عندما يتحدث الناس عن الإدمان ينحصر معناه في مفهوم ضيق لا يتعدى مدمني المخدرات، لكن الإدمان في حياة الإنسان أكثر اتساعا إذ يميّز الاختصاصيون بين إدمان مادي وآخر سلوكي. ويُقصد بالإدمان المادي Substance Addiction إدمان المخدرات أو الكحول والمهدئات أو التدخين، بينما يطال الإدمان السلوكي Behavioral Addiction ممنوعات ومحظورات مثل الميسر، أو نشاطات عادية يؤدي استحواذها على شخص ما ومبالغته في الانصراف اليها، الى جعل سلوكه غير مقبول. بل مصدر ضرر له وللمحيطين به. في هذا السياق يمكن التحدث عن إدمان الانترنت، أو ما يعرف (بالإدمان الرّقمي) أو التسوق، أو الطعام أو كافة العادات السيئة. يقول البروفيسور أندرياس هاينز من عيادة الطب النفسي والعلاج النفسي بمستشفى شاريتيه الجامعي بالعاصمة الألمانية برلين، الإدمان السلوكي عادة لا تكون له أعراض جسدية ظاهرة، على الرغم من أنه يمتاز برغبة ملحة وفقدان للسيطرة على الدوافع. ويمكن تحديد الإدمان السلوكي بأنه سيطرة فكرة على شخص ما لتتحوّل الى هوس، فتسرق الكثير من وقته واهتماماته، ويسعى للوصول اليها مستخدماً الوسائل كافة، على الرغم من وعيه الى نتائجها ومخاطرها. وهذا النوع من الإدمان كثير الانتشار لكنه غير ظاهر وجلي كما في حالة الإدمان المادي. أما الإدمان على المخدرات والكحول فهو حالة تعاطي المخدرات أو الكحول بشكل مستمر وصولاً الى التبعية الجسدية أو النفسية أو الاثنتين معاً. والمخدرات تهدد العالم بمخاطر تفوق جسامتها ما أحدثته الحرب العالمية الأولى والثانية والحروب الحديثة بل إن بعض المراقبين يؤكدون أن المخدرات هي أخطر ما واجهته البشرية على امتداد تاريخها الماضي والحاضر. وتشير الإحصائيات الصادرة عن البرنامج العالمي لمكافحة المخدرات التابع للأمم المتحدة إلى أن هناك 230 مليون شخص يستخدمون المخدرات في العالم. وقد جرت فعاليات التوعية باليوم العالمي لمكافحة المخدرات والاتجار غير المشروع بها، أواخر الأسبوع الماضي، برعاية وزارة الصحة ومستشفيات الأمل في كافة المناطق، تحت شعار «بتعاوننا نحمي مجتمعنا». نعم فالإدمان آفة اجتماعية تدمّر الوعي الفردي والجماعي، سواء كان إدماناً مادياً أو سلوكياً. شهر رمضان يقدم حلا وقائيا بامتياز من صور الإدمان كافة لأنه يتضمن عبادة الصيام التي تعمل على تربية الإرادة للتغلُّب على أهواء النفس بحيث تمكن الإنسان من قيادة شهواته، لا الانقياد لها وذلك من خلال تأجيل الإشباع للحاجات الشخصية، والشعور بالرضا من خلال نجاح الإنسان بضبط نفسه والتحكم في رغباته طيلة شهر كامل. إن الصيام يستهدف مجموع سلوكنا وليس فيما يتعلق بالطعام أو الشراب أو الجماع فحسب والمعنى الوقائي واضح في هدف الصوم الذي أعلنه القرآن الكريم في قول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» (183) سورة البقرة, والتقوى هنا بمثابة إعلان لولادة (الإرادة) اللازمة لضبط جموح الغرائز وتحريض آليات الضبط الذاتي. قدوم شهر الصيام والاضطرار إلى الامتناع عن التدخين على مدى ساعات النهار فرصة للمدخنين الراغبين في الإقلاع لاتخاذ قرار التوقف نهائياً عن التدخين والإدمان. وهما من أصعب المشكلات التي تواجه الأطباء النفسيين، لأن تحقيق نتيجة إيجابية في علاج هذه الحالات يحتاج إلى إرادة قوية، والتي تزيد فرص تنميتها مع صيام رمضان. وعلى المستوى الطبي يوضح الدكتور أحمد جمال ماضي أبو العزايم استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان أن الصيام يؤثر على بعض النواقل العصبية في المخ، كما أنه يعد سبباً رئيساً للتخلص من الصداع النصفي أو ما يعرف بالشقيقة، فقد أظهرت الدراسات أن الصوم يزيد من مستوى «التريبتوفان» و«السيروتونين» في المخ وهما ناقلان عصبيان مهمان، ويؤديان إلى تحسن في النوم مع الصيام، ويعتقد أن الصيام يزيد إفراز مادة الإندورفين وهي بيبتايد أفيوني وتعمل كناقل عصبي في الدماغ أيضا، حيث وجدت الأبحاث زيادة في هذه المادة بعد خمسة الى عشرة أيام من الصيام عند الإنسان. ووجدت زيادة كبيرة في هذه المواد الأفيونية. وهذا الناقل العصبي يخفف الشعور بالألم ويحسّن المزاج. ولكي يحقق الصيام دوره الوقائي علينا أن نمتنع أيضا عن المشاهد التي تبثها بعض الفضائيات، تلك التي يظهر فيها (نجوم) الأعمال الدرامية والسينمائية وهم يشعلون «السيجارة» أو المزاج بأنواعه من المخدرات، لتخفيف الضغوط لحل مشكلة أو ضغط نفسي، هذه الصورة تعرض بكثافة خلال مسلسلات شهر رمضان وتؤثر بشكل سلبي على المجتمع وخاصة فئة الشباب والمراهقين. رمضان إذن فرصتنا للتحرر من عبودية العادات الفاسدة واسترداد الإرادة المسلوبة وأشكال الإدمان كافة فهل نغتنم هذه الفرصة؟