منذ كنا صغاراً عرفنا نبينا محمدا من خلال ترداد أهالينا (الصلاة والسلام عليه)، ثم عرفناه في الكتب الدراسية وحلقات الذكر والتدريب، ومع هذا كله لم نجد من ينقلنا إلى أعماق هذه الشخصية الفذة ليفسر لنا الكثير من ألغاز السيرة التي بقيت في أذهاننا دون تفسير!!. في إحدى زياراتي لدولة الإمارات العربية المتحدة حضرت معرضاً لاعتماد وبيع نسخ من كتاب (هذا محمد) الموسوعة الميسرة في التعريف بنبي الرحمة، وهو أول كتاب عربي يدخل موسوعة (غينيس) لأنه كان مشروعاً لأكبر كتاب في العالم، أنصح الجميع باقتنائه وقراءته جيداً، الكتاب مكون من 8 فصول شملت 65 موضوعاً في 429 صفحة، شارك في العمل متطوعون من دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية والجزائر والمغرب، اخترت لقرائي الكرام جزءاً من هذه السيرة العطرة:- 1- لماذا المسجد أولاً: - اختار النبي أن يبدأ في إعداد ذلك الإنسان من داخل مدرسة ربانية هي (المسجد) فكان أول ما بدأ به بناء المسجد بوصفه أول بناء في الدولة الإسلامية، والمسجد في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان داراً للعبادة، وداراً للاستشفاء كما حدث ذلك مع سعد بن معاذ رضي الله عنه، كما كان مؤسسة تعليمية للأفراد يتعلمون القراءة والكتابة، وفتح الرسول المجال للمرأة في حضور دروس العلم ليتأكد حقها في تحصيل العلم ومشاركة الرجل في الحياة، وكان المسجد مجلساً للشورى يجتمع فيه أهل الشورى لتقرير مصير المواقف الصعبة كما كان مبيتاً لفقراء المسلمين الذين لا يجدون مكاناً للمبيت. 2- في الجانب العسكري:- كان محمد - صلى الله عليه وسلم - أول (جنرال) عسكري في الإسلام، وترى الدراسة التي قام بها المؤرخ العسكري (ريتشارد جابريل) أنه من دون عبقرية محمد - صلى الله عليه وسلم - ورؤيته العسكرية الفذة ما كان ليبقى الإسلام ويصمد وينتشر بعد وفاته!! كان العرب لا يعرفون الحرب المنظمة، فقد كانوا يهجمون أو يتراجعون بلا خطة ولا يعرفون سوى الكر والفر، لكن محمداً - صلى الله عليه وسلم - استطاع أن يغير مفاهيم العرب في الحرب، من ذلك أنه ابتكر النظام الخماسي في تنظيم الجيش، وترى الدراسة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - شكل (القوات الإسلامية المسلمة المتحدة)، فبدلاً من مجموعات متتالية صغيرة استطاع إيجاد (أول جيش موحد) جمعه من مختلف القبائل العربية وقد نجح الرسول في بناء منظومة عسكرية للقيادة للمرة الأولى في التاريخ العربي!! 3- رسائله للملوك والزعماء:- عندما تخير الرسول في مخاطبة الملوك والزعماء يدعوهم للإسلام اختار النصارى أولاً؛ لأنهم أهل كتاب يؤمنون بالله وأصل دينهم الحق يتفق مع الإسلام؛ ولهذا من الممكن أن ينطلق من أرضية واحدة مشتركة وهي عبادة الإله الواحد، فأرسل إلى النجاشي وكتب إلى المقوقس ملك مصر والإسكندرية، وأرسل إلى هرقل ملك الروم والمنذر بن ساوى حاكم البحرين والحارث الغساني صاحب دمشق، وبتتبعنا لتلك الرسائل نلحظ وعياً بالغاً عند النبي، في معرفته بطرائق خطاب الملوك وبما يناسبهم ويؤثر فيهم، فقد ارتكزت رسائله على:- 1- يحدثهم من منطلق كونه نبياً يعرض عليهم الإسلام أولاً. 2-يعرض عليهم الاتفاق أولاً على العقيدة أن (لا إله إلا الله). 3- في رسائله لا يطلب منهم شيئاً من الدنيا ولا الملك ولا الاستضافة عندهم ولا أية منفعة خاصة بل يفتح لهم باب الآخرة. 4- يبين لهم مدى تسامح رسالته التي جاء بها، فيطلب منهم إن لم يسلموا فلا يحولوا بين شعوبهم وبين الإسلام، لقد فاجأهم بأسلوبه الذي لم يعتادوه من العرب، صاغ رسائله بكل ذوق وأدب وتقدير إنساني دون غرور، وأكد أنه حلقة تكمل حلقتي موسى وعيسى عليهما السلام، لقد راعى محمد - صلى الله عليه وسلم - العرف السياسي وهو يتعامل مع القادة والملوك، فحين أراد مخاطبتهم اتخذ خاتماً من فضة نقشه (محمد رسول الله) لأنهم لا يقرأون كتاباً إلا مختوماً. خاتمة القول: هذا هو الجزء الأول من جانب في حياة المصطفى - عليه الصلاة والسلام - ولعلنا في الجزء الثاني سنتناول (يوم في حياة محمد) وهي من أجمل ما قرأت!!. * خبيرة إدارية – تربوية – وزارة التربية والتعليم