شباب كُثر يعيشون بيننا، وتعبث بهم البطالة في ظل انتظار وظيفة، انتظارهم قد يطول، ولا يمكن لأحد توقع مداه، عندها يكون من الأجدى لهم توفير وظائفهم بأنفسهم بدلا من انتظار أُخرى، عبر إيجاد أفكار تجارية لمشروعات صغيرة، والعمل على إنمائها وتطويرها. فقد تصبح هذه المشروعات الصغيرة يوماً ما شيئاً عظيماً لا يتخيله بال.. فمن قطرات ماء في أعالي الجبال، تكونت أعظم أنهار الدنيا. أكثر رد محبط قد تسمعه عند طرحك لهذه الفكرة هو : «ومن أين المال؟!» اعتقاداً بأن المال هو الإشكال، والمال في الواقع ليس إلا أداة لحمل أي مشروع. أما الإشكال الحقيقي فهو وجود «فكرة مشروع مجدية» ووجود شخص قادر على تجسيدها واقعاً. الحاجز الأول الذي ينبغي للمبتدئ في عالم الأعمال تفاديه هو عدم التفكير في المال، فالمال يأتي لاحقاً. التفكير يجب أن يكون منصباً على إيجاد فكرة المشروع، وكيفية تنفيذها، وماذا تحتاج لتنفيذها، ومن سيشتري منها، وكم سيشتري منها، وكم سيدفع، وكم سيجني المشروع.. وغيرها من الأسئلة الجوهرية التي تبحث عن إجابات واضحة وواقعية. وعودة إلى سؤالنا الأساس : هل يمكن بدء مشروع تجاري صغير.. بلا تمويل؟ الجواب الواقعي: إن بدء مشروع صغير بلا تمويل ليس خياراً ممكناً فقط، بل وذكياً أيضاً، فلماذا يتحمل شاب في مقتبل العمر قليل التجربة قروضاً مالية ضخمة من أفراد أو مؤسسات تمويل؟ سيكون حتماً من الغباء فعل ذلك، خصوصاً في البدايات، في ظل غياب الخبرة والدراية الكافية بالسوق. الإحصاءات الدولية تشير إلى أن 10بالمائة فقط من المشروعات الصغيرة الجديدة تجد طريقها إلى النجاح، لذا يكون لزاماً على المبتدئ في مجال الأعمال أن يضع التوفير ركناً أساسياً في مشروعه حتى يتفادى الفشل قدر الإمكان، ويصرف ما لديه من موارد محدودة في وجهها الصحيح إشكال آخر يواجه المبتدئين، وهو وجود تصوُّر ذهني لديهم عن العمل التجاري أنه عبارة عن مجموعة من الاستثمارات الضخمة في المكاتب والمتاجر والسيارات والتجهيزات وغيرها، وهذه أوهام يجب طردها من الذهن، فليس بالضرورة أن يكون المشروع مكلفاً.. خصوصاً عندما يكون المال محدوداً أو معدوماً. غالبية المشروعات الصغيرة تفشل، وهذا ليس سراً يُذاع. الإحصاءات الدولية تشير إلى أن 10 بالمائة فقط من المشروعات الصغيرة الجديدة تجد طريقها إلى النجاح، لذا يكون لزاماً على المبتدئ في مجال الأعمال أن يضع التوفير ركناً أساسياً في مشروعه حتى يتفادى الإخفاق قدر الإمكان، ويصرف ما لديه من موارد محدودة في وجهها الصحيح. هناك خطوات أساسية مهمة يجب تبنَّيها حتى تقل تكلفة المشروع إلى أدنى حد، فتقل الحاجة إلى الاقتراض. الخطوة الأساسية الأولى هي البحث عن فكرة تجارية لا تحتاج إلى رأس مال. الأفكار التجارية البسيطة سهلة التنفيذ، ما يشجع أصحابها على الاستمرار والإصرار، ولا تدفع أصحابها إلى الاقتراض من أحد، فتثقل عاتقهم الديون. فكرة بسيطة جداً، مثل تغليف «الفصفص» وبيعه، قد تنتهي بصاحبها يوماً ما إلى مصنع كبير لتعبئة المكسرات بأنواعها، وهذا ما حدَث فعلاً لكثير من المثابرين الذين تملأ ماركاتهم رفوف المحلات اليوم. شركة «سارا لي» الأمريكية المشهورة للمخبوزات وغيرها، بدأت فكرتها من مخبز متواضع جداً لعمل الكيك وبيعه! الخطوة الثانية، لتكن قاعدة عملك ونقطة انطلاقك المنزل، أو أي جزء غير مستغل فيه (الفناء، السطح، الحديقة، المطبخ أو أي غرفة مهملة). ليس بالضرورة أن يكون لك مكتب فاره، أو مطبخ واسع، أو ورشة كبيرة. اتخاذ المنزل مكاناً للعمل يساعدك على تقليص التكاليف العامة للمشروع مباشرةً بنسبة 32 بالمائة تقريباً (صاحب المشروع المنزلي لا يدفع أية إيجارات، ولا رسوم بلدية، ولا رسوم خدمات عامة إضافية، ولا مصروفات تنقل، وغيرها). لا شك في أن بدء المشروع من المنزل هو أذكى خيار لأصحاب الموارد المحدودة. دراسة أمريكية حديثة ذكَرَت أن الشركات هناك بإمكانها زيادة إيراداتها والحصول على ما إجماليه 280 مليار دولار أرباحاً صافية إذا غيرت سياساتها وشجعت موظفيها على العمل من منازلهم، والعمل من المنازل يُعد الآن «موضة» إدارية في أوروبا وأمريكا. شركة «الاتصالات البريطانية» لديها 15 ألف موظف يعملون من المنزل ( من أصل حوالي 90 ألفا )، وتؤكد الشركة أن هذا يوفر عليها سنوياً حوالي 6 آلاف جنيه استرليني عن كل موظف. كما أن بنك «إتش إس بي سي» لديه 15 ألف موظف ( من أصل 35 ألفا ) في بريطانيا مهيئون تماماً للعمل من المنزل. فإذا كانت كبريات الشركات وهي التي لا ينقصها المال قد اعتمدت هذا النمط من العمل، فمن الأَوْلى أن يعتمده المبتدئون في مجال التجارة والأعمال ممن ينقصهم المال وتعوزهم الخبرة. أفكار كثيرة لمشروعات صغيرة يمكن عملها من المنزل، مثل: خدمة العملاء، المشتريات، التوظيف، خدمات الإعاشة وتحضير الوجبات وإدارة المناسبات، خدمات التحرير والكتابة وإدخال البيانات، وإدارة مواقع الإنترنت، والبرمجة وإدارة المحتوى، والتصميم.. وغيرها الكثير. الخطوة الثالثة، هي البحث عن مصادر تمويل مجانية (قروض حسنة) بعد تجربة نموذج العمل الحالي (فكرة المشروع)، والتحقق من جدواه، والرغبة في توسيع نطاقه. قد يكون مصدر التمويل فردياً (أحد الأقرباء أو الأصدقاء)، وقد يكون مؤسسياً، والبلد حافل بالمؤسسات غير الربحية التي تدعم المشروعات الصغيرة مالياً، مثل: البنك السعودي للتسليف والادخار، وبرنامج «ريادة» التابع للمؤسسة العامة للتعليم الفني والمهني، وبرنامج باب رزق جميل، وبرنامج «كفالة» التابع لصندوق التنمية الصناعي، وصندوق الأمير سلطان لدعم مشاريع السيدات، وغيرها. في النهاية، لابد من التأكيد على أن قلة الديون على صاحب المشروع التجاري عامل مهم من عوامل نجاح المشروع، فكلما كان المشروع بعيداً عن القروض المثقلة في بداياته، كانت فرص نجاحه أكبر. [email protected]