انتهى موسم الحج لهذا العام على أكمل وجه، وعلى خير ما يرام. وإذا كانت جهود المملكة الحثيثة من أجل راحة ضيوف الرحمن، وتسهيل كل السبل أمامهم ليؤدوا النسك بكل يسر، قد لاقت كل هذا الصدى الرائع في أنحاء مختلفة من العالم، إلا أننا ونحن نسعى لمزيد من العطاء بالتشرف بخدمة بيت الله العتيق والبقاع المقدسة في مكةالمكرمة والمدينة المنورة، ليس علينا إلا أن نجتهد أكثر، ليكون وطننا ومملكتنا بمثل هذه الصورة المشرقة والمشرفة التي حازت إعجاب الأصدقاء والأشقاء من مختلف أصقاع الأرض، ومن كافة العقائد والديانات. لا ننكر أبدا أننا وفي إطار سعينا الشريف هذا، أننا أصبحنا نشعر بتلك الحالة التنافسية التي يجب أن تستمر، ولا تنتهي بانتهاء الموسم المقدس، وهي الحالة التي ينبغي أن نواكبها جميعاً، دولة ومواطنين، أفرادا ومؤسسات، قطاعات حكومية وأهلية، لأن الصورة بقدر ما هي اجتهاد وجد ومثابرة من أجل طاعة الله، إلا أنها أيضاً تتعلق بمرأى أمة وهيبة وطن وكرامة مواطن. فالمملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين، لم ولن تبخل أبداً من أجل تأكيد جدارة الشرف بخدمة بيوت الله، وعلى أطهر أرض، وفي أقدس مكان، والبلد الذي لم يبخل بأي شيء من أجل تحقيق هذا الشرف النفيس، يعلم تمام المعرفة، أن التشريف على قدر التكليف، وأن المحصلة النهائية التي نقطفها يوماً بعد يوم، ليست وليدة لحظة آنيّة، أو صدفة أو ضربة حظ، لكنها نتاج عمل مخلص، وإيثار متفانٍ، واستراتيجية عليا قامت عليها هذه البلاد منذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه وطيلة مسيرة أبنائه من بعده، وحتى العهد الزاهر للقائد عبدالله بن عبدالعزيز. والمراجع أو المؤرخ لمراحل التطور الهائل في البقاع المقدسة، يلمس مدى ما تحقق، ولا يحكم على ذلك إلا ضيوف الرحمن أنفسهم الذين يدركون حجم الإنجاز وقيمته من أجلهم هم أولاً، وخلال مرحلة زمنية بسيطة للغاية، يستطيع أي منصف أن يقدّر ما يمكن تسميتها حالة التعبئة العامة، التي تعلنها المملكة، من أجل أن ينعم الحاج أو الزائر أو المعتمر، بما وفّرته له الدولة السعودية من خدمات ووسائل، يأمن فيها على نفسه، كما هو مؤتمن على عبادته وعقيدته. وإذا كانت كل تلك الإشادات بموسم حج مثالي، تشعرنا بالفرح، إلا أننا أيضاً يجب أن ندرك أن كل هذه الإشادات ما هي إلا ترجمة لجهود جبّارة، تمثل الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل، نحو طاعة الله، واستقرار عباده وأمن اللائذين بحرمه، وما نحن إلا أداة سخرها المولى عز وجل، لتحقيق هذا الهدف النبيل، نقولها بكل تواضع ونفعلها بكل أمانة، ونتسابق إليها بكل ثقة ونديّة وكفاءة. أدام الله عز هذه البلاد، وحفظ لها قيادتها، وشعبها من كل مكروه.