(مجادل، ضعيف، شحيح، هلوع، عجول، كادح، جحود، طغيان) كثيرا ما نرى هذه الصفات في الناس، ولكن ما هي حقيقة هذه الصفات؟ ولماذا وصف الله الإنسان بهذه الصفات؟ وهل هي موجودة في كل إنسان؟ وقبل أن نجيب على هذه الأسئلة نريد أن نوضح معنى كل صفة. الصفة الأولى: قال تعالى «... وكان الإنسان أكثر شيء جدلا» فالإنسان أكثر مخلوق يجادل لأن الله زوده بقدرات فكرية تمده بالحيل، فهو يراوغ ويخادع ويتحايل، وعلى الرغم من كثرة جداله لكنه يستطيع أن يهذب نفسه بأن يلزمها الحق والعدل لو أرد. الصفة الثانية: قال تعالى «...وخلق الإنسان ضعيفا» فالإنسان ضعيف وإن تفنن في إظهار قوته، فجرثومة صغيرة تجعله يتقلب بالفراش طول الليل، وإبرة صغيرة تسقطه ميتا، ونظرة حلوة تملك قلبه فتأسره وتوقف تفكيره، وشهوة تذله، وإذا جاع توتر، وإذا مسه الشر تذمر، وإذا نقص غذاؤه ضعفت حركته وتوقف تفكيره. الصفة الثالثة: قال تعالى «كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى» فالإنسان يميل للطغيان وهو تجاوز الحق والعدل، ويميل للطغيان في حالة زيادة ماله أو زيادة قوته وأتباعه أو حصوله على منصب كبير، ويعالج هذا الطغيان بأن تكون علاقته بربه قوية ليستمد منه القوة والعزة. الصفة الرابعة: «قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنفَاقِ وَكَانَ الْإِنسَانُ قَتُورًا» فالأصل في الإنسان أن يكون قتورا، والقتر هو البخل، ولهذا الإنسان يحب أن يجمع أكثر مما ينفق، ويدخر لمئات السنين ومع ذلك يقتر على نفسه وأهله وعياله. الصفة الخامسة: قال تعالى «إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا» فالإنسان الهلوع هو الذي يخاف إذا مسه الشر ويمنع ويكون بخيلا إذا مسه الخير، وذلك بسبب حبه لنفسه وحب ما يمتعه، وإذا شعر أن ما يحبه مهدد للخطر أو للزوال يصيبه الخوف والحذر الشديد ويضطرب ويتوتر، ثم بين لنا القرآن كيف نتجاوز شعور الخوف وقت الشر وقرار المنع وقت الخير بصفات ثمانية لو تحلى بها المسلم؛ لاستطاع أن يتغلب على هذه الصفة السلبية وهي: «إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ» الصفة السادسة: قال تعالى «وكان الإنسان عجولا» فالأصل في الإنسان أنه عجول ويحب استعجال الأشياء قبل أوانها، ومن شدة عجلته يستعجل أحيانا في أشياء تضره بسبب عدم صبره عليها، ولهذا يفضل عند عمل مهمة أو طلب شيء من الله أن يقول مع الطلب (اللهم إن كان في هذا العمل خير لي في ديني ودنياي وآخرتي فيسره لي، وإن كان فيه شر لي فاصرفه عني). الصفة السابعة: قال تعالى «يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه» فالإنسان كادح ومعنى الكدح هو العمل والسعي بمشقة، فحياة الإنسان كلها تعب ومشقة، حتى لو كان مليونيرا ووظف كل ما يملك لخدمته وراحته فإنه سيشعر بالتعب، فالدنيا كلها كبد أي تعب كما وصفها الله «لقد خلقنا الإنسان في كبد» ولا توجد راحة إلا في الجنة. الصفة الثامنة: فالإنسان جحود كنود كفور قال تعالى «وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ» فالإنسان له عدة مواقف تجاه المصائب والنعم حسب معتقده وقيمه، فلو أذاقه الله رحمة ثم نزعها منه يكون الإنسان كفورا. فهذه ثماني صفات خاصة بالإنسان وملازمة له، ومن يرغب التوسع فيها فقد ذكرها الشيخ عبدالرحمن حبنكة رحمه الله في كتابه القيم (الأخلاق الإسلامية وأسسها)، وإن هذه الصفات الثماني فطرها الله في الإنسان، وهي موجودة بكل إنسان وعليه أن يقاومها ويجاهدها فيحسن التعامل معها ويحول هذه الصفات السلبية لصفات إيجابية، وهذا التحول يحتاج لإرادة وعزيمة وتوكل على الله مع العمل على تهذيب النفس وتربيتها. إن معرفتنا بحقيقتنا وصفاتنا التي فطرنا الله عليها؛ تجعلنا نحسن التعامل مع ذواتنا ويكون لدينا الوعي بأنفسنا، كما أن المعرفة بحقيقة النفس وخفاياها تساعدنا في حسن التعامل مع الناس ومع أهلنا وأولادنا، فالله هو الذي خلقنا وهو أعرف بنا من أنفسنا، وقد علمنا حقيقة أنفسنا لنحسن التعامل معها، فكثرة الجدال علاجها بأن نجادل بالحق وبالتي هي أحسن، وضعف الإنسان يعالج بتقوية العلاقة بالله، وطغيان الإنسان يعالج بتذكر حقيقة النعم والمنعم، وبخل الإنسان يعالج بمعرفة حقوق الناس المالية والإلتزام بها، وهلع الإنسان يعالج بثمانية أمور ذكرناها، وعجلة الإنسان تعالج بالحلم، وكدح الإنسان يعالج بأن يكون كدحه بالخير، ويأس الإنسان وجحوده يعالج بالتعرف على الله تعالى وأنه هو المنعم على البشر، ولو تأملنا أطفالنا الصغار لوجدنا فيهم هذه الصفات الثمانية التي ذكرناها ولهذا لا بد من مراقبتها ومحاولة تهذيبها وتقويمها.. والله الموفق. * الخبير التربوي والاجتماعي