لم يكن ينقص عدداً من أحياء الدمام لتكتمل صورتها الكئيبة وشوارعها الملتوية وخدماتها المتواضعة وعمرانها الباهت إلا سحب وغازات كيميائية سامة خانقة تنبعث من شركة الشرق الأوسط الواقعة في الصناعية الأولى بالدمام وذلك على مدى يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين. حادثة تسرّب غاز النيتروجين والهيدروجين من المنطقة الصناعية الأولى بالدمام تنذر بكوارث كيميائية محتملة مؤجلة في طور الإعداد ما لم تتخذ الجهات الحكومية والخاصة إجراءات سريعة وحاسمة في إغلاق كافة تلك المصانع، ونقلها إلى مواقع بعيدة عن الأحياء السكنية. نقول كوارث كيميائية محتملة لأن تطبيق إجراءات وممارسات السلامة الصناعية بصرامة وبحذافيرها يكلف المال الكثير ويقلل بالتالي من أرباح تلك المصانع الصغيرة التي تدار في الغالب بأسلوب مهني متواضع جداً يحرص كل الحرص على تخفيض تكاليف التشغيل الرئيسية، فما بالك بالصرف على تطبيق نواحي السلامة التي ينظر إليها على انها ترف ليس هم في حاجة إليه من الأساس. لذا، علينا التحرّك جميعاً دينياً وإعلامياً وحقوقياً وقانونياً وصحياً بصوت مدني إنساني واحد والمطالبة بإغلاق مثل تلك المصانع في الحال.. لأنها تعتبر قنابل موقوتة ومهددة للصحة العامة والبيئة المحيطة بالتجمع السكاني بسبب قُربها من الأحياء السكنية وبالتالي ارتفاع مخاطرها المعروفة والظاهرة ومخاطرها التي يتم اكتشافها لاحقاً بعد فوات الأوان.. وما تزايد أعداد حالات الاصابة بالسرطان في المنطقة الشرقية وقانا الله جميعاً من كافة الأمراض إلا دليل على التأثيرات السلبية التي تسببها مثل تلك المصانع على الصحة العامة. علينا عدم التراخي في هذه المطالبة حتى تحل بنا، لا سمح الله، كارثة مثل تلك التي حدثت لمدينة بوبال في الهند عندما حصل انفجار في مصنع المبيدات لشركة يونيون كاربايد في منتصف ليلة 3 ديسمبر 1984م، مما أدى إلى انطلاق غاز ميثيل إيزوسيانات وتعرّض أكثر من نصف مليون نسمة لهذا الغاز ولمركّبات كيميائية أخرى، حيث بلغت حصيلة الوفيات الفورية الرسمية 2259 شخصاً، ارتفعت لاحقاً إلى 3787 وفاة نتيجة انطلاق الغاز. كما تشير تقديرات أخرى إلى موت ما بين ثمانية إلى عشرة آلاف خلال الأيام الثلاثة الأولى، وموت حوالي 25 ألفاً في السنوات اللاحقة بسبب الاصابة بأمراض متعلقة بالتعرّض للغاز السام. يقول نائب رئيس اللجنة الصناعية بغرفة الشرقية عبدالله الصانع تعليقاً على حادثة التسرّب إنه يوجد أكثر من 250 مصنعاً بالمنطقة الصناعية الأولى بكافة انواعها الخفيفة أو الثقيلة.. وإن هناك 85 بالمائة من هذه المصانع تحويلية خفيفة ولا تشكّل مشكلة للأحياء القريبة مثل مصانع التكييف والأغذية والألمونيوم والورق والطباعة وغيرها. وهناك 5 بالمائة للغاز وصناعة المواد الكيماوية التي من الممكن أن تكون مصدر قلق للأحياء المجاورة وهذه يمكن النظر في وضعها ووضع شروط صارمة تجاه هذه المصانع. عزيزي عبدالله .. سواء كانت النسبة خمسة في المائة أو أكثر، صحة المواطن هي أهم أمر يجب الحرص عليه خلافاً عن الحسابات التجارية. وللتدليل على تقصير مثل تلك المصانع في تحمّل مسؤوليتها الاجتماعية وخدمة المجتمع، منذ الحادثة إلى الآن، هل ظهر لنا مسؤول من المصنع المتسبب في حادثة التسرب يعتذر للمصابين وأفراد المجتمع أو نشر إعلان يبدي أسف الشركة عن الحادث، دعك عن تاريخهم في خدمة المجتمع. لينقل موقع تلك المصانع أو تقفل غير مؤسوف عليها في حالة تعذر ذلك.. فالصناعة الكيميائية السعودية والعالمية لن تتأثر باغلاق دكاكين كيميائية ! [email protected]