رغم كل ما يجدونه من دعم ووسائل ترفيه وورش؛ لصقل مواهبهم المنسية، إلا أن مشاعر الحزن والألم والندم على ما اقترفوه من ذنب، تسيطر على أذهانهم، وهم بعيدون عن أسرهم في أفضل شهور السنة (رمضان). إنهم الأحداث الموقوفون في عدد من القضايا بدار الملاحظة الاجتماعية بجدة، الذين اجمعوا على ان رفقاء السوء والأحياء الشعبية؛ من أهم الأسباب التي دعتهم لارتكاب الجرائم، وأوصلتهم للمساءلة القانونية. «اليوم» عاشت مع الأحداث داخل دار الملاحظة؛ لمعرفة مشاكلهم وسماع قضاياهم، وأسباب دخولهم للدار، نقرأها في هذا التقرير.. عدة سرقات كان أول لقاء لنا مع الحدث (م . ز) والبالغ من العمر 17 سنة، والموقوف بسبب عدة سرقات لمحطات بنزين وتموينات وسيارات، والمحكوم عليه ب "4" سنوات، والذي قال: بدأت مشاكلي بخروجي المتكرر من المنزل، ورغم معارضة أسرتي، إلا أنني أصر على الخروج برفقة صحبة اعتبرها الآن سيئة؛ كونها كانت تشجعني على السرقة وعصيان أسرتي، ومن سرقة لأخرى بدأنا بجني الكثير من المبالغ المالية من سرقاتنا، وفي إحدى المرات قام أحد الاشخاص بتسجيل رقم لوحة السيارة، التي كانت معنا، أنا و3 أشخاص كانوا معي، وقام بالإبلاغ عنا. وعن برنامج شهر رمضان للأحداث في الدار، قال: البرامج الرمضانية رائعة بما فيها من حفظ للقرآن الكريم في حلقات التحفيظ، ومشاهدة مباريات كأس العالم عبر شاشة عملاقها، وفرتها إدارة الدار لمشاهدة المباريات. 4 سنوات وتحدث الحدث (س . ع)، والبالغ من العمر 17 عاماً، والمحكوم عليه ب "4" سنوات؛ لقيامة بعدة سرقات قائلاً: كان زملائي يشجعونني على سرقة كيبلات الكهرباء وبيع النحاس؛ لجني مبالغ مالية جراء بيعها، وفي إحدى المرات حاولنا سرقة كيبل داخل بناية تحت الإنشاء، ولم نستطع وقمنا بإحضار سيارة؛ لسحب الكيبل، وفي هذه الأثناء كان أحد الأشخاص يراقبنا، وقام بتصويرنا والابلاغ عنا، وتم القبض علينا، ولي الآن في الدار 5 شهور في انتظار الحكم علي من قبل قاضي الأحداث، وتعدلت سلوكياتي بشكل كبير -ولله الحمد-، وتعلمت أشياء كثيرة ستفيدني في حياتي مستقبلاً. تعلمت الكثير الحدث (ع . س) ابن ال "17" عاماً والمحكوم في فاحشة لواط ب "4" أعوام، قال: امكث في الدار منذ عامين، تعلمت فيها الكثير، وإن رفقاء السوء هم أساس كل المشاكل، حيث إنهم كانوا يشجعونني على فعل السوء؛ حتى وقعت في شر أعمالي، اتبعت أهواء الشيطان بتشجيع من صحبة السوء، وأسال الله أن تكون درسا لي في حياتي مستقبلا. وعن قضاء أيام رمضان في الدار، قال: في رمضان برامج كثيرة ومتعددة من صلاة الظهر حتى صلاة الفجر، من برامج وأنشطة رياضية وثقافية ومسرحية وخلافه من ورش عمل، وصقل مواهب. قضية قتل الحدث (م . ع) البالغ من العمر 17 عاماً والمحكوم عليه ب " 5 " سنوات في قضية قتل، بعد ان تنازل عنه أهل القتيل لوجه الله، بدأ حديثه بحمد الله، كونه دخل الدار والتي قامت بتهذيب سلوكه، واضاف: قضيتي قتل؛ بسبب عنصرية بين " فخذين" في المدرسة، وكل مجموعة مع بعض، ولا نحتك بالآخرين، ودائما ما تحصل بيننا "مضاربات في المدرسة وفي إحدى المرات في اسبوع الاختبارات قام القتيل بضربي، وهو اكبر مني، واحضرت سكينا في اليوم التالي، وقمت بطعنه في دورات المياه، وعلى الفور توجهت لمدير المدرسة، وأبلغته بالذي حدث، وقام بالاتصال بالشرطة والاسعاف، وعند وصولهم فارق الطالب الحياة، وتم تحويلي من الليث إلى جدة، وأنا ندمان على ما فعلت، مشيراً إلى أنه قضى حتى الآن عامين وسبعة أشهر، حفظ فيها 9 أجزاء من القرآن، وتم اختياره في المهجع المثالي للمتميزين سلوكيا، مؤكداً ان الدار حفظته من شر نفسه، بما تقدمه من برامج دينية وثقافية وتوعوية ورياضية؛ لتعديل سلوك النزلاء.الهرمونات تؤثر على السلوك. من جهته، قال ل "اليوم" سفير المجلس العربي للشباب في المملكة معتوق الشريف: لا شك في أن السبب الحقيقي لانحراف الأحداث، هو عدم معرفة الأسر بالهرمونات التي تواكب نمو الأبناء من ذكور وإناث، وهذه الهرمونات هي التي تؤثر في سلوكهم، إذا لم يجد جسم الشاب المتنفس الحقيقي؛ لتفريغ افرازات هذه الهرمونات، والعلاج او المتنفس الحقيقي لها هو الحوار والتعامل الإنساني للولد أو البنت؛ لأن غيابه يسبب الانحراف، مشيراً الى ان الحوار هو العلاج الناجح على مستوى الأسرة، وعلى مستوى المجتمع، ونحتاج الى مرافق شبابية يفرغ فيها الشباب طاقاتهم، مؤكداً ان هذا الامر لن يتحقق إلا من خلال استحداث وزارة تهتم بالشباب، وتستحدث لهم مرافق يقوم عليها متخصصون في علم النفس والاجتماع والتربية؛ إذا أردنا جيلا يحمي مستقبلنا. التعامل بحرص من جهته، قال الناطق الإعلامي بشرطة منطقة مكةالمكرمة المقدم دكتور عاطي القرشي، إن تعامل رجال الأمن مع القضايا التي يكون مرتكبوها أحداثا، يتم التعامل معهم بكل حرص واهتمام وفق نظام الإجراءات الجزائية، وفي حال كانت القضية التي ارتكبها موجبة للتوقيف، يتم تسليمه لدار الرعاية الاجتماعية، ويتم سماع أقواله بحضور المحقق والأخصائي، وعرض أوراقه لهيئة التحقيق والادعاء العام؛ لحين استكمال الإجراءات اللازمة في القضية. السبيعي: الدار استحدثت مهجعاً خاصاً للمتميزين سلوكياً أوضح مدير دار الملاحظة الاجتماعية بجدة بالإنابة فيحان السبيعي ان الهدف من ادخال الأحداث للدار تعديل السلوك اكثر من العقاب، كون الحدث فى مثل هذا العمر يحتاج للإرشاد والتوجيه وتهذيب السلوك ليخرج للمجتمع إنسانا صالحا يفيد وطنه وأسرته من خلال البرامج المكثفة الثقافية والاجتماعية والفنية والمهنية والرياضية التى تُقدم للإحداث وحضور دعاة لتقديم المحاضرات للنزلاء. السبيعي يتحدث لمحرر اليوم وأضاف السبيعي إن الدار استحدثت مهجعاً خاصاً للمتميزين سلوكياً، يحتوي على العديد من المميزات التي يسعى جميع الاحداث ان يكونوا من النخبة الذين يتم اختيارهم من قبل لجنة خصصت لذلك بعد دراسة سلوك الاحداث, مشيراً الى ان فكرة المهجع المثالي بدأت من وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية للرعاية الاجتماعية والأسرة الدكتور عبدالله اليوسف وتشجيع من مدير الشؤون الاجتماعية بمنطقة مكةالمكرمة عبدالله آل طاوي, ودعم مادي ومعنوي من مدير الدار على الشهراني وذلك بتوفير كافة الامكانيات لتجهيز المهجع المثالي الذي يتسع لأكثر من 30 حدثاً. وأشار السبيعي الى استحداث مهجع خاص للموقوفين في القضايا المرورية وقضايا الحقوق التي لا تستدعي التوقيف اكثر من 5 ايام دون اختلاطهم ببقية الاحداث في القضايا الأخرى؛ لحفظ الحدث وتنفيذ الامر الجزائي لحجز حرية الحدث لفترة قصيرة, مشيراً الى ان الدار تتسع ل180 حدثا تقريباً ومتواجد حالياً ما يقارب 145 حدثا. وعن البرنامج اليومي للأحداث في رمضان قال: يبدأ البرنامج من بعد صلاة الظهر بحضور حلقات تحفيظ القرآن الكريم، والتي يستفيد منها الحدث بتخفيض فترة العقوبة لكل جزء يحفظه الحدث, والمشاركة في اعداد وجبة الافطار اضافة الى وجود مسابقة ثقافية قبل فترة الافطار، ويحصل الحدث على جوائز وبعدها تبدأ صلاة العشاء والتراويح، وبعد ذلك يبدأ البرنامج الرياضي والدوري الرمضاني بمشاركة عدد من الجهات. أخصائي نفسي: غياب الانضباط الأسري دافع لانحراف السلوك من جهته، قال ل "اليوم" الأخصائي النفسي الدكتور محمد الشاووش: ان الجوانب الاجتماعية تلعب الدور الاساسي في انحراف السلوك، او جنوح المراهقين، فسلوكيات الاحداث والجانحين هي نتيجة لظروف محيطة تؤدي الى سلوكيات مكتسبة، ومن تلك الدوافع غياب الانضباط الاسري المبني على تنمية الوازع الداخلي واحترام القيم الدينية والاجتماعية والإنسانية. واضاف الشاووش: ان هناك بعض الاسر والمجتمعات القبلية التي تنمي روح الاعتداء على الآخرين وعلى حقوقهم، وتعتبر ذلك تصرفا بطوليا محكوما بنظرة القبيلة للقوة والسيطرة، كما ان تعاطي المخدرات في مراحل مبكرة يجر الى الجرائم المختلفة بأنواعها، وايضا محاكاة الأقران احد الاسباب التي تجعل بعض الأحداث ينجر الى سلوكيات اجرامية وجنسية. واعتبر الشاووش ان الأسرة وبناءها النفسي السليم وثقافة الوالدين ركيزة رئيسية في بناء نشء واعد بعيد عن عالم الجريمة والشذوذ الجنسي والمخدرات، وتتحمل وزارة التربية والتعليم الجزء الأهم في الوقاية من الوقوع في تلك الجرائم، من خلال البناء النفسي للطلاب وتنمية العوامل الحامية لهم، وتقليل كل مصادر الضغوط وحل المشاكل والخلافات، بمعنى ان التربويين يجب ان يتعاملوا مع عوامل الخطورة وعوامل الحماية والاكتشاف المبكر للسلوك الجانح والتعامل معه بشكل سليم، لا بالإقصاء والتهميش ولا بالعقاب والحرمان، كما يجب على وزارة الشئون الاجتماعية التعامل مع بناء الشخصية وتعديل الفكر والسلوك بطرق اكثر حرفية ومهنية وعمقا، وإعادة التفكير في تطوير البرامج الحالية واستقطاب الكفاءات المؤهلة تأهيلا حقيقيا وعلميا ومهنيا للتعامل مع هذه الفئة.