضي الوقت. إنه وضع مؤقت- يعتبر تحصنا ضد هجمة الندرة، ولكنه ليس حلا على المدى الطويل. وفي الوقت نفسه، بقيت الأسعار مرتفعة، لصالح خزائن بعض البلدان من أمثال نظام فلاديمير بوتين في روسيا، وفي إيران وفنزويلا. لنأخذ مثلا الرئيس بوتين، نجد رجلا سلطته مستمدة من حقيقة أن أسلافه احتلوا مساحة ضخمة من الأراضي بالقوة العسكرية والتي ظهر بعد ذلك أنها تحوي الكثير من النفط. حاول أسلاف بوتين الأخيرون الدفاع عن تلك الأرض الغنية بالنفط، واستخدموا ثروة النفط تلك لبناء واحد من أكبر جيوش العالم. يدافع هذا الجيش عن الأرض، التي بدورها تقدم الثروة لذلك الجيش، بينما يصل بوتين وأصدقائه للقمة شيئا فشيئا. بحسب قول السيناتور الأمريكي جون ماكين: تعتبر روسيا بالفعل محطة غاز، ولكنها محطة غاز عابرة للقارات. إذا لم نتمكن من إيجاد مصدر للطاقة أفضل من النفط والغاز، ستمثل محطة بوتين العسكرية للغاز مستقبل كوكبنا. لن ينفذ الوقود الأحفوري على الأقل لقرن قادم، لكن تكاليف الاستخراج ذات التكنولوجيا الفائقة سوف تستمر بالارتفاع، وستعود الأرباح على من هو موجود على تلك الأرض وصاحب تكاليف الاستخراج الأقل سواء كان ذلك في روسيا أو إيران. لن نعود إلى ذلك العالم ذي المحصلة الصفرية الذي تكون فيه الأرض أهم مصدر للثروة، ولكننا سنعرج على ذلك الاتجاه قليلا. تقف قوى الخير (الإبداع البشري والذكاء) ضد هذا المستقبل المتجهم. إذا استطعنا الحصول على مصادر جديدة للطاقة أفضل من النفط والغاز، عندها نستطيع الرجوع إلى المسار ذي المحصلة الايجابية. إذا كانت تلك المصادر الجديدة أشياء لا تنفذ خلال قرن أو اثنين، عندها يمكن لذلك العالم الإيجابي أن يدوم للأبد. هنالك مصدران محتملان للطاقة يسمحان لنا بالتخلص من العالم ذي المحصلة الصفرية. الأول هو طاقة الانشطار، والثاني هو الطاقة الشمسية. الانشطار، الحل النهائي للطاقة، كان مجرد أضغاث أحلام منذ زمن بعيد، ولكن الباحثين استمروا في المضي قدما وتقديم أفكار جديدة. أعلنت شركة لوكهيد مارتين عن اختراقات في مفاعلات الانشطار المضغوطة، كما أن الشركات الناشئة مثل «هيليون للطاقة» و «جنرال فيوجن» تجتذب الاهتمام والمال. وفي نفس الوقت، شهدت الطاقة الشمسية تراجعا مذهلا في الأسعار. قال تقرير جديد صادر عن دويتشه بانك إنه حتى لو انخفضت الإعانات الحكومية للطاقة الشمسية من نسبتها الحالية البالغة 30 في المائة إلى 10 في المائة فقط ستكون الكهرباء الشمسية أرخص من كهرباء الوقود في 36 دولة مع حلول عام 2016. أما التكاليف المنخفضة فقد كان سببها التكنولوجيا الحديثة، واقتصاديات الحجم، والتحسينات في عملية تصنيع ألواح الطاقة الشمسية، والانخفاضات في تكاليف «توازن النظام». في الوقت نفسه، هبطت تكاليف تخزين البطاريات بشكل مطَرد أيضا ولو بمعدل بطيء بشكل يدعو إلى الإحباط. بالتالي الطاقة المتجددة هي مسعى أخلاقي. إذا فاز الابتكار البشري، فسنظل في عالم حيث الأفكار الجديدة والجهود المنتجة هي الأمور الأساسية التي تحدد مستوى الرفاهية. إذا خسرت التكنولوجيا- إذا لم تنتشر فوائد الانشطار، أو إذا لم يصبح من الممكن أن تكون البطاريات عملية على الإطلاق، أو إذا توقفت تكاليف الطاقة الشمسية عن التراجع أو بدأت في الارتفاع من جديد، عندها سيصب المزيد من ثروات العالم في أيدي قوى ربما تكون عنيفة.