يعتبر الخبير في الاتصال السياسي الدولي د. عبدالرحمن الزهيان، بأنّه لا يتوفر فكر ورصيد علمي كافٍ للحكم على ظاهرة داعش من قبل الإعلاميين والمثقفين، فداعش تستخدم وسيلة النحر بالسكين لقطع رؤوس من يعتنقون الدين الإسلامي، وهؤلاء الذين لا يعتنقونه، وهذه الوسيلة لا تستخدم إلا لقطع رؤوس الحيوانات، فتكون قد ساوت الإنسان بالحيوان، والذي أكرمه -جل وعلا- وجعل له مكانه فوق سائر مخلوقاته على وجه الأرض، مشيراً إلى أنّ «داعش» تبرر نحر الإنسان بهذه الطريقة؛ لأنّ ضحاياها من الكفار وليسوا بمسلمين بمعنى أنّها تستخدم فكرة «التكفير» كمبرر شرعي للقتل، مشدداً على ضرورة أن يتكاتف الإعلاميون والعلماء للتحذير من هذا الفكر، حيث إنّ العلماء يحجمون عن إطلاق هذه الصفة على أي شخص دون تفكير عميق وتروٍ طويل، فإذا كان العلماء الذين يملكون من العلم الشرعي الشامل والراسخ يحجمون عن إطلاق حكم التكفير، فيأتي شاب متحمس، وربما لا يحفظ جزءاً من القرآن، ليصدر حكمه على إنسان وينفذ في الحال حكم النحر، فهذا يدل على خلل فكري وديني جسيم وهذا بحق للمسلمين، فما بالك بغير المسلمين، وخصوصاً هؤلاء الذين يعتنقون أحد الأديان السماوية، فإنّهم يستسهلون نحرهم وربما دون تفكير أو تردد، أو يجبرونهم بالقوة على اعتناق الإسلام وبهذا يكونون قد أساؤوا للدين الإسلامي؛ مشدداً على أنّ هذا الأسلوب لا يقبله العقل الفطري السوي لمسلم أو لغيره، فقد استنكر أغلب المسلمين أفعال «داعش» في شمال العراق من إجبار الطائفة «اليزيدية» – والذين لم يعادوهم ويرفعوا السلاح ضدهم، وذلك للدخول في الإسلام بالجبر أو القتل، فهذا يعدّ أمراً كارثياً على صورة الإسلام في العالم، وهكذا يفعلون مع المسيحيين في سوريا، حيث يجبرونهم على أن يسلموا أو يدفعوا الجزية أو يقتلوا، فكل هذه الأفعال تدل على خلل في فكر هذه الجماعة، بل وخلل في فهم واستيعاب روح الإسلام ويمكن إيعاز ذلك إلى سذاجة التفكير، نتيجة تعطل ملكاتهم الذهنية أو خللها أو عدم امتلاكها. وعن السبل الحقيقية لمواجهة وكبح انتشار الفكر المتطرف من قبل الإعلاميين والمثقفين، يرى الزهيان بأنّه ينبغي توضيح «التطرف» كسلوك إنساني بشكل واضح، حتى نستطيع أن نفهمه، ثمّ نحدد الوسائل المناسبة لضبطه أو تعديله أو استبعاده من الحياة في جميع جوانبها، فالتطرف هو حالة ذهنية، وترتبط بطريقة التفكير، والذي يوجه أي فعل أو سلوك للإنسان ويبدأ «التطرف» بانتباه ذهني ينتج عنه شعور أو إحساس أنّ ما يتفاعل معه الإنسان في حياته هو «مختلفاً» أو «جديداً» عن السائد الذي تعود عليه أو توقعه، والسلوك في ردة الفعل وطريقته هي التي تحدد صفة الفعل إذا ما كان «متطرفاً» أو خلافه، مضيفاً بأنّ الشعور يبدأ بالمختلف أو الجديد منذ مرحلة الطفولة؛ حيث يتعود الطفل على محيطه الأولي من الأشخاص كأمه وأبيه وإخوانه وأخواته، ومن الأصوات المرتفعة والمنخفضة والإحساس بالحرارة والبرودة، وكذلك الأشياء في أشكالها وأحجامها وألوانها، ففي بداية نمو الطفل يكون العم والعمة والخال والخالة أشخاصاً مختلفين وجدد حتى يتعود عليهم، وتتوسع هذه المشاعر لتشمل الجيران، الحي والمحيط الذي حوله ثمّ المجتمع وبلدان العالم وهكذا، مؤكداً بأنّ الفرد إذا نشأ في بيئة مسلمة فإنّه يكون كذلك، وإذا نشأ في بيئة عشائرية قبلية فإنّه يتعود على أفرادها ويكتسب قيمهم، وإذا نشأ في مجتمع نازي فإنّه يكون عنصرياً، وإذا نشأ في مجتمع رأسمالي فإنّه يعتقد بحرية التجارة وهكذا، منوهاً على أنّ الفرد عندما ينتقل إلى بيئة جديدة فإنّه يشعر بحاجته إلى التعود والتأقلم حتى يجد له مكاناً مريحاُ بين أفرادها، أو أنه لا يستطيع التعايش، مشدداً على أنّ حل مشكلة التطرف يبدأ في البيت والمدرسة، حيث يتعلم الفرد ويمتلك مهارات التسامح مع الأشخاص والأفكار والأحداث والأشياء والأماكن حتى يستطيع التعايش بسلام مع مكونات المجتمع، والذين يعملون سوياً لإعلاء قيمة المواطنة والوطن. ويضيف الزهيان قائلاً: «التنظيمات أو المجموعات المنظمة تظهر في أي مجتمع في حالة ضعف مؤسسات الدولة من الناحيتين؛ السياسية والأمنية. فتسعى كل مجموعة في وسط هذا الاختلال والاضطراب إلى تحقيق وتعظيم مصالحها السياسية والاقتصادية والتي تزعم أنّها حرمت منها ظلماً»، مشيراً إلى أنّ «داعش» ظهرت في العراق بظهور أبو مصعب الزرقاوي، ثمّ تبنى فكره أبو بكر البغدادي، بسبب اختلال سياسي وأمني واقتصادي نتيجة إزاحة رئيس العراق السابق صدام حسين، ثمّ عزل أهل السنة بشكل نهائي عن المشاركة السياسية الفعلية في إدارة شؤون العراق، ومحاربتهم ببشاعة وإذلالهم، وكأنّهم لا ينتمون للعراق، ولا دور لهم ولا شأن، وحرمانهم من التنمية الاقتصادية وبشكل منظم وممنهج. لذا، توجد مظالم حقيقية وواضحة على أهل السنة العراقيين، مضيفاً بأنّ هذه الحالة تتكرر في سوريا، فالسنة هم الأغلبية الساحقة وليست غالبية بهامش، بينما الطائفة الصفوية هي الأقلية الضئيلة في سوريا، وتمسك بزمام السلطة وموارد البلاد، بالإضافة إلى القبضة الأمنية الحديدية، والتي تتحكم بحياة ومصير السنة بقسوة شديدة، فيتضح أنّ لأهل السنة في هذه البلاد أيضاً مظالم، مؤكداً بأنّ الأمن اختل في هذين البلدين، ولم تعد الدولة قادرة على التحكم والسيطرة على أفراد الدولة وإدارة شؤون البلاد وفرض سيادتها وهيبتها، فوجد متطرفو السُّنة مجالاً في وجود الفراغ السياسي والأمني. وحول ارتباط «داعش» بجهات خارجية أو استخباراتية، يؤكدّ الزهيان بأنّ هناك تقارير غير مؤكدة تختلف وتتناقض في تسمية هذه الجهات، ولكن من المؤكد أنّ ظهور مجموعة منظمة ذات قوة وشأن لها أهداف سياسية يدفع عدد من القوى سواء الإقليمية أو الدولية أن تكون تحت مظلتها أو أن يسعى التنظيم لأن يكون تحت غطائها وحمايتها، وفي الحالتين لا يكون لها دوراً أساسياً على الطاولة في تحديد الأهداف الإستراتيجية بعيدة المدى أو عند حصد النتائج من هذا الارتباط، مشيراً إلى أنّ الأفراد الذين نشاهدهم على أشرطة الفيديو كالدواعش هم مجرد قوة مشاة ووقود حرب ينتهي دورهم إما بإنجاز ما أوكلوا به أو بفنائهم دون أن يذرف عليهم أحد دمعة واحدة أو يفتقدهم أما الذين ينفخون في النار كالمنظرين والدعاة ومن في حكمهم، وخصوصاً أصحاب الأهداف الدنيوية، والذين يسعون للسلطة، ويستتبعه المال والجاه، فيؤملون بها، ولكنّهم في الحسابات الحقيقية للاعبين الرئيسيين هم مجرد أفراد يمكن الاستغناء عنهم في أي وقت ثمّ يتكرمون عليهم بعد أن ينتهي دورهم بأن يعيشون في الظل والراحة بمعنى أنت في عالم لا يمكن لمثل هذه المجموعات أن تتحرك دون سلطة أعلى تسحقها متى تشاء. الجماعات المتطرفة من جانبه، يؤكدّ يؤكدّ الكاتب والناقد الصحفي فيصل البيشي، بأنّ الجماعات المتطرفة وخاصة "داعش" نجحت في التروج والانتشار والتأثير عبر الشبكة الإلكترونية، وهو ما مكنها من استقطاب أعداد كبيرة من الشباب والتغرير بهم، وهو مايلقي باللوم على المؤسسات الإعلامية نتيجه تقصيرها في تبيان حقيقة هذه الجماعات ونشر آراء ومواقف العلماء منها، وتقديم الصورة الحقيقية للإسلام الحقيقي المعتدل، منوهاً على أننا لو رصدنا ما حدث خلال الفترة الماضية «إعلامياً» لوجدنا هذه الجماعات المتطرفة، وعلى رأسها داعش نجحت في توظيف الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وخاصة «تويتر» في القيام بحملات تسويق إلكتروني وعلاقات عامة متطورة ومنظمة للترويج لمشروعها ودعوة الشباب للانضمام إليها، تحت إشراف عدد كبير من المتخصصين، مشيراً إلى أنّ هذه الجماعات تمتلك القدرة على استخدام جميع أدوات الإعلام من الهواتف المحمولة، وحتى إنتاج الإفلام الطويلة التي وصفها البعض ب»الهوليودية» في نشر رسائلهم وحث الشباب للانضمام إليهم، مشدداً على أنّ هذا الأمر قوبل بضعف ملاحظ لدى وسائل الإعلام الأخرى والتي تفرغت لتغطيات إعلامية للأزمات والمشاكل السياسية التي حدثت مؤخراً في المنطقة وخاصة في سوريا، حيث أدت إلى تشويش الصورة لدى المتلقي عن حقيقة هذه الصراعات وما جرى على أرض الواقع بالتحديد وهو ما ساهم بشكل كبير في التحاق أعداد كبيرة من الشباب لهذه الجماعات المتطرفة، مضيفاً بأنّه بالرغم من تكشف الأوراق واتضاح حقيقة هذه الجماعات وخاصة ماتسمى ب«داعش»، إلا أنّ اللغة والخطاب الإعلامي والتحليلات السياسية لعدد من الوسائل الإعلامية والإعلاميين لا يزال يشوبها نوع من التعاطف أو التأييد غير المباشر أحيانا في دور «داعش» كورقة سياسية في الصراعات بين الدول، والانشغال بالحديث عن جوانب ثانوية، وهو ما يحتم على الجميع فضح هذه الجماعة وتبيان منهجها والخطر الحقيقي منها»، مؤكداً على ضرورة توحيد الخطاب الإعلامي في التعاطي مع الجماعات المتطرفة والتصدي لكل ما تقدمه وتروج له بشكل عام شريطة أن تشارك جميع الجهات المعنية من مؤسسات شرعية وحكومية وتربوية في تكوين هذا الخطاب، ومن هنا فإنّه بقي الدور الآن على الإعلاميين والكتاب، بعد أن حددت الجهات العليا الجماعات المحظورة في المملكة في محاربتها والتحذير منها، وهذا يتم بعدة أمور منها: نشر آراء اهل العلم في هذه الجماعات وخاصة ماتسمى «داعش» ورصد كل ماتنشره هذه الجماعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي من شبهات وأفكار والرد عليه بمشاركة هؤلاء العلماء، مع ضرورة مراعاة واستشعار المسؤولية الحقيقية والابتعاد عن استغلال هذه القضية في تصفية حسابات شخصية بين التيارات. أمانة كبرى وفي سياق متصل، يرى الكاتب الصحفي بسام فتيني، بأنّه على الصحفيين والإعلاميين والكتّاب في التوعية بخطر تنظيم داعش أمانة كبرى على عاتقهم وغير مقبول منهم التخاذل بحجة أن لا علاقة لهم بالأمر، بل ويجب عليهم تحمل ما قد يصيبهم من سب وشتم في سبيل إيضاح الحق، فالفكر الداعشي خطير ويجد للاسف رواجاً عند المتشدد أو من يعتقد أنّه ملتزم بالدين ويستخدم الغلظة في ذلك بكل اقتناع، مهيباً بأهمية أن تقوم وزارة الداخلية وخاصة المتنفذين في الأمن الفكري بسرعة التواصل ومدّ جسور التعاون فمعتنقو الفكر الداعشي موجودون بيننا، وأصادفهم يومياً في تويتر والفيس بوك وكأنّهم ينتظرون لحظة ما لينطلقوا ويمارسوا جنونهم ونهمهم نحو القتل والدم، والأخطر أنّهم يعتبرون ذلك نصرة لدين الإسلام، ملمحاً إلى أهمية تنظيم دورات تأصيلية من الناحية الشرعية والفكرية للصحفيين والإعلاميين للجماعات والتيارات المنحرفة لكي يكون تأثيرهم وحججهم أقوى، فاليوم نحن أمام مهمة وطنية حقيقية قد يكون تراخينا ولو للحظات سبباً في حدوث كوارث لا سمح الله، مشدداً على أننا بتنا نتلمس وبألم بأنّ هناك من يؤيد قسوة داعش ويعتقد أنّهم على حق وهذا والله خلل كبير في منظومة التعامل مع أبنائنا ككل، وخاصة ممن ينجرفون خلف دعاة الفلاشات محترفي التأجيج. ملاحقة المروجين وعلى الصعيد نفسه، يعتقد الأكاديمي والباحث الاجتماعي سلمان العبدلي، أهمية ضرورة ملاحقة كل من يحاول الترويج والنشر للتطرف، وكذلك كل من ينشر أموراً فيها استهزاء بالدين وبالقيم والمبادئ أو من يستهزئ بالله وبرسوله، ملمحاً بأنّ الإعلاميين غير قادرين لوحدهم على أن يقوموا بحملات إعلامية ضد فكر داعش لأنّهم غير مؤهلين ولا يمتلكون القواعد والنصوص الشرعية التي تفند فكر داعش، فيجب أن يعطى الخبز لخبازه، فالقضية ليست اجتماعية فحسب، بل هي شرعية بشبهات كارثية وسوء الطرح يؤدي لتفاقم المشكلة وزيادة تعقيداتها، فلا بدّ أن يقوم على مثل هذه الحملات مفكرون وشرعيون متخصصون في العقيدة والمذاهب الفكرية والمناهج الأصولية الفقهية، ويكون معهم الإعلاميون جنباً إلى جنب فهذا من أبجديات طرح المشكلة ومن لوازمها الدقيقة، حيث إنّ هناك الكثير من هو مستعد في صياغة طرح الإشكالية وعلاجها، إذ إننا مسؤولون أمام الله لكشف الشبهات وتوضيحها توضيحاً علمياً دقيقاً بعيداً عن المهاترات الإعلامية، ورمي التهم على الآخرين فالأمر جد خطر.