تسجيل الارقام القياسية متعة تولد الفخر والاعتزاز للفرد بل ولوطنه ولجيران وطنه وأمته جميعا، والمقاييس الدولية البسيطة الحساب توضح بجلاء مقادير الاشياء، ونحن في المملكة العربية السعودية لنا في محافل الارقام القياسية منجز، ولكنه ولعميق الأسى والأسف منجز سوء وحصيلة شر، ذلك هو ما تسطره الصحائف المحلية والعالمية عن ارقام الرعب لحوادث السير في المملكة العربية السعودية، والموضوع في رأينا ورأي جميع العقلاء يصل الى درجة رعب وذعر، يجب وللضرورة القصوى أن يمثل أولوية وطنية أولى تفوق الاولويات الحياتية كلها، من تعليم وصحة ومواصلات وغيرها، وإن كانت في حقيقة الأمر لا تصلح إلا بصلاحها جميعا. وقد تكون أرقام الرعب للحوادث في المملكة هي في الحقيقة نتاج طبيعي لتدهور هذه الخدمات مجتمعة، وأستثني منها الصحة التي هي في الأصل متضرر أساس من حوادث الطرق، حيث يحتل ضحاياها ما يقارب ثلث الطاقة الاستيعابية لأسرة المستشفيات في المملكة، والتي تعاني أصلا من النقص المستمر، والأمر كان مصابا ولكنه أضحى في لغة العقل والأرقام كارثة وطنية تمس الأرواح والنفوس والأسرة السعودية بل والمجتمع برمته، وأجزم أن جميع أحبتي القراء والقارئات لهذه السطور الهامة قد مسهم الضر من قريب أو بعيد في هذا الأمر الكارثي، وأقول كارثيا بلغة واضحة لا لبس فيها لأن الخط البياني للحوادث السنوية، وما يتبعها من وفيات وإصابات هو خط متصاعد، يقفز العام تلو الآخر فهذه أنياب الليث وبالتأكيد ليست ابتسامته. ونحن عندما نتحدث عن الأمن والأمان الذي ننعم به بعيدا عن عوالم الحروب والقتل والدمار، فإن حوادث السير في المملكة قد نكدت وتنكد معايشنا منذ أن نستشعر الخطر المتزايد، الذي أودى بنا إلى أرقام وفيات تقارع وتتفوق على أرقام القتلى في حروب معروفة تاريخيا، وعليه فإن المواطن السعودي الآمن لا يرضى بأن يكون هو وأحبته تحت خطر مدلهم واحتمالات عالية لموت الفجأة الذي استعاذ منه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بقوله: (مَوْتُ الْفَجْأَةِ أَخْذَةُ أَسِفٍ) وبعيدا عن ثقافة الأنين بلا حلول أقولها بصوت عالٍ: هو صوت الوطن بلا تورية ولا مداراة لما يجب أن يعلم فورا، أن غليان الأرقام للحوادث والوفيات وتصاعدها السنوي هو دليل قاطع على أن الإجراء الوطني المتخذ من جميع وزارات الدولة المعنية هو إجراء غير فاعل وغير مجدٍ مع كامل الاحترام والتقدير لجميع الجهود. والغالب في الأمر أن الجهود المشكورة المبذولة وبالرغم من جودة الكثير منها الا أنها لا ترقى لمواجهة المصاب الجلل، وعليه نرى أن الأمر يجب أن يعلن كخطة طوارئ وطنية تتخذ كخطوط حمراء لا يستثنى منها أحد تشمل المواطن السعودي، وهو لب الحدث وأساس الداء والدواء وهو الذي تراه وكأنه كائن آخر عندما يقود مركبته خارج حدود الوطن، ثم يتحلل من كل شيء في فنون القيادة على تراب بلده فتراه وكأنه خلق آخر، وأقول إنه هو الداء والدواء بمفهوم المدخلات والمخرجات والمدخلات فيما نراه لا تليق بالحدث الجلل، وأبسط ما يذكر وهو ما ذكرناه قبل سنين طويلة هو غياب ثقافة القيادة والإحسان في الطريق للنفس وللغير من مناهج الطلاب في المملكة، والمطلوب خلق مادة فورية لسلامة الطريق توضع من قبل متخصصين نفسيين وعلماء في مجالاتهم لكبح طوفان سوء الخلق والقيادة، وإنكار الآخر في السائق السعودي أو الأجنبي في المملكة وإعطاء هذه المادة الطابع النظري والعملي، وتحقيق ثقل دراسي ومعنوي لها في المحصلة الدراسية للطالب، بدأ بالصفوف الدنيا الابتدائية وحتى الجامعة وإلحاق هذه المادة بثقافة مجتمع من خلال إعلام المجتمع وأعيان الأسر والمشاهير من نجوم الرياضة والشعر، وكل من هو مؤثر فالأمر جلل وما أجمل تفعيل العاطفة الدينية النشطة لدى المواطن السعودي. فليس القاتل فقط من يتصارع ويقتل، بل إن الذي يقود مركبته بسرعة واستهتار هو ايضا في مشروع قتل، واذكر ان العلامة ابن باز - غفر الله له - كان له فتوى واضحة في هذا الأمر الذي يجب ان يكون محل الاهتمام الاقصى طوال ايام السنة، لا حديثا يلقى في مناسبات محدودة. وفي رأيي أن هذا التفعيل المنهجي المطلوب فورا يجب ان يشمل الجنسين؛ لنحظى بأمهات وأخوات يدعمن خطة الطوارئ الوطنية، ويكن جزءا منها وأجزم بأن المخرجات ستكون في مستوى الهمم. وفي جانب الوطن ووزارات الدولة فلا نريد الافاضة والاعادة في التقصير الواقع والوزارات المعنية بالدرجة الأولى، وهي الداخلية والمواصلات والتعليم بشقيه والإعلام والصحة يجب عليها مجتمعة العمل الفوري، لوضع خطة طوارئ وطنية محكمة يشارك فيها خبراء وعلماء من جميع المجالات المعنية، فنحن في هذا الأمر بحاجة الى علماء الدين والأمن والنفس والطرق والاجتماع وخبراء في فنون التعامل مع الكوارث الوطنية من هذا الحجم، وأرى للضرورة القصوى أن تتسم هذه الخطة الوطنية بصفتين في غاية الضروره: الحرفية العالية والصرامة التي تتناسب مع الحدث، وما أجمل أن نبدأ على محورين!، محور عاجل جدا وقصير المدى يبدأ باقتباس إحدى التجارب الدولية الناجحة في هذا المجال لدول مثل المملكة المتحدة والدنمارك، والعمل على كشف الفجوات ومعالجتها ولترفد هذه الخطة قصيرة المدى الخطة الوطنية طويلة المدى التي تمثل ثقلا علميا يطبق على أرض الواقع عاجلا لا آجلا، أما أن يبقى المواطن السعودي الآمن في رعب الأرقام بأكثر من ثمانية آلاف قتيل للعام المنصرم، مما يعني وفاة لا يعلم من صاحبها من بيته او بيت جاره او هو، كل 80 دقيقة على مدار العام وحادث مرور كل دقيقتين، وحصيلة قتلى للعقدين الماضيين تصل الى ستة وثمانين ألف قتيل من شباب الوطن، وهو رقم يفوق قتلى عدة حروب اقليمية مجتمعة، فإن هذا رعب لا يقوى عليه قلبه الصغير ولا يملك الا أن يتمتم: هذا هو الحال فهل من مُدَّكِرٍ اللهم سلم، اللهم سلم، والله خير حافظ وهو السميع العليم. *عضو المجلس العلمي الاستشاري لمعهد رياضيات القلب الامريكي