أظهرت دراسة حديثة نشرتها دورية معهد ميلكن الأمريكي أن المملكة هى الأولى عالميا، من حيث إجمالي قيمة الدعم السنوي الذي تقدمه الحكومة للوقود (البنزين والديزل) بنحو 25 مليار دولار للعام 2012م. وأشارت الدراسة الى أن المملكة شهدت زيادة في استهلاك الوقود بنحو تسعة أضعاف منذ عام 1971م، وهي الآن سادس أكبر مستهلك للنفط في العالم رغم أنها فى الترتيب ال «43» عالميا من حيث عدد السكان والذى بلغ 30 مليون نسمة. ومن المعلوم للجميع ان سعر ليتر البنزين فى المملكة 0.5 ريال وهو من الأرخص فى العالم. صحيح ان المملكة أكبر مصدر للنفط فى العالم وصحيح انها تملك أكبر الاحتياطيات المثبتة من النفط التقليدى عالمياً ولكن هذا لا يعنى ان نتمادى فى هدر ثرواتنا التى هى أمن مستقبلنا. ورغم ان ايرانوقطروالكويت وعمان والبحرين والجزائر كلها دول مصدرة للنفط إلا ان سعر ليتر البنزين لديها حوالي ريال سعودي أي ضعف سعره بالمملكة. وأما سعره بالامارات - التى تعد سادس أكبر منتج للنفط في العالم - فهو حوالي 1.8 ريال رغم انها تمتلك سادس أكبر احتياطي للنفط بالعالم. وحسب هذه الدراسة التى أجرتها جامعة كاليفورنيا بيركلى، جاءت إيران فى المرتبة الثانية في قائمة أكثر 10 دول دعما للوقود في العالم، تلتها إندونيسيا، ثم فنزويلا ومصر والجزائر وليبيا. وأوضحت الدراسة أنه على الرغم من التكاليف التي تتكبدها ميزانيات الدول في العالم نتيجة دعم الوقود فإن خفض الدعم يحتاج الى جهد كبير وخطط استراتيجية بعيدة المدى يستوجب على الدول النفطية الغنية القيام بها. وتبين الدراسة أن إجمالي الدعم السنوي لوقود النقل في جميع أنحاء العالم بلغ 110 مليارات دولار، حوالي 90% من الدعم تقدمه عشر دول فقط. وفيما يخص نصيب الفرد من تكلفة الدعم الذي تقدمه الحكومة على الوقود، كشفت الدراسة أن دولة قطر تأتي في المركز الأول عالميا، تليها المملكة، ثم الكويت والبحرين. واعتمدت الدراسة المذكورة على المقارنة بين أسعار الوقود المحلية وأسعارها في الأسواق العالمية؛ حسب بيانات عام 2012. ولقد وصل اجمالي الطلب المحلى على وقود النقل فى المملكة عام 2013م الى أكثر من 70 مليار ليتر فى عام 2013م. الحقيقة ان استهلاك النفط فى المملكة يواجه تحدياً كبيراً يتلخص في التصاعد الكبير والتسارع فى نمو استهلاكه، وهذه حالة فريدة من نوعها فى العالم. ولقد ارتفع عدد سكان المملكة حوالي 800 الف نسمة فى عام واحد ولو استمرت نفس الزيادة فهذا يعني ان عدد سكان المملكة قد يتضاعف ويصل الى حوالي 60 مليون نسمة بحلول عام 2040م. ووفقاً للمؤشرات الاقتصادية التى تنشرها وزارة الاقتصاد والتخطيط فان عدد السكان السعوديين فى عام 2013م وصل الى 20.2 مليون نسمة بنسبة 68%. واقترب عدد السكان من المقيمين الى حوالي 10 ملايين نسمة أي ما يعادل 32% من اجمالى عدد سكان المملكة، وهذا يعني ان حوالي ثلث تكلفة دعم الوقود تقريباً تذهب لغير المواطنين. ومن باب المقارنة العالمية، من المهم متابعة أسعار البنزين فى الولاياتالمتحدة التى قاربت على الاكتفاء الذاتى بسبب الزيادة الكبيرة فى انتاج الزيت الصخرى. وتستورد الولاياتالمتحدة حالياً حوالي خمسة ملايين برميل نفط في اليوم معظمها من كندا، ويبلغ سعر ليتر البنزين فيها حوالي 3.5 ريال وهو يعادل سعره العالمى تقريباً. وأما النرويج التى تعتبر أكبر دولة مصدرة للنفط فى اوروبا الغربية فتعتبر صاحبة أغلى سعر بنزين فى العالم، حيث بلغ السعر لديها حوالى 10.5 ريال لليتر. لا شك في ان السعر فى النرويج يعتبر مبالغا فيه وهى تبالغ فى الحد من الاستهلاك الداخلى. ولكن وبكل تأكيد ان الاسعار المنخفضة جداً لا تساعد الدول فى الحد من نمو استهلاكها الداخلى لا سيما ان معدل الاستهلاك على التصدير فى ازدياد متصاعد وبات يشكل عبئاً ثقيلاً على كثير من الدول التى تعتمد على تصدير النفط فى دخلها الوطنى. ان عدم ترشيد استهلاك الوقود فى المملكة له أضرار اقتصادية و بيئية،ولا شك في ان الاسعار المنخفضة للبنزين تبقى عائقاً أمام أي محاولة لمحاربة النمو غير المعقول فى استهلاك الوقود فى المملكة. ولهذا يجب ان نشجع الحد من استهلاكنا للطاقة الاحفورية ببذل المزيد من الجهد، ووضع القوانين التى تحارب الاسراف والهدر حتى ولو استدعى الامر اعادة هيكلة تسعير الطاقة بكل أنواعها بالمملكة.