يقبع خلف أسوار السجن صغار سن تتراوح أعمارهم ما بين 14 - 18 عاما، أدينوا بجرائم قتل وسرقة وحيازة مخدرات وقضايا لا أخلاقية، ويصل متوسط عدد الأحداث في دار الملاحظة إلى 220 حدثا، يزداد العدد في الصيف بشكل ملحوظ وينقص في أوقات العفو في رمضان والأعياد، ولا يظل العدد ثابتا طوال العام. قصص وروايات يندى لها الجبين، تمحورت أسبابها حول الإهمال الأسري وعدم متابعة أولياء الأمور لهم، فهذا فتى لم يتجاوز عمره 17 عاما، متهم باغتصاب طفل في الثامنة، وآخر مدان بجرائم سرقة وترويج المخدرات والمسكرات، ووصل الأمر إلى وجود أربعة أشقاء تلقوا حكما بالسجن 12 عاما، وذلك بعد أن شكلوا عصابة للسرقة وسجلت بحقهم عدد من السوابق. «عكاظ» زارت دار الأحداث في جدة والتقت بمجموعة من النزلاء تحدثوا عن أسباب وجودهم في هذا المكان والدوافع التي أدخلتهم عالم الجريمة في سن مبكرة، في وقت يؤكد فيه مختصون أن التفكك الأسري هو أول الطريق لانحراف الأطفال ودخولهم عالم الجريمة. بداية التحقيق عبدالإله (نزيل برماوي 16 عاما) موقوف في دار الملاحظة بعد أن وجه له الادعاء العام تهمة التحرش بطفلة من أقاربه عمرها سبعة أعوام، يقول إنه خلال وجوده في السجن، انخرط في جماعة تحفيظ القرآن، ولأنه يتمتع بصوت جميل أصبح مؤذنا لمسجد دار الملاحظة ويطمح في أن يخرج من الدار ويعود إنسانا صالحا. أما محمد (تشادي 17 عاما) فهو متورط مع اثنين من أصدقاء السوء في استدراج صبي في العاشرة لغرض سيئ، ولا يزال رهن التحقيق ولم يصدر بحقه أي حكم حتى الآن. وفي الدار نفسها يتحدث باسم (17 عاما) وهو يتيم الأب، يقول إنه أدين في قضية قتل أثناء دفاعه عن نفسه وحكم عليه بالسجن خمسة أعوام، ويروي التفاصيل فيقول إنه خرج مع اثنين من أصدقائه في سيارة أحدهما لشراء عشاء، وعند العودة أوهماه أنهما ذاهبان في مشوار قريب، لكنهما كانا يخططان لغرض سيئ، وحين وصلوا إلى مكان بعيد عن النطاق العمراني، أخرج أحد أصدقائه سكينا وطلب منه أن يخضع له بعمل الفاحشة فيه، وحين رفض انقض عليه أحدهما وبحوزته سكين، لكنه نجح في خطفها منه وطعن كل منهما طعنة وهو يدافع عن شرفه فتوفي أحدهما وأصيب الآخر بإصابات بسيطة. اعتداء وسرقة وهناك أيضا حمد (17 عاما) وحكم عليه بالسجن عامين بعد أن أدين بعمل الفاحشة مع طفلة متسولة، أما عبد الرحمن فيحكي قصته قائلا: «اتفقت أنا وأصدقائي على سرقة حقيبة أحد المحصلين، لكننا اختلفنا على تقسيم المبلغ وتعالت أصواتنا وانكشف أمرنا، وقبض علينا، وها أنا أدفع ثمن هذا الخطأ». أما فهد، فرغم أن عمره وصل السابعة عشرة، لكنه ظل طالبا في المرحلة الابتدائية لتكرار رسوبه لا سيما أنه عاش في عائلة متفككة، فوالده سمح له بترك الدراسة والعمل حارس أمن براتب ألف ريال، لكن سلوكه كان منحرفا، ليس هو فحسب بل معه ثلاثة إخوة شكلوا مع بعضهم عصابة لسرقة محال الجوالات في مكةالمكرمة حيث يسكنون، وحين قبض عليهم، أحيلوا إلى القضاء وصدر حكم بسجن الأخ الأكبر سبع سنوات والثاني ست سنوات والثالث خمس سنوات، وآخرهم فهد وحكم عليه بثلاث سنوات يقضيها الآن داخل دار الأحداث. أما اليمني طاهر (18 عاما)، الذي دخل المملكة عن طريق التهريب، فاتهم بترويج المسكرات بعد أن ضبط من جهات الاختصاص، يقول إن أسرته في اليمن وله 15 من الأشقاء ووالده راعي غنم متزوج من ثلاث نساء، وهو من شجعه على عبور الحدود إلى المملكة ليساعد نفسه وأسرته. ويروي أحمد (16 عاما) قصته فيقول: «دخلت الدار هذه المرة بتهمة التشفيط، وكنت قد تعرفت إلى بعض رفقاء السوء وصرت أمارس معهم تشفيط الغراء وتناول بعض الحبوب المنشطة مثل الكبتاجون، وأفعل ذلك لأهرب من جحيم المنزل ونكد والدي، وحين دخلت الدار بكيت وندمت وتبت وقررت أن أبدأ حياة جديدة نظيفة وأسلك طريقا آخر حين أخرج». الحمل السفاح ومن القصص المؤلمة، قصة وافد من الجنسية الإرترية (17 عاما) يقضي حاليا عقوبة السجن ومن ثم الإبعاد، لإدانته بفعل الفاحشة في شقيقته التي تبلغ من العمر 18 عاما، وثبوت حملها سفاحا منه، وتعمدهما التخلص من الجنين بإغراقه في حوض ماء. وفي نفس الدار، عاقبت المحكمة خمسة أحداث؛ أربعة مقيمين وسعودي بأحكام متفاوتة، عقب إدانتهم بتنفيذ سرقات ونشل داخل محيط الحرم والصفا والمروة، وتضمنت الأحكام السجن عاما لحدث بنغالي، وعامين لحدثين برماويين، والسجن ستة أشهر لحدثين يمني وبرماوي. مرفوضون من أهلهم يقول مدير دار الملاحظة الاجتماعية علي فايز الشهراني إن الشؤون الاجتماعية تعالج الكثير من مشاكل الأحداث في الدار، وأنهت أخيرا ملفات أحداث انتهت محكوميتهم ولم يطلق سراحهم بسبب رفض أسرهم استلامهم، وذلك بعد أن رفعت الدار للإمارة وصدر التوجيه بإلزام الأسر استلام الأبناء، فيما أحيلت بعض تلك الملفات عن طريق لجنة إصلاح ذات البين. ويؤكد أن دار الملاحظة أنشئت قبل 30 عاما لإيقاف الأحداث السعوديين دون 18 عاما، لكن العدد اليوم تضاعف بسبب تزايد عدد الأحداث من المقيمين الذين يشكلون نحو 50 في المائة من المقيمين في الدار، ويتصدر الأفارقة (تشاديون ونيجيريون) القائمة ثم البرماويون واليمنيون، وتشكل السرقة والنشل نسبة 70 في المائة من جرائم الأحداث والنسبة الباقية تتوزع بين الجنح الأخلاقية وتعاطي المخدرات، فيما يقبع في الدار نحو سبعة أحداث متورطين في قضايا قتل. وأضاف الشهراني: «ثمة مطالبات بتقنين أحكام سجن الأحداث وإيجاد العقوبات البديلة في بعض الجنح البسيطة والتشريع لنظام يقضي بترحيل الأحداث الأجانب وفق نظام تبادل العقوبات، بحيث يقضي الحدث غير السعودي عقوبة السجن في بلاده». وحول الأنشطة والبرامج في الدار، يقول إنها تتمثل في البرامج التعليمية من مدرسة تضم المراحل الثلاث، تابعة لوزارة التربية والتعليم ومناهجها مطابقة لمناهج المدارس الأخرى وأكثر من نصف الطلاب الوافدين يأتون إلى الدار أميين، ويتم تعليمهم، أما البرامج الثقافية فهي متنوعة وشاملة إلى جانب الدورات العلمية مثل الحاسوب بالتعاون مع أحد المراكز المتخصصة بالإضافة إلى حلقات التحفيظ والبرامج الرياضية، كما توجد في الدار عيادة صحية فيها طبيب يحضر ثلاث مرات في الأسبوع، «ونسعى إلى دعم العيادة الطبية بعدد أكبر من الأطباء بالتنسيق مع الشؤون الصحية». وحول آلية التحقيق مع الأحداث، قال الشهراني إن هيئة التحقيق والادعاء العام أوجدت أخيرا مكتبا خاصا بها، داخل مقر الدار لتسريع محاكمة الأحداث، فيما يباشر المحاكمة قاض تابع لوزارة العدل يداوم يوميا في الدار ويتغير كل أربعة أشهر، ويشترط لدخول الحدث الدار ضبطه من قبل الجهات المختصة مثل الشرطة، الهيئة، الادعاء العام، مكافحة المخدرات، الجوازات، وأن يكون متهما أو مشبوها في قضية معينة وإذا صدر بحق الحدث مذكرة إيقاف من الجهة المختصة فيتم عرضه أمام القاضي للتوجيه حيال إيقافه من عدمه. التربية السليمة وأسباب انحراف الأحداث في مجتمعنا إلى تفكك الأسرة (الأب، الأم، الأخ..) وعدم الرقابة والقسوة الزائدة أو الدلال الزائد. وتشخص الأخصائية النفسية رفعة المطيري أسباب دخول الأحداث إلى عالم الجريمة بالقول إنه: «كلما كانت تربية الطفل سليمة، سلم من المخاطر الاجتماعية المكتسبة والسلوكيات المنحرفة والأفكار الضالة، وهناك عصابات تستغل الأطفال وتشغلها في النشل وخطف الشنط من أيدي السيدات، وتوزيع المخدرات وغيرها، وإذا نظرنا من حولنا وأمعنا النظر في خريطة أطفال العالم نجد الآلاف جاهزين لأن يصبحوا مشاريع مجرمين أو منحرفين، خصوصا هؤلاء الذين لم يمنحوا حقوقهم ورعايتهم أسريا واجتماعيا ونفسيا وعلميا». وتضيف «حتى في حال ارتكابهم جريمة أو جنحة، فإن ذلك لا يلغي حقوقهم في الحصول على تربية سليمة، ونحن لسنا بعيدين عن ذلك الخطر لغياب دور الأسرة والمدرسة والإعلام وكذلك الأجهزة والمؤسسات التربوية والاجتماعية والدينية، ولعدم وجود مشروع أو خطة استراتيجية للنهوض بالطفولة والشباب وحمايتهم من الانحراف الفكري الإجرامي من خلال التعريف بحقوق الطفل في العالم الثالث، وحتى نصل إلى تلك الخطة تبقى التساؤلات مطروحة ومفتوحة حول هؤلاء الضحايا». تأثير وسائل الإعلام أما المستشارة الاجتماعية الدكتورة نادية نصير فترى أن التربية الحديثة مهمة جدا في عصر الشبكة العنكبوتية والبلاك بيري والقنوات الفضائية التي جعلت العالم قرية صغيرة، فوسائل الإعلام المتنوعة لها تأثير قوي على الأبناء ويمكن أن تكون أداة بناء أو هدم، وعلى المصلحين الاجتماعيين دور مهم جدا لتبصير الأبناء بنتائج الانحراف المتمثل باباع سلوك إجرامي، وأنه سيكون مصيره السجن. فيما يشير المستشار الاجتماعي إحسان طيب إلى أن أسباب انحراف الأحداث في مجتمعنا ترجع بالدرجة الأولى إلى الأسرة، فنجد الابن الصغير يخرج مع من يشاء وفي أي مكان وإلى ساعات متأخرة من الليل، دون رقابة ولا توجيه ولا قدوة، ويكون هذا الشاب هو ضحية الإهمال الأسري، فيجنح بنفسه في قضايا ليست في مستوى عمره أو تفكيره، «ثم إن رفقاء السوء المنتشرين في بعض الأحياء ويتربصون بغيرهم يحتاجون إلى التفاتة من المجتمع والأجهزة الأمنية، لأنهم سبب قوي في انحراف صغار السن». ويقول من جهته الأخصائي الاجتماعي في الدار نايف البقمي إن أسباب الانحراف الرئيسة لدى الشباب نابعة أولا من الأسرة، ثم من رفقاء السوء، «فالأسرة في هذا الوقت تخلت للأسف عن كثير من واجباتها ودورها تجاه أبنائها فانعدم الإحساس بالمسؤولية وأصبح الأطفال هم الضحية».