يبدو أن مفهوم «الإنسان عدو نفسه» ملازم لتطوره وبحثه المستمر عن الارتقاء، ويتضح ذلك كثيرا في تداعيات الثورة الصناعية الهائلة خلال المائة عام الأخيرة، حيث دفعت البشرية ضريبة كبيرة مقابل التطور، وعلى سبيل المثال فإن التصنيع الكيميائي أو البتروكيميائي من الضروريات في حياتنا المعاصرة لارتباطه بكثير من الخدمات الحيوية إلا أنها أنتجت كثيرا من الحوادث التي ذهب ضحيتها آلاف البشر كان أسوأها في الهند حيث أدى تسرب غاز من أحد المصانع إلى وفاة أكثر من ستة آلاف نسمة، وأيضا في البرازيل أدى اشتعال أنبوب بترول إلى وفاة خمسمائة شخص، وفي الولاياتالمتحدة أدى تسرب غاز من أحد المصانع القريبة من إحدى المدارس إلى وفاة ثلاثمائة طالب، وغير ذلك العديد من الحوادث في مختلف أنحاء العالم. ولدينا في المملكة مع النهضة والطفرة الصناعية والإنتاجية الكبيرة، ولله الحمد، وقعت عدة حوادث متفرقة، ففي مدينة جازان وقبل عدة أشهر استيقظ السكان على خبر تسرب غاز الأمونيا السام من أحد المصانع في المدينة، وقد أسفر ذلك الحادث عن إصابة أربعة أشخاص وتم إخلاء المناطق المجاورة للمصنع، وفي المنطقة الشرقية، مركز الصناعة، وقعت عدة حوادث خلال الأربع السنوات الماضية، حيث شهدت حادثة تسرب غاز عام 2008م في حي عبد الله فؤاد بالدمام، أما الثاني فكان في شهر رجب الماضي نتيجة تفريغ شركة أرامكو لغاز النيتروجين من أحد الأنابيب، والثالث كان تسرب غاز الايبوكسي من أحد المصانع بالصناعية الأولى بالدمام، وفي عام 2009م أيضا وقع حريق بمصنع للمنتجات الكيمائية بالصناعية الأولى بالدمام بعد ما شبت النيران في 300 برميل من المواد الكيمائية، وخلال هذا العام شب حريق مماثل بمصنع أصباغ. هناك مصانع كيماوية لا يوجد بها أي من أنواع السلامة الصناعية أو الأمنية، فالأبواب مفتوحة دون حراسة، عمالة غير مدربة ولا تعرف التعامل مع أي من أنواع الكوارث، مصانع انتهى عمرها الافتراضي ولا تزال تعمل منذ أكثر من ثلاثين سنة دون صيانة، من نحاسب إذا وقعت كارثة؟ لا سمح الله، يجب أن نكون أكثر حزما في تعاملنا مع كل من يخالف شروط السلامة، فالبلدية تغلق البقالة إذا خالفت، فيما لا نستطيع إغلاق مصنع قد يتسبب إهماله في وقوع كارثةوأيضا مدينة الجبيل التي تبعد عن الدمام حوالي 80 كيلو مترا، والتي تعتبر أكبر مدينة صناعية في الشرق الأوسط وتضم أكثر من ألف وثلاثمائة مصنع معظمها لإنتاج المواد الكيماوية، وجميع هذه الصناعات الكيماوية مصدر خطر حقيقي للبشر إذا لم تراعِ ضوابط السلامة بشكل دقيق، وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى أن الجهة المناط بها الإشراف البيئي على هذه المصانع وهي الأرصاد وحماية البيئة والتي تشرف على الوضع البيئي داخل المصانع والتي يمتد نطاقها الجغرافي من الأحساء إلى حفر الباطن حيث يبلغ عدد المراقبين المكلفين بالإشراف على هذه المدن الصناعية سبعة مراقبين فقط، وهنا أتساءل هل هذا العدد يكفي للإشراف على هذه المدن الصناعية العملاقة؟ لا أريد أن أبدو متشائما، ولكن الواقع خطير ويجب أن نضع أيدينا على الجرح. هناك مصانع كيماوية لا يوجد بها أي من أنواع السلامة الصناعية أو الأمنية، فالأبواب مفتوحة دون حراسة، عمالة غير مدربة ولا تعرف التعامل مع أي من أنواع الكوارث، مصانع انتهى عمرها الافتراضي ولا تزال تعمل منذ أكثر من ثلاثين سنة دون صيانة، من نحاسب إذا وقعت كارثة؟ لا سمح الله، يجب أن نكون أكثر حزما في تعاملنا مع كل من يخالف شروط السلامة، فالبلدية تغلق البقالة إذا خالفت، فيما لا نستطيع إغلاق مصنع قد يتسبب إهماله في وقوع كارثة، ولذلك أرى أنه من الخطأ ترك الأمور بحسب هذا التهاون في تطبيق الاشتراطات والمعايير المنظمة لتشغيل المصانع، خاصة ذات الطبيعة الخطرة، ولعله من المهم التعامل بجدية مع فكرة نقل الصناعية خارج النطاق العمراني تحسبا لأي طوارئ كتلك التي حدثت مؤخرا وأغرقت أكثر من عشرة أحياء في هاجس الموت بالغازات السامة التي تطايرت في أجوائها. وفي تقديري، أيا كانت المبررات بحسب المعايير الفنية، إلا أنها لا تعنينا كمواطنين، فما يعنينا فقط هو أن تعمل تلك المصانع دون توقف ولكن بحسابات علمية لا تترك شاردة أو واردة للظروف، أو تتجاهل معايير السلامة الصناعية التي تتم في أطر نظرية بحتة يدفع ضريبتها أبرياء لا ذنب لهم ولا يستفيدون من عوائد تشغيل تلك المصانع، ولو كان إخراج تلك المصانع خارج النطاق العمراني ينبغي التعامل مع أنظمة السلامة بحرفية أكبر دون تهاون في تطبيق أنظمة السلامة، فالنار من مستصغر الشرر.