اعترف عضو مجلس الشورى السعودي الدكتور حاتم الشريف بحاجتنا إلى تحديد علوم الشريعة بما يواكب العصر، منتقداً بعض الفتاوى التي اعتبرها جواز مرور لكل شيء وقال في حوار مع «الحياة»: «الفتاوى أصبحت جواز مرور لكل شيء بسبب عدم المعرفة بالعلوم الشرعية».وأكد أن «السلفية» و»الوهابية» جهود بشرية غير معصومة من الخطأ، وقال: «تشرفت بأن تجرأت وانتقدت السلفية والوهابية في أكثر من مناسبة، خصوصاً أن انتقادي لها كان نقد محب يريد منه الإصلاح وليس نقد بغيض يريد لها الإسقاط».وأضاف: «أن الصدع بالحق دائماً يكون صعباً ولكنه ليس مستحيلاً، خصوصاً إذا كانت مضامينه حقاً وأن الصدع بالباطل يعد «تشغيباً».كما انتقد في حواره مع «الحياة» السياسات التعليمة في السعودية، موضحاً أن الأخطاء في طرق التدريس والمناهج، إضافة إلى وجود وصايا تعليمية بنيت في الماضي على إرهاب فكري أصبحت سبباً رئيسياً اليوم لضعف عام لكثيرين من حملة شهادات العلوم الشرعية، وقال: «أخطاؤنا التعليمية في الماضي أدت لعيوب وانغلاق علمي وفكري وضمور في القدرات الإبداعية لدينا».وتناول في حواره جوانب عدة تتعلق بالمرأة، مطالباً إياها بالمشاركة في صناعة الحضارة الإسلامية وفق تعليم ديننا. الحوار مع الشريف تتطرق إلى جوانب متخلفة ومتعددة منها عمله في مجلس الشورى، وآراؤه حول وجود السينما وقيادات المرأة السيارة. وهنا نص الحوار. كونكَ من الطائف... هل هو نعمة أم نقمة؟- هذا يتوقف على ما أنا عليه، فإن كنت نعمة فيحق لك أن تعتبري كوني من الطائف نعمة، وإن كنت بخلاف ذلك فيحق لك أن تعتبريه بخلافه! فأنا أدين للطائف بطفولتي وشبابي الأول وأساس تكويني كله. كيف قادتك خطاك إلى علوم الحديث؟ وبماذا تدين لجامعة أم القرى؟- هذه قصة طويلة، تبدأ من حبي للقراءة منذ الطفولة، ومن رغبتي في اكتشاف المجهول، ومن غزارة الفائدة في علوم الحديث ومن وضوح تميز المستفيد منها منذ أوائل دخوله فيها، وذلك لشدة تخصص علومها، ثم تأتي علاقتها بذات النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -سنةً وسيرة وبأنها وحي منزه عن الخطأ ليكون ذلك السبب الأول الذي قادني إلى علوم الحديث.أما جامعة أم القرى التي درست فيها ما بعد المرحلة الثانوية إلى الدكتوراه، فدينها عليّ بحجم هذه المراحل والشهادات التي نلتها منها، إلى أن أصبحت أستاذاً فيها. يرى البعض أن مناهج الشريعة والحديث في جامعاتنا منغلقة وغير مواكبة للمستجدات؟- هناك أخطاء في طريقة التدريس التي تعتمد حتى الآن على أسلوب التلقين والحفظ، وأخطاء في المناهج، وهي لا تختلف في ذلك كثيراً عن القصور الموجود في بقية العلوم. وفي العلوم الشرعية خصوصاً هناك أخطاء في السياسة التعليمية وفي ضعف أهدافها أو عدم وضوحها أحياناً أخرى. كما أن هناك وصاية شديدة على الفكر تُمارَسُ بانتباه ومن دون انتباه، مع أن هذه الوصاية المبنية على الإرهاب الفكري لا يمارسها في العادة إلا الضعيف، لا من كان يحمل علوم الدين الوحيد الذي يرفع من شأن العقل والفكر، وفق منهجٍ تأسست مبادئه على (درء تعارض العقل والنقل). وهذه الوصاية مع أخطاء التدريس والمناهج كلها سبّبت ضعفاً عاماً في كثير من حملة العلوم الشرعية، وأدت إلى عيوب عدة، كان منها شيءٌ من الانغلاق العلمي والفكري، ومنها ضمور القدرة على الإبداع. التعليم الشرعي في جامعاتنا... ألا يحتاج إلى فكر تجديدي يبث الروح فيها من جديد؟- نحن في حاجة إلى التجديد، لأنه ضرورة الحياة، حتى في العلوم الشرعية، فلن يكون العلم حياً بغير تجديد مستمر يواكب العصر. يحتار المتأمل في بوصلتك... إلى أين تتجه؟ وأين الخلل في ذلك؟- من يعرفني جيداً لن يحتار في بوصلتي أين تتجه، أما من لا يعرفني أو من يقبل فيّ الكلام من دون تثبت، فهذا هو الذي سيحتار. يشيع البعض أنك لا تجيد العلاقات العامة.. وهذا حرمك فرصاً كثيرة... ما رأيك؟- لا أدري، ولكني أعترف بأني لا أعرف الصداقات العابرة، وحبي للعزلة مع الكتاب، كما أني ربما كنت صريحاً «زيادة عن اللزوم» بحسب أعرافنا، فإن كانت هذه هي أسباب ضعف إجادتي للعلاقات العامة، فالعيب في العلاقات العامة، لا فيمن لا يجيدها. ولولا وجود قلوب حولي تفيض عليّ بالحب والعطاء، من الأهل والأصحاب والطلاب، لما اطمأننت إلى مسيرة علاقاتي العامة. فالحمد لله أن ضعف إجادتي لتلك العلاقات (إن صحّ)، لم يصل إلى حدّ الإفلاس من الأحباب أو قريباً من ذلك. يرى البعض أن من كنت معهم أصبحت تهاجمهم... هل من السهل تغيير المسار وتحمل التبعات من ذلك؟- طوال عمري كنت مستقلاً، أرفض التبعية لأي تحزّب، سواء الظاهرة أم الخفية، ويعرف هذا كل من يعرفني. وقد كلفني ذلك كثيراً، ولعل هذا أحد جوانب ضعف العلاقات العامة. فلم أكن في يوم من الأيام مع أحد أصلاً، إلا مع من كان مع الحق، ومعه بقدر ما لديه من الحق، ولن أكون معه هو نفسه فيما خالف فيه الحق. وذلك بحسب اجتهادي، مراعياً احتمال حصول الخطأ مني، لكني في النهاية لا أستطيع أن أعرف الحق بعقل غيري، فلا بد من أن أعرفه بعقلي وفكري واستدلالي.وهذه المسيرة مسيرة صعبة، وليس من السهل تحمل تبعاتها. لكني أُوطِّن نفسي على ذلك، وأحرص على توقع ردود الأفعال قبل أي خطوة، حتى لا أُصاب بخيبة أمل، ولكي لا أضعف عن إتمام هذه المسيرة. هل تشعر بأنك قدمت نفسك جيداً؟- لا شك أني أخطئ في ذلك أحياناً، لكني أرجو أني قد أصبت أكثر. وهنا أذكِّر بأن المسيرة التصحيحية التي أحاول أن أسيرها لا يُعرف صوابُها من خطئها في كثير من الأحيان من ردود الأفعال السيئة تجاهها، والتي ربما امتدّت إلى ما بعد حياة أولئك المصلحين، بل يُعرف صوابها من خلال نتاجها ومفردات دعوتها التفصيلية، فإن كان نَتاجُها صحيحًا فهي صحيحة، ولو كان موقف الناس من أصحابها سلبياً. وإن كان نَتاجُها خاطئاً فهي خاطئة، ولو كان موقف الناس منها إيجابياً. مقالتك «الصدع بالحق»... لماذا سارت بها الركبان وتنافست المنتديات في التعليق عليها؟- لأنها صدعٌ بالحق، لا بد من أن تسير به الركبان. وإن كان مسير الركبان بها ليس هو دليل كونها حقاً، لأن الركبان تسير بكل مستغرب، ولو كان باطلاً. لكن دليل كونها حقاً هو الأدلة والبراهين التي تستند إليها. ما الفرق بين الصدع بالحق والتشغيب بالباطل؟- الفرق هو مضامين ذلك الصدع، فإن كانت مضامينه حقاً فهو صدعٌ بالحق، وإن كانت مضامينه باطلاً فهو تشغيبٌ بالباطل.الشورى والصدع بالحق وأنت عضو في مجلس شورى... هل تجد صعوبة في الصدع بالحق أمام المسؤول؟- الصدع بالحق دائماً صعب، ولم يكن في يوم من الأيام سهلاً، أمام المسؤول وأمام كل أحد، لكنه ليس مستحيلاً، ولا انغلقت كل أبوابه. وأرجو أني لا أسكت عن الصدع بالحق أمام المسؤول وغيره إلا إذا كانت مصلحة الحق تقتضي تأخير الصدع به، وحينها أتحرى الوقت الذي تكون مصلحة الحق تقتضي الصدع به لأُبادِرَ إليه. المنصب الحكومي... هل يجعلك تتأنى كثيراً في طرحك؟- لا شك في أن لكل منصب واجباته، وواجباتي يوم كنت عضو هيئة تدريس في الجامعة ليست هي واجباتي وأنا عضو مجلس الشورى. لكني حريصٌ على أن أؤدي واجبات المنصب، من دون أن أخالف قناعاتي وما أومن به، وأكون صادقاً معك، إني أجرؤ على بعض ما يعتبره غيري مخاطرة، معتمداً على توفيق الله أولاً، ثم على اجتهادي في محاولة التوفيق بين واجبات المنصب والقناعات، ثم على سعة صدر الدولة تجاه الخطأ إذا بدر مني، ما دام قد صدر مع تمام الولاء الوطني وعن قصد الإصلاح، ولأن الدولة تعلم يقيناً أن قراراتها ليست معصومة. بالتالي لا بد من أن يكون في أبنائها من يخالف رأيها أو قرارها في بعض الأمور، وأنه لا يمكن أن يكون مجرد مخالفة الدولة في قرار ما جريمةً تؤاخذ عليها. وهذا هو واقع دولتنا الذي يعرفه كل من عرف حقيقتها، وهو ما يجرئني على ذكر بعض قناعاتي، بما يحقق المصلحة، أو بما لا يؤدي إلى مفسدة في أقل تقدير. ما كنت تسمعه عن المجلس كيف وجدته عندما دخلته؟- بكل موضوعية وأمانة المجلس أفضل بكثير من النقد الذي كنت وما زلت أسمعه وأقرؤه عنه، وهو ما زال محتاجاً إلى إصلاح وتطوير كبير أيضاً، ولا سيما في جانب الصلاحيات والمهام المنوطة به. بين أهل الفقه وأهل الحديث حُرِمَ المجتمع من حياة أسهل إلى متى وهذان الجناحان لهما السطوة في حياتنا؟- أهل الفقه حقاً وأهل الحديث حقاً لم يكونوا إلا قادةَ التيسير ورُواد السعادة ومُحْيُو الآمال، وهذه ليست شعارات براقة، ولا دعاوى خالية عن براهين، بل هي حقائق ثابتة، ومستعد لإثباتها في أي وقت يكون الأمر لمثلها متاحاً. ولكن بعض مشكلتنا تأتي من جهة حامل الفقه غير فقيه، ومن حامل حديث ليس بمحدّث، وإلا فكما قال أحد علماء السلف (وهو سفيان الثوري): «إنما العلم الرخصة، وأما التشديد فيستطيعه كل أحد»، وهذا الذي يستطيعه كل أحد هو الشائع في زماننا، ولذلك توهم بعض الناس الأمر الذي جاء في السؤال. شيوخ الصحوة أصبحوا شيوخ فضائيات وجماهيرهم فقدت البوصلة... ما الحل؟- (شيوخ الصحوة) مصطلح فضفاض، وتختلف مقاصد مستخدميه، كما أن (شيوخ الفضائيات) عبارة مدح عند أناس، وعبارة ذمّ عند آخرين. ولكني أجد دخول بعض العلماء والدعاة إلى عالم النجومية من خلال البروز الإعلامي في الفضائيات ظاهرةً صحية، بشرط أن يُراعي هؤلاء واجبات هذه النجومية الفريدة من نوعها لأنها تأتي على غير مثال سابق يمكن أن يُستفاد منه، فالنجومية اعتادها العالم للممثلين والمغنين والرياضيين ونحوهم، أما من المشايخ فهو معنى جديد تماماً في عالم النجومية. وجماهير هؤلاء القديم انفضّ عن بعضهم، وبحث له عن بوصلة أخرى على نمطه القديم. لكن بقي لهؤلاء الشيوخ النجوم جمهورهم الجديد والمتجدّد، وهم عموم الناس والغالبية العظمى منهم. وإذا أراد هؤلاء الشيوخ أن يعودوا إلى المساحة الضيقة لجمهورهم القديم فليس عليهم إلا أن يخطبوا خطبة ناريةً واحدة، فإما أن يهاجموا الحكومات (بحق أو بغير حق)، أو أن يهيّجوا الناس ضد بعض المخالفين لهم (بحق أو بغير حق أيضاً)، ليعود إليهم ذلك الجمهور القديم، الذي لا يريد من العالم أن يكون هو من يحدّد له الاتجاهات، بل يريد هذا الجمهور أن يكون هو بوصلة العالم الذي يحدد له الاتجاه المطلوب. في كتابتك هناك أبجدية يشتكي منها البعض أما لتهكمها أو لسخونة مفردتها... ما تعليقك؟- أعتقد بأن السبب الحقيقي للشكوى البعض هو أنها نتيجة أكيدة لاعتراضي على بعض مسلّماتهم الموهومة ولرفضي بعضَ مألوفاتهم العلمية المغلوطة، فهذا وحده أمرٌ كافٍ للشكوى المريرة منهم كما هو معلوم. فالذين كانوا يتبنّون هذه المسلمات والمألوفات سيكون من شبه المستحيل عليهم أن يعترفوا بأنهم إنما يشتكون كشفي لحقائق طالما انخدعوا بها وطالما درّسوها لطلابهم وكتبوها في مؤلفاتهم. وليس لديهم إلا أن يدّعوا أن المشكلة في الأسلوب، أو أن يدّعوا أن المشكلة في الأدلة لكن من دون نقاشها بمنهج علمي صحيح. والذي سيدل على صحة كلامي هذا أن من رأيناه يترك نقاش أدلةِ فكرةٍ ما نقاشاً عِلْمياً، في حين أنه لجأ إلى رفض الفكرة من خلال رفض الأسلوب أو من خلال نقاشٍ غير علمي لها، فهذا سيكون رَفْضُه محلَّ ريبةٍ ولا شك، لأنه رَفَضَ الفكرة من غير أن يُخضعها للاختبار العلمي الصحيح، وسيكون التفسير الأقرب للصواب لموقفه هذا أنه إنما كان يشكو عجزَه عن الاعتراف الكبير بالخطأ الكبير. وهذا ما أدّعي أنه قد وقع من بعضهم تجاه بعض اجتهاداتي العلمية والتصحيحية.ولا يعني ذلك أني أُبرئ نفسي من الخطأ في الأسلوب، فلا شك أني أخطئ، لكني أظن أن السبب الأكبر للشكوى عند البعض، كما أنه سببٌ للسعادة والفرح عند آخرين: هو تلك النتائج العلمية والتصحيحية التي يعتبرها البعض فضحاً وتعرية لواقع علمي ضعيف وهشّ. عندما تسمع عن شباب للصحوة وقد تحولوا إلى قنابل متفجرة... بماذا تحدث نفسك؟- أحزن عليهم كثيراً، لأنهم ضحيةُ طرح متطرّف غرّرَ بهم، ولأننا فقدنا فيهم حماسة كان يمكن أن يكون طاقة متفجرة في الإبداع وصناعة الحياة، لا في صناعة الموت.الإعلام الإسلامي .. والمرأة الإعلام الإسلامي إسلامي لكنه ليس إعلاماً... هل التحرر من الزمان والمكان كفيل باللحاق بالركب؟- هو كذلك حتى الآن في غالبه، والكفيل باللحاق بالركب هو إذا عرف المسلمون الفقهاءَ الحقيقيين الذين يراعون الأدلة ومقاصدها والمصالح والمفاسد، ولا يجمّدون على ظواهر النصوص من دون تحكيم عِللها، ولا يمارسون رفض الجديد لمجرد أنه غريب عليهم، ولا يلبسون من الكهنوت وصايته على العقول من خلال سدّ الذرائع غير المنضبط. إذا وُجد هؤلاء الفقهاء وعرفهم الناس وأوكلوا إليهم أمر دينهم عن ثقة بهم، عندها سيتحرر الإعلام الإسلامي من أسر التخلّف والجمود، وسيجد الدعم المالي الذي هو عصب أي مشروع. فمشكلة الإعلام الإسلامي حتى اليوم هي في فهمه للإسلام، أو في فهم جمهوره للإسلام، وليست في فكرته الأساسية، والتي هي الالتزام بأحكام الإسلام. هل تجرؤ على نقد السلفية والوهابية وبعث الجديد في الشأن الإسلامي؟- «السلفية» بمعنى فهمنا واجتهادنا في تتبع منهج السلف وليست منهج السلف ذاته، و«الوهابية» بمعنى الدعوة التجديدية التي قام بها الشيخ محمد بن عبدالوهاب: كلها جهود بشرية غير معصومة من الخطأ، بل لا بد من أن يقع فيها الخطأ. وقد تشرفتُ بأن تجرأت فعلاً على نقدهما ، في أكثر من مناسبة. لأن نقدي لهما هو نقد المحب، الذي يريد الإصلاح، وليس نقد المبغض، الذي يريد الإسقاط. تملك قراءة خاصة للمرأة لكن لا نعرف لها إطاراً معيناً؟- إطارها أن المرأة المعاصرة يجب أن تشارك الرجل في صناعة الحضارة الإسلامية المعاصرة، التي نرجوها. وأنا مؤمن أن أحكام الإسلام كفيلة بإعطاء المرأة المسلمة هذا الحق، الذي لا يُلغي طبيعتها الأنثوية المختلفة عن طبيعة الرجل، ولا يحجّمُ عطاءها بحجة هذا الاختلاف. والذي ينظّم علاقتها بالرجل: من غير أن انفلات كانفلات الغرب، ولا قيود العادات التي لا علاقة لها بالإسلام. قضايا المرأة وهمومها... لماذا هي معلقة وتنتظر قرار رجل؟- هذا السؤال يجب توجيهه للنساء، وهو وجيهٌ فعلاً: لماذا حتى حركات تحرير المرأة في الغرب قامت على أكتاف الرجال؟! وكلنا يعلم أنه لولا معونة الرجل (بيده وبقراره) لما تم لتلك الحركات ما تريده أصلاً. في حين أن الثورات الذكورية على مرّ التاريخ (وما أكثرها) لم تكن يحتاج إلى الرجل فيها إلى يد المرأة، ولا إلى قرارها السياسي غالباً.وإن كان الرجل (دائماً وأبداً) في غاية الحاجة إلى قلب المرأة وعاطفتها، وهي حاجة حقيقية وضرورةٌ فطرية للرجل. لكن ألا تدل هذه المفارقة على أن المرأة لن تستغني عن قوامة الرجل؟ بالمعنى الصحيح للقوامة، والذي لا يعني الاستبداد ولا الظلم، وإنما تعني أنها شراكةُ حياةٍ تقوم على التفاهم والمصالح المشتركة، إن لم تقم على الحب، لكن قيادة هذه الشراكة تقتضي الفطرةُ السويةُ أن تكون بيد الرجل. طبعاً هذه ليست مجرّد قناعة خاصة عندي، لكنها حقيقة إلهية، فقد قال تعالى: (الرجال قوامون على النساء).ويؤكد هذه الحقيقة التاريخُ البشري كله، وهو تاريخٌ كانت فيه المرأة تعيش غالباً مع قوامة الرجل (بالمعنى الصحيح للقوامة أو بالمعنى الظالم لها)، حتى ظهرت في العصر المتأخر حركاتُ التحرير الغربية التي تحاول التنكُّر والتحقير لهذا الإرث البشري الممتدّ لآلاف السنين، بغرور وغطرسة تحتقر فيها العقل الإنساني كله وتحتقر فيها جنسها البشري كله بحضاراته السابقة كلها، كما كانت هذه الحضارة الغربية قد تنكّرت للهدي الرباني من قبل، بعدم إيمانها بالإسلام، ولا أقول باستبعادها للدين عن الحكم في مناحي الحياة (العلمانية) لأن دينهم المحرف والمنسوخ لا يصلح فعلاً للتحاكم إليه. وهنا أودّ من المرأة المسلمة الثائرة على ظُلمها باسم الإسلام، والإسلام من ظلمها بريء، أن تفرق بين الثورة على ظلمها باسم الإسلام والثورةِ على الإسلام نفسه، فالثورة الأولى حقّ يكفله لها الإسلامُ نفسه، وأما الثانية فتتناقض مع كونها مسلمة مناقضة كاملة. وبذلك يجب أن لا تنسى هذه المرأة (أثناء ثورتها) أن تراجع نفسها بعلمٍ وحكمة ورويّة، دون تأثير ردود الأفعال غير المنضبطة، فلا تخلط بين أوراق التظلُّمات، فلا تجعل خصومتها مع التقاليد والعادات خصومةً مع دين ذلك المجتمع الذي لم يحسن فهم الدين ولا تطبيقه. المسلم الحاضر يهيم بماضيه ويعجز عن التواصل مع مستقبله... ما السبب؟- السبب هو يأسه أمام إخفاقات وهزائم الحاضر، والاكتفاء من ماضيه بالتغني على أطلال أمجاده. فلا حاول هذا المسلم التعامل مع حاضره وفق قدرته، ولا بذل وسعه فيما يدخل تحت وسعه، ولا حاول النظر إلى الماضي بأكثر من التغني بالأمجاد، مستفيداً منه أسباب الانتهاض وأسباب التعثّر. ومع حزني على وجود هذا الصنف بين أبناء المسلمين، فحزني أكثر على من انقطع منهم عن ماضيه انقطاعاً تاماً أو شبه تام، وظن أن التواصل مع الحاضر لا يكون إلا باستنساخ قيم وأخلاق الآخرين. وهو غافلٌ عن أنه لن يكون الآخر أبداً، ولو نزع جلده ليكون أحمر اللون، ولو وضع عدسة زرقاء على عينيه، وأنه لن يستطيع الانفكاك من ماضيه أبداً، مهما حاول ذلك. هناك من يثبت المتغير وهناك من يغير الثابت والأمة بين هؤلاء وأولئك تتأرجح... إلى متى هذا التأرجح؟- بقاءُ حدٍّ من هذا التأرجح أمر طبيعي، ولا بد من بقائه، وكما كان موجوداً على مر القرون والأجيال، فسيبقى حدٌّ منه على مر القرون والأجيال. المهم هو أن لا يكون هذا التأرجح هو الغالب، ولن يكون إلا إذا استطعنا أن نفصل بين الثابت الحقيقي والثابت المزيف. فإننا إذا ما ميزنا بصورة واضحة بين الثابت والمتغير، قطعنا السبيل دون من يريد تثبيت المتغيّر من التقليديين، ومن يريد أن يغيّر الثابت من العصرانيين، فأنا مؤمن بأن المشكلة هي في عدم وضوح الحق في أكثر الأحيان، وأن غالب الناس إذا اقتنعوا بحقّية شيءٍ قبلوه، وأن صنف من يعرف الحق ويصر على الباطل صنفٌ نادر في الناس، موجود، لكنه نادر.قرون التخلف أي الفيروسات ينهش جسد الأمة أكثر الفيروس التربوي أم السياسي أم الاقتصادي؟- ورثت أمتنا من قرون تخلُّفها الأخيرة (من القرن الهجري العاشر فما بعد) مجموعةَ أوبئةٍ فتّاكةٍ من الفيروسات، أهمها أمران: الأول الموقف السلبي من الدين إما بفهمه فهماً خاطئاً، وبالتالي سيكون التديّن خاطئًا، وإما بالإعراض عن التديّن بالكلية. والأمر الثاني: التخلّف العلمي والحضاري. وكل إخفاقاتنا التربوية والسياسية والاقتصادية هي نتاج تلك الأوبئة، والتي أرجو أننا نعيش فترة التشافي منها، وهي فترةٌ تنتابها بعض الانتكاسات ولا شك، وما زلنا نحتاج فيها إلى عنايةٍ مركّزة لكن الذي يدل على أننا في فترة تشافي أننا اليوم خيرٌ منا قبل مئة سنة مثلاً. وأرجو ألا تطول فترة التشافي لقرون تأتي! «التعددية» مصطلح يرعبنا ويحجمنا عن التواصل مع «الآخر»... ما الذي يجعلنا نتوجس سراً من هذا المصطلح؟- إن أردنا بالتعددية: اعتقادَ حَقّانِيَّة كلِّ مبدأ، وأنه لا فرق بين الحق والباطل، إما لتعدد الحق، وإما لنسبيّته، فهذا معنى خطير، ولا بد من أن نبين خطره للناس ونحذرهم منه. وإن أردنا بالتعددية التعايش السلمي وعدم الاعتداء على حقوق المخالفين لنا، فهو مصطلح صحيح، ويجب أن ندعو إليه. هل الحفاظ على خصوصيتنا يفسد علينا الاستمتاع بالحضارة الحديثة؟- لا علاقة بين الحفاظ على الخصوصية والاستمتاع بالحضارة الحديثة، لأن الحفاظ على الخصوصية يتم بالحفاظ على ديننا وقيمنا ولغتنا وفنوننا، والاستمتاع بالحضارة الحديثة لا يعارض شيئاً من ذلك. المشكلة تكمن فيما لو ظننت أن الحضارة الحديثة هي القيم ونمط الحياة الغربي، مثل فتح البارات والمراقص، أو عندما أظن أن خصوصيتنا هي تفاصيل عاداتنا جميعها، ليدخل فيها حتى القهوة العربية أو الأكل باليد! ينادي البعض بعملية تحديد الإطار المرجعي لهذه الأمة من جديد... هل تشعر بأننا بحاجة مُلحة إلى ذلك؟- كل أمة تشعر بأنها غير مستقرّة في حاضرها، وغير مطمئنة لمستقبلها، تتمنى وجود منقذ لها. لكن المشكلة أن هذه الأمة قد تحلم ببطل أسطوري، يأتيها بالمعجزات، فلا تضع يدها في يد أبطالها الواقعيين، لأنهم لا يأتون بالمعجزات، ولا تصنع هي تلك المعجزات، ولا تصنع من نفسها جيلاً صالحاً لعودة صلاح الدين! لماذا أصبحتِ الفتوى جواز مرور لكل شيء؟- لم تصبح الفتوى جواز مرور لكل شيء حتى الآن بحمد الله تعالى. نعم أصبحت جواز مرور في بعض الأحيان، بسبب الضعف العلمي، وبسبب تصدير من لا يستحق التصدير، وبسبب الضغوط على العلماء أحياناً أخرى. ما رأيك في المتدينين الذين توجهوا إلى الليبرالية وأخذوا ينتقدون الدين وأهله؟- أدعو لهم بالهداية، وأظن بعضهم كان نتاج انغلاق وتشدّد ديني، أدى بهم إلى ردّ فعل معاكس. ولذلك فأنا أظن أن كثيراً منهم سيرجع سرعان ما تخبو نار الثورة التي تفجرت في نفوسهم. السينما وقيادة المرأة السيارة... لو أوكل الأمر إليك ماذا أنت فاعل؟- سأضع الضوابط التي تحقق المصلحة منهما، ثم أقول بأعلى صوتي: إن لم تطبّق هذه الضوابط فأنا بريء من هذا التطبيق الذي لم يلتزم بها. ولذلك فإنه يجب أولاً تهيأ الظروف والوسائل والمؤسسات الكفيلة بإمكانية التطبيق السليم، قبل فتح المجال لها. وأما بغير ذلك فسأقف مع الممانعين، ولا سيما إن شعرت أن هناك من يريد الإفساد من خلالها، وكان قادراً على تحقيق مآربه.