لا يخلو أي مجتمع من خصوصية نابعة من معتقد أو ثقافة أو مورث اجتماعي، فالخصوصية طابع أو بصمة تميز المجتمعات بعضها عن بعض، لذا من الصعب أن تجد تطابقا بين مجتمع وآخر، ومن هنا تكون الخصوصية حافظة لذاتها بذاتها ولكنها ليست بالمعنى الثابت، أي بمعنى أن هناك شعوبا استطاعت أن تتخلص من هوس الخصوصية والتمسك بكل ما هو من الماضي إلى المرونة ورمي الكثير مما يشكل عقبة في التطور وتحصيل المكتسب الجديد، ومن هنا يكون قلق الخصوصية وتضخيمها قلقا غير مبرر، بمعنى آخر هاجس المحافظة قد يفاقم الأزمة دون أن يحل الإشكال مع عالم تغير من حولنا. لذا قبل أن نخوض في الحديث دعونا نسأل: هل الخصوصية وبالخصوص في المجتمع العربي الإسلامي شيء ثابت لا يتغير؟ أي هل نحن حافظنا على مجتمعاتنا منذ النشأة إلى اليوم دون أن يعتريها التغير؟! بالطبع حدث لدينا تغير، لكن في الجانب (المتحول) من هذه الخصوصية، فهناك جانب ثابت لا يعتريه النقص أو التغير وهو النص الديني، وجانب متحول وهو الهامش المعطى للاجتهاد والتفكير لنقد ثقافتنا ومورثنا الاجتماعي من عادات وتقاليد وغيرها. فنحن بحاجة دائمة لنقد الذات وإحياء فاعليتها، فالخصوصية جمع (خاص) والخاص هو الأنا، والأنا قطعا تحتاج إلى النقد والتجديد. وهذا ينطبق على جميع المجتمعات في العالم فلكل مجتمع ثابت ومتحول حتى المجتمعات التي نتصور أنها (متحررة) لديها ثوابت متفق عليها. ولهذا لا ندري لماذا يحلو للبعض وبالخصوص في المجتمع العربي الإسلامي الضرب على هذا الوتر (الخصوصية) وتتلبسه حالة من الخوف والخشية كلما حدث متغير أو جد جديد، وكأن خصوصيتنا على المحك أو في طريقها للتمييع والذوبان، لذا تعلو الأصوات المنددة بأي عملية نقد وتجديد حتى وإن كان هذا النقد فيه خير وصلاح. وخير مثال على ذلك هو (المرأة) في مجتمعنا، فكثيرا ما همشت وهضمت حقوقها باسم الخصوصية، أو التعذر بأن المجتمع غير مهيأ. فتعليم المرأة على سبيل المثال مر بمراحل مخاض عسيرة حتى رأى الولادة والنور. وقد حدث أن مقالا واحدا كتبه الأستاذ عبدالكريم الجهيمان رحمه الله في أواخر الخمسينات من القرن الفائت في صحيفة أخبار الظهران يدعو فيه لتعليم المرأة تسبب بإيقاف الصحيفة وحجز كاتبها 21 يوما في السجن!!، لأن الحديث عن تعليم المرأة في تلك الحقبة يعد تعديا على الخصوصية وتجاوز (مقدس!!!)، ولقد عاصرت في القرن الفائت من عام 1982م عند دخولي للمدرسة في محافظة الخفجي بعض من كان يمنع ابنته من التعليم بحجة العيب وخصوصيتنا لا تسمح بذلك. رغم أن الوحي بدأ منذ أكثر من أربعة عشر قرنا بسورة (اقرأ) و(قل رب زدني علما). فيما أكد الرسول الكريم صلى الله عليه و آله وسلم طلب أن العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، ولكن العادات والتقاليد- الخاصة- تحكمت بالمجتمع حتى جعلت من الحق باطلا ومن الباطل حقا!! ومن هنا في رأيي يجب أن يدق أكبر ناقوس للمراجعة والتدقيق والتعريف بمفهوم الخصوصية، دون أن تكون الخصوصية معومة هكذا يستوي أحيانا بل في كثير من الأحيان في تعريفها والدفاع عنها العالم ونصف الجاهل. خلاصة القول إن ما يجب الحفاظ عليه هو الكتاب والسنة الصحيحة، وما خلاف ذلك قابل للنقاش والتعديل، فعاداتنا وتقاليدنا ليستا (نصا مقدسا) منزلا من السماء حتى نتقيد بهما دون نقدهما أو إعادة النظر فيهما، ليكون شعارنا الخصوصية كما نكون لا كما هي تكون. حكمة: التقاليد آراء يفرضها الأموات على الأحياء.. إعلامي متخصص بالشأن الثقافي