يرى الروائي البيروفي ماريو بارغاس يوسا، الفائز بجائزة نوبل للآداب عام 2010 أن القضايا التي حفَّزته على الكتابة تكاد تحوّله، في هذه الأيام، إلى «ديناصور في بنطال محاطٍ بأجهزة كومبيوتر». وكأنما أراد يوسا أن يقول: إنه ليس من كتاب هذه المرحلة التاريخية. فما زال يرى أن للأدب دورا مؤثرا في المجتمعات التي لا يشكل الأدب فيها ترفا بل ضرورة، ونافذة مفتوحة على التغيير. مما يعني أنه كلما تطورت المجتمعات وحققت تطلعاتها تقلص الدور النفعي للأدب والفن، وتمدد الدور الجمالي. لقد بدأ الأدب ينأى عن دوره السابق مما دفع بالناقد جورج شتاينر إلى القول بموت الأدب. وإزاء هذه النظرة (الشتاينرية) يرى يوسا أن على الأدب الالتصاق بقضايا الإنسان كي لا يفقد وظيفته. ويبدو لي أن تلك القضايا تتفاوت تبعا لظروف الإنسان المعيشية لكنها لا تنتهي. (*وردت عبارة «ديناصور في بنطال» في مقال للأستاذ عبد الوهاب أبو زيد تحت عنوان: الأدب بين رؤيتين.. وحين بحثت عن العبارة وجدتها ضمن مقال عن الالتزام الأدبي كتبه يوسا عام 1997 ونشر في مجلة PROSPECT). (2) إذا ما قرئت عبارة «ديناصور في بنطال» بمعزل عن ذلك السياق الأدبي، فقد تولّد إيحاءات ودلالات مختلفة. يمكن، وعلى سبيل المثال، استخدام تلك العبارة، وبشكل مجازي، للتعبير عن حال الازدواجية التي تعيشها بعض المجتمعات، وخصوصا تلك التي تعاني من فجوة بين المادي والثقافي. البنطال وأجهزة الكومبيوتر تعبر عن التقدم المادي الذي تشهده بعض المجتمعات بسبب قدراتها الشرائية (فقط). أما (الديناصور) فيرمز إلى طرق التفكير التقليدية التي تعيق أي شكل من أشكال التقدم، وقد تؤدي يوما ما إلى الانقراض. والكلام هنا ليس عن الانقراض بمعناه البيولوجي بل الانقراض الحضاري. فمن الفرضيات التي طرحت عن أسباب انقراض الديناصور (إضافة إلى تغير الظروف المناخية أو شح الطعام الناجم عن تلك الظروف، أو اصطدام كوكب آخر بالأرض) هو عدم تناسب حجم عقله مع قوته وضخامة حجمه. ومعنى هذا أن قوة المجتمعات لا تكمن في قدراتها العسكرية أو الاقتصادية، بل في قدرتها على التفكير السليم. ألم تبدد بعض المجتمعات ثرواتها الاقتصادية وطاقاتها البشرية في ما لا طائل من ورائه؟ (3) كذلك، لا تعبر صورةُ «ديناصور في بنطال محاط بأجهزة كومبيوتر» عن انسجام بين الشكل والمضمون. فالبنطال شكل والديناصور مضمون. وقد يكون الشكل قناعا يخفي وراءه مضمونا مختلفا عبَّر عنه المثل الشعبي القائل: «خلاخل والبلا من داخل». فالكلمات واللافتات والابتسامات والعطور والألوان والأزياء هي تلك الخلاخل، وهي جميعها أقنعة قد تخفي وراءها نقائضها وأضدادها في المعنى. وتأتي الخلاخل، كذلك، على شكل بيوت حديثة، وعربات فخمة، ووسائل تقنية متطورة، وملابس عصرية أنيقة، وإلى آخر مظاهر الحياة المترفة التي يمكن اقتناؤها بالمال. وأما (البلا) فمصدره طرق التفكير البالية. ويأتي على شكل ممارسات لا تسر الناظر في الشوارع والأسواق والمتنزهات. كما يأتي على شكل أفكار وتوجهات تبثها بعض الفضائيات والمواقع الإلكترونية. [email protected]