كثير من الأصوات التي تدّعي الليبرالية، وهو على كل حال مجرد ادعاء تكذبه الحقيقة! كثير من تلك الأصوات تتعرى تماماً، حينما تتحدث عن الدين أو حينما تتناول بعضاً من مظاهر التدين إذ ثمة جهل مريع بكثير من الحقائق الدينية، وعدم وعي بطبيعة المكانة الاعتبارية لكثير من مفردات التشريع والقيم المعيارية، وهنا تكمن الخطورة إذ حينما تتاح الفرصة لأُولئك الذين يضلون بأهوائهم بغير علم، وحينما يفسح المجال لتلك الذهنيات التي قد تَحكّم الجهل في مفاصلها وباتت تعاني لونا من التأزم المفاهيمي الذي أفرزته ثقافة الاستلاب فلا تسأل بعد ذلك عما سنعانيه من أشكال الفوضى الفكرية وتَراجُع مستوى التمسك بالقيم جراء هذا التلاعب العبثي الفج المستفز للوجدان العام، والذي قد لا يكتفي بالشغب على مشروعية القيم الدينية فقط بل قد يندد بمسوغات وجودها أيضا! ولا غرو فالسريالية حاضرة هنا بكثافة، ولو يعطى الناس بدعواهم لادّعى المرجفون أن الحقيقة وهم يجب استئصاله! لا يوجد لدينا ليبرالي حقيقي في الداخل المحلي وإنما الموجود لدينا هو نوع من الوعي الليبرالي المأزوم وعي يجهل الشريعة جهلا تاما بل جهلا مركبا، إنه يجهل السياق الشرعي كعلم يتسم بالرحابة والتنوع والشمولية ويجهله كسياق مُركب مترابط وبالغ التعقيد، وإن بدا لك أنه يعي جزءا من مفرداته وعناصره الظاهرة، فهو ليس إلا وعيا سطحيا باهتا محصورا بجزئيات مبعثرة تفتقر للخيط المنهجي الناظم لها وهو أيضا فهم ابتساري معزول عن الاشتراطات العلمية التي يفرض استصحابها لكل من رام أن يحيط علما – ولو كحد أدنى – بطبيعة وماهية مكونات السياق الكلي العام، ولا ريب أن الفهم القاصر وبتلك الطريقة المختزلة كما حاطب الليل هو لا يزيد في مساحات العلم بقدر ما يورث الارتكاس في ظلمات الجهل المركب الذي بات اليوم هو الملمح الأبرز في الطرح الليبرالي الذي هو في حقيقته لا يستهدف تلمس الحقيقة ولا يضعها في اعتباره أصلا بقدر ما يتهيأ زحزحة الثقة بها وتوجيه الذهن العام الذي يراد له أن ييمم وجهه شطر»الثالث المرفوع»! الإشكالية هنا تتعاظم لما يتقدم ذلك الصوت بل ويقدم نفسه باعتباره عراب النهضة، وبوصفه الناطق باسم الوعي المستنير بل ويذهب الى ابعد من ذلك فتجد من يُنَظّر في القضايا الدينية مستدلا – حتى ولو بسند منقطع!- بأقوال أسماء ذات نزعات إلحادية من أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا، ومع أن تلك الأسماء تنطوي على هذا الحجم من الانحراف المروع إلا أنها هي التي يستعين بها هذا التيار لتنسج له غزل تنظيره وترسم له فضاءات التحرك! وهكذا ارتطموا في مستنقعات التناقض الحاد الذي لا يمكن للعقل السليم أن يتصوره ولا حتى مجرد تصور! الحقيقة هنا تنقلب رأسا على عقب ويتم استحضارها وبشكل مضاد لسياقها الجمالي الأخاذ!