لو نظرنا إلى موضوع الابتعاث الخارجي إلى الدول المتقدمة لوجدنا أن هذه النظرية بدأت منذ زمن محمد علي باشا سنة 1826م، الذي قام بابتعاث مجموعة من المصريين إلى فرنسا وذلك لكسب العلم والمعرفة ومساعدة مصر للالتحاق بركب الدول المتقدمة ومنذ ذلك الوقت حاولت دول العالم الثالث الاستثمار بالعلم والمعرفة ومنها من وفق ومن لم يوفق لأسباب أخرى. أما في السعودية فقد كانت مراحل الابتعاث للخارج على مرحتلين: المرحلة الأولى بدأت سنة 1346ه لعدد بسيط لا يتعدى 12 طالبا وكانت إلى جمهورية مصر العربية ومنذ ذلك الوقت قامت الدولة بالابتعاث إلى لندن وايطاليا وسويسرا وسائر الدول الاوروبية وقد أمر الملك عبدالعزيز «رحمه الله» بتأسيس مدرسة تحضير البعثات سنة 1358ه وذلك لتهيئة الطلاب للابتعاث الخارجي وسارت الدولة على ذلك حتى أواخر السبعينيات حينما توقف الابتعاث. وبدأت المرحلة الثانية: في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله «حفظه الله» سنة 1426ه والتي تعد الأضخم، وهي المرحلة التي تعول عليها الدولة بأن يساهم هؤلاء الشباب بانتقال الاقتصاد السعودي من الاقتصاد الناشئ الذي يعتمد على البترول إلى اقتصاد متقدم يعتمد على وسائل الانتاج الحديثة. فالاقتصاد السعودي كان وما زال يعتمد على النفط الذي يعتبر متقلبا وناضبا ولهذا ركزت الخطة الخمسية الثانية سنة 1975م إلى سنة 1980م على تقليل الاعتماد على عائدات البترول ولكن منذ ذلك الوقت وإلى سنة 2014م ما زال الاقتصاد السعودي يعتمد على 45% من الناتج المحلي الاجمالي على النفط و90% من دخل الدولة، وللخروج من هذه الحلقة التي استمرت أكثر من 40 سنة كان لابد للدولة أن تستكمل في عقول وكفاءات ابنائها الذين يتوجب عليهم إيجاد الحلول المناسبة للاقتصاد السعودي فالمملكة الآن تحتاج إلى طرق إنتاج وتسويق مبتكرة. فشراء المصانع من الخارج وتركيبها في الداخل قد لا يكفي لنجاحها فهذه المصانع تحتاج من يشغلها خصوصاً إذا كانت مصانع انتاجية متطورة ولإيجاد العمالة المشغلة لهذه المصانع كان لابد للدولة من ايجاد أعداد ضخمة من المهندسين والمسوقين والفنيين والإداريين والعلماء وهذا ما كان ينقص المملكة طيلة الفترة الخمسية من عام 1970م إلى وقتنا هذا. ولهذا إذا أرادت السعودية أن تبني اقتصاداً متقدماً يعتمد على صناعة متطورة وعلى قطاع خدمي مميز كان لابد من خلق جيل متعلم يستطيع أن يقتنص الفرص الاقتصادية في الدولة ويسوق منتجات متطورة إلى خارج الدولة فبرميل البترول الذي لا يتعدى سعره 100$ بعملية تحويلية تختلط بها المهارة الإدارية والتصنيعية ممزوجة بالتسويق الناجح ممكن أن تصل قيمته 1000$، وهذا يزيد من ايرادات الدولة إلى عشرة اضعاف. وعليه يجب علينا أن نتوقف عن تصدير النفط الخام وأن نحول الذهب الأسود إلى مواد استهلاكية نهائية، إن تسويق البترول كمادة أولية من حوالي 70 سنة وحتى الآن لا شك انه يعتبر هدراً لاقتصادنا الوطني ولهذا حاولت الدولة بناء اكبر المدن الصناعية وأسست البنى التحتية ولكن تطور الاقتصاد يحتاج إلى أهم عنصر في عملية الانتاج ألا وهي الطاقة البشرية المؤهلة والمدربة والمبتكرة بطرق انتاج جديدة. إن أردنا تطوير بلادنا فيجب أن يكون لدينا آلاف من الأطباء والمهندسين والإداريين وهذا منوط بوزارة التعليم العالي التي حقيقةً لم تكن مقصرة في هذا المجال، ففي آخر احصائية تقول وزارة التعليم العالي ان عدد الطلبة المبتعثين وصل إلى حوالي 150 ألف مبتعث لأكثر من 30 دولة كما ذكر معالي وزير التعليم العالي في حفل التخرج لخريجي الدفعة الرابعة في كندا بتاريخ 22/03/1435ه ولهذا فإن الابتعاث قد يكون الحل الأنجح لمشاكلنا الاقتصادية وهذا ما عملت به أغلب الدول الناشئة ذات التطور السريع ومنهم كوريا والهند وسبقتهم بذلك اليابان.