في هذا الزمان المليء بالتجهم والعبوس، نحتاج أحيانا إلى استراحة خفيفة على القلب. بعد أن تشبَّع الرأس إلى حد التخمة بالكتابات الجادة، وبما تبثه نشرات الأخبار من تقارير تبدأ ب(قُتِل وجُرح) وإلى آخر أفعال العنف المبنية للمجهول. علينا، إذن، أن نغيّر من حين إلى آخر ذلك الإيقاع الجاد. وفي أخبار العيارين والشطار على الشبكة العنكبوتية وما تتضمنه من استغفال وضحك على الذقون ما يثير الضحك. كتبت من قبل مقالا حول هذا الموضوع، لكن حالة الاحتيال أو الاستغفال هذه جديدة، وتستحق وقفة أخرى. وبعد، فإنه وفقا لما يصلني من رسائل إلكترونية تبشر بالثراء، يفترض أنني قد أصبحت اليوم على رأس قائمة أكبر مليارديرات العالم، وربما تجاوز مقدار ثروتي ما عند (نظيري) السيد بيل غيتس. فمرة يفوز بريدي الإلكتروني، ومرة أفوز في اليانصيب، وحينا يقترح علي موظف في أحد البنوك الأفريقية أن نتقاسم حسابا مجمدا توفي صاحبه وليس له وريث، وحينا ترغب أرملة شابة في أن تقاسمني الملايين التي ورثتها عن زوجها الذي لقي مصرعه، إما في تحطم طائرة، أو في حرب أهلية. أقل عرض من تلك العروض المغرية عشرة ملايين دولار فقط، وما علي إلا إعطاء دقائق قليلة من وقتي (غير الثمين) للإدلاء (كتابة) ببعض المعلومات الشخصية، بما في ذلك رقم حسابي البنكي. ولأنني «مُشْ وِش نعمة» فإني وبإصرار (غبي) أرفض تلك الملايين. بل وأحذف تلك الرسائل التي تمطر ذهباً قبل أن أقرأها. غير أنه قد لفت انتباهي هذا الأسبوع رسالة إلكترونية مختلفة عنوانها «هل أنت حي أم ميت»؟ وقد شدني إلى قراءتها ذلك السؤال الذي ظننته في بادئ الأمر سؤالا فلسفيا. في تلك الرسالة يخبرني موظف بنك أفريقي أنه قد جاء إلى البنك هذا الصباح وكيلان مفوضان يمثلان (حضرتي) أحدهما أمريكي والآخر كندي، وقد زعما أنني قد انتقلت إلى العالم الآخر، بعد مرض عضال (لا أراكم الله مكروها). وحرصا من البنك على أموالي فقد طلب مني موظف البنك أن أخبره إن كنت مازلت على قيد الحياة، وذلك خلال أربع وعشرين ساعة، وإلا فسوف يتم التصرف في ثروتي الخرافية التي بقيت مجمدة أو معلقة فترة طويلة. قلت بيني وبين نفسي : «أيها السادة.. أنا مَيْتٌ بمعايير عالمكم .. سواء كان عالم المال أم عالم الاحتيال .. وتذكرت مقطعا من قصيدة قديمة لي عنوانها (اللعبة) يقول : «لكم ورقُ (الدايموند) وكلُّ الكنوز/ ولي ماسةٌ فُقِدَتْ في الكثيب/ وإني تواصيتُ والصبر نبحثُ عنها إلى أنْ../ وعندي ذهولٌ يكدّر صفْوَ اليقين الذي تنشدون/ فهل تقبلون اعتذاري»؟ أربع وعشرون ساعة هي المسافة الزمنية الفاصلة بين الفقر والغنى، وقد انتهت المدة الممنوحة لي للإجابة عن ذلك السؤال الذي اتخذته عنوانا لهذا المقال، وهأنذا أفترش (بساط الفقر) لأسطّر لكم هذه الكلمات. لكني في اليوم الذي أصبح فيه مليارديرا لن أجد الوقت الكافي للكتابة، وعلى من لا تعجبه مقالاتي أن يهبني من المال ما يشغلني عن الكتابة إلى الأبد! [email protected]