جرت العادة أنه في هذا الشهر الكريم، شهر العمل والعبادة، أن تقوم الدولة بتقليص ساعات الدوام من 8 ساعات إلى 6 ساعات، في الوزارات والجهات الحكومية، والشركات والمؤسسات الخاصة، وهذا القرار الذي يراعي المواطنين والمقيمين خلال هذا الشهر الكريم باعتبار أننا كمجتمع إسلامي نحرص على كسب أيامه ولياليه في العبادة، إلا أن حقيقة الأمر تتلخص في كون العمل أهم العبادات وأجلها، ولهذا لا تأتي نافلة من النوافل مثل صلاة التراويح مع ما فيها من خير وأجر كبير إلا أنها لا ترقى لأجر ومثوبة العمل، الذي هو أساس وجل حياة الإنسان، الذي هو ككائن بشري، لا يمكن أن يصبح ذا كيان، وقيمة دون عمل، ولهذا أعتبر الدين الإسلامي العمل عبادة. لكن يحسن لكثير من الناس أن يستغل قرارات الدولة بتخفيض نصاب ساعات العمل، ليصبح شخصاً كسولاً، لا يرغب في العمل في رمضان، معتبراً أن الساعات التي يقضيها في الدوام إنما هي وقت استهلاكي، يقضيه، حتى يثبت لرؤسائه أنه (داوم) وحتى لا يتعرض راتبه للخصم، وعندما يأتيه أي مراجع بالذات الموظفين الذين يقابلون الجمهور يسارع إلى المقولة الشهيرة، راجعنا بعد العيد، ويردد كثيرا وهو غاضب (اللهم إني صائم) إذا تعرض لموقف ما، مع أن ديننا الإسلامي، دعا المسلمين إلى الصبر وتحمل أذى الآخرين، لما في ذلك من أجر ومثوبة عند الله، فالصيام يربي الإنسان على الصبر، والتحمل، وأن يكون لديه سعة صدر تجعله يتقبل الآخرين، ويعمل على قضاء مصالحهم، لكن الذي يحدث هو العكس، فبدلاً من أن يلتزم الموظف الهدوء والسكينة، ويكون لديه درجة عالية من التحمل، يصبح سريع التوتر، وسريع الغضب، لكونه صائما، وبدلاً من أن يردد (اللهم إني صائم) وهو هادئ البال، وكله سكينة وإيمان، يرددها وهو في قمة الغضب والانفعال، أي أنه لم يحقق مغزى الحديث، الذي يشير إلى أن هذه المقولة مرتبطة بحالة تعرضك للخصام أو السباب، الحديث يقول (فإن سابه أحد أو خاصمة، فليقل إني صائم) بمعنى أنه لن يرد على مثل هؤلاء، بل إنه سيتحلى بالهدوء والسكينة، والصبر الذي تدعونا إليه تعالم الإسلام، لكن الواقع هو عكس ذلك تماماً، فبدلاً من أن يعمل على قضاء مصالح الناس، في شهر الخير والغفران، نجده يتعمد تعطيل مصالح الناس، وإيقافها إلى بعد العيد، بحجة أنه صائم. هل هذه هي تربية الصيام التي دعانا إليها ديننا الحنيف، أوليس رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاهد الكفار، وأدار أعظم الغزوات في شهر رمضان، ومن أشهرها غزوة بدر الكبرى، لماذا لم يؤجل هذا العمل الشاق والهام إلى بعد العيد لأنه كان صائماً؟ إذن الفكرة أصبحت معكوسة الآن، بدلاً من أن يكون شهر رمضان، شهر عمل وعبادة، أصبح شهر كسل، ونوم وخمول، وسهر طويل إلى الساعات الأولى من الفجر، فكيف لمثل هذا الموظف أن يداوم عند الساعة العاشرة وهو لم ينم سوى الساعة السادسة أو السابعة صباحاً؟ ولماذا نحن فقط دون جميع البشر، في دول العالم قاطبة من نغير نظامنا في رمضان، ونحول الليل إلى نهار، والنهار إلى ليل، لماذا يحصل هذا الأمر فقط لدينا، بينما جميع الدول الإسلامية تمارس حياتها وعملها بشكل طبيعي مع أنهم يصومون ويصلون، مثلنا تماماً؟ أسئلة تحتاج منا جميعاً إلى إجابات، وإعادة قراءة لواقعنا، وعملنا، وعبادتنا خلال هذا الشهر الكريم الذي يساهم في ترويض النفس وتربيتها. [email protected] كاتب وإعلامي