الآباء المؤسسون هم الذين أسسوا لفكر أو منظومة تسعى لتحقيق أهدافها، مستلهمة بعمق قيم واحتياجات مجتمعها. والمؤسسات الناجحة، الاجتماعية منها أو الاقتصادية، هي التي حافظت على روح وفكر الآباء المؤسسين في تشريعاتها وإدارتها، بالرغم من كل التحديات والمصاعب. وقد تتأرجح نجاحات تلك المؤسسات بين فينة وأخرى، حسب تمسكها بفكر الآباء المؤسسين، وإذا استعرضنا على سبيل المثال، فكر وروح شركة سابك، فيجملها بذلك الدكتور عبدالرحمن الزامل، رئيس مجلس إدارة مجموعة الزامل القابضة، بقوله: إن "سابك أسست على التقوى"، وقد ذكر ذلك في لقاء له في غرفة الأحساء في يوم الثلاثاء 8 ربيع الأول (31 يناير 2012م). والآباء المؤسسون ل سابك، هم: د. غازي القصيبي، وم. عبدالعزيز الزامل، وأ. هشام ناظر، ود. جميل الجشي، وم. إبراهيم بن سلمة، وغيرهم، والذين لقوا دعما من الملك خالد والملك فهد -رحمهما الله- وكذلك من وزير المالية السابق محمد أبا الخيل. من ناحية أخرى، يحسب للآباء المؤسسين ل "سابك" أنهم انتصروا على ذواتهم وخلفياتهم الفكرية، وأذابوها في بحار الوطن. وعندما تتصفح سيرتهم، فإنك تجد الواحد منهم يثني على زملائه من الآباء المؤسسين، ويعطيهم قدرهم ويعترف بفضلهم، وستجد هذا عندما تستعرض سيرة د. غازي القصيبي، ود. جميل الجشي، وغيرهم. هؤلاء الآباء المؤسسون زاروا دولا متطورة، وتمنوا مشاهدة بلدهم (المملكة العربية السعودية) مماثلا لتلك الدول. فشمروا عن سواعدهم واستعانوا بشركات عالمية محترمة؛ لإدارة المشاريع، مثل: "بكتل الأمريكية"، وأنفقوا الأموال لتدريب الأيدي العاملة السعودية، وأسسوا تشريعات شفافة وجلبوا تقنيات. ونتيجة لذلك، بنيت مدينتا الجبيل وينبع الصناعيتان من لا شيء، حيث انطلقت منهما لاحقا البواخر العملاقة، محملة بالبتروكيماويات لدول العالم. والسؤال الذي يطرح نفسه.. كيف تحافظ تلك المؤسسات على التمسك بروح فكر الآباء المؤسسين لكي تنجح؟ الإجابة تكمن في اختيار قادتها المستقبليين، والتأكد من تشربهم بقيم وروح المؤسسة، بالإضافة للاعتبارات الأخرى. ولو أخذنا مثال لمؤسسة سياسية، فإن قادة حزب المؤتمر الهندي نجحوا في كثير من الانتخابات عندما كان قادتها من سلالة نهرو، ومنهم انديرا وراجيف غاندي وغيرهم. ليس ذلك لأنهم من نسب واحد فقط، ولكن بسبب حملهم لجينات وراثية تتمثل فيها قيم الهند وتنوعها الإثني والثقافي، وكذلك لاستلهامهم للمعاناة التي مرت بها الهند لتستقل. إذا أردت أن تعرف سر نجاح أرامكو السعودية وسابك، فالسر هو التمسك بفكر وروح الآباء المؤسسين. وإذا أردت أن تعرف لماذا هوت جودة إنشاء طرق وجسور وزارة المواصلات، والتي كان يشار لها بالبنان، فأسال أولا عن مدى تمسكهم بروح وفكر الآباء المؤسسين للوزارة! نعم، الآباء المؤسسون عظماء وملهمون؛ لأنهم آمنوا بعمق بقيم واحتياجات وطنهم، وسعوا جاهدين لتقديم كل ما لديهم من فكر ورؤى وقدرات؛ من أجل البناء والتشييد ليس من أجل لحظة يعيشونها، ولكن من أجل مستقبل وطن وأجيال قادمة.