هذه الأجواء الإيمانية التي يمن بها المولى -عز وجل- علينا كل عام فرصة ثمينة ليس لمراجعة النفس فقط، وإنما أيضا لترويضها على التسامح، وتجاوز تلك الصغائر التي تتضخم فينا طوال عام كامل فتجلب الهموم والوساوس وتلون صفاء حياتنا بتلك النظرة السوداوية التي لا تعكس ولا تتوقع إلا الجانب السلبي؛ لذا فتوجسنا دائما من حصول الأسوأ، بل قد نضيع الوقت الطويل نترقب حلول المصيبة متعلقين بأبسط الإشارات الواهية التي تعزز توقعاتنا، إن رمضان فرصة ألا نغضب، وهذا هو مفتاح الباب السري الذي تلج منه إلى عالم السكينة والهدوء، وتلك النفحة الربانية التي تكسو قلبك فيطمئن أن الغد سيكون أجمل مهما كثرت الهموم والعوائق، وحقيقة أن الغاضبين دوما في هذا الشهر يصرفون من حياتهم أفضل الحسنات لتلقى في أحضان آخرين أقل منهم، ربما في عمل الطاعات لكن الغضب الغير مبرر إلا لأنك صائم يدفع بك أحيانا لزجر هذا، وتأنيب هذا إن لم تتهور وتطال يدك جسده فتذهب حسناتك جلها لهم. مشاهد كثيرة نرى عليها الغاضبين في الشارع والسوق والعمل، وحتى في المنزل وكم من كلمه ساخطة يتمتم بها البعض لمجرد أن يلمحوا أحدهم حتى أفراد أسرته قد يتمنون لو أنهم يقضون رمضان بعيدا عنه حتى يسلموا من ذلك الجو الخانق الذي يولد مع أول يوم صيام، ويمتد طوال شهر كامل، فتذهب البركة والألفة العائلية ويشغل كرسي المائدة بجنرال يتوقع أن تحل به في هذا الوقت مصيبة يهزم لها جنده وتحتل مدينته. والغصب ليس حكرا على فئة بعينها فقط، بل هناك غاضبات ايضا وغضبهن يبدأ من الثانية ظهرا وحتى أذان المغرب، حالة من الاستنفار والحركة المزعجة لكل ما في المنزل ومن فيه، فهي ترى أن الوقت ضيق وعليها أن تملأ المكان بالأكل والشرب؛ لذلك تزيد عصبيتها كلما تحركت عقارب الساعة المعلقة أمامها، وهذا ما يجعل بعض المرضى بالسكر أو الضغط يعانون أكثر في شهر البركة مع أنه من المفروض أن تخف تلك الحالات المرضية بفعل الصيام غير أن ما يحدث العكس شكوى وانين وتراكم للدهون والهموم وكلها أخطار تفتك بنا دون أن ننتبه لتلك الأيام الجميلة تنصرم سريعا وأيام رمضان من أجلها وأعظمها، وها هو ينسل ونحن منشغلين بالحياة غافلين عن هذا الفضل الذي قد لا ندركه عامنا القادم.