استعد المقاتلون الموالون للمجلس الوطني الانتقالي الحاكم في ليبيا لتجديد تقدمهم إلى مدينة سرت الساحلية الاثنين بعد أن قصفت طائرات حلف شمال الاطلسي أهدافا في تلك البلدة مسقط الزعيم الليبي المخلوع القذافي للقضاء على مقاومة قواته. وتقدمت القوات المناهضة للقذافي حتى أصبحت على بعد بضع مئات من الامتار من قلب سرت وهي أحد المعاقل الأخيرة للمقاومة المؤيدة للقذافي في ليبيا ولكنهم تراجعوا الأحد مع قيام حلف الاطلسي بشن هجمات. وتقع سرت بين العاصمة طرابلس ومدينة بنغازي بشرق ليبيا ،وكلاهما يسيطر عليها الآن المجلس الوطني الانتقالي الذي أطاح مقاتلون بالقذافي الشهر الماضي بعد ستة أشهر من حملة لم تنته بعد. ويمثل الاستيلاء على سرت دفعة كبيرة للمجلس الوطني الانتقالي في الوقت الذي يحاول فيه ترسيخ مصداقيته كحكومة وسيكون ضربة للقذافي الذي يعتقد على نطاق واسع أنه مختبىء داخل ليبيا. وقال مسؤولون بالمجلس الوطني الانتقالي: إن الموالين للقذافي أثبتوا أنهم مازالوا يشكلون خطرا من خلال شن هجوم الأحد على بلدة غدامس على الحدود مع الجزائر. وقال المجلس : إن أنصاره عثروا على مقبرة جماعية تضم رفات أكثر من 1270 شخصا قتلتهم قوات الأمن التابعة للقذافي في مذبحة عام 1996 في سجن جنوبيطرابلس. وهذه المقبرة أول دليل مادي على مذبحة سجن أبو سليم التي لم يكشف عنها النقاب لسنوات ،وإن كانت ساهمت بشكل أساسي في الإطاحة بالقذافي. ووفقا لروايات ناجين تحدثوا إلى منظمات لحقوق الإنسان فإنه بدءًا من فجر يوم 29 يونيو 1996 صفّ الحراس السجناء في أفنية سجن أبو سليم. وأطلق أفراد أمن يقفون على سطح السجن الرصاص من بنادق آلية على السجناء قبل أن يستخدموا مسدسات من مسافات قريبة للإجهاز عليهم. وكانت الانتفاضة التي أطاحت بالقذافي أشعلتها احتجاجات ذات صلة بمذبحة أبو سليم. ففي فبراير تظاهرت أسر السجناء الذين قتلوا هناك عام 1996 في مدينة بنغازي بشرق البلاد للمطالبة بالإفراج عن محاميهم. ولم يقع قتال يذكر الأحد على الأراضي الواقعة غربي سرت ،حيث تقدم مقاتلو المجلس الوطني إلى أقرب مسافة من قلب المدينة. وعلى الجانب الشرقي تقدمت القوات لمسافة 15 كيلومترا من وسط المدينة ليبلغ اجمالي تقدمها أكثر من 25 كيلومترا. وقال مراسلة لرويترز: إن القصف المكثف لحلف الأطلسي ساعد قوات المجلس في إحراز هذا التقدم. وأضافت :إنها سمعت دويّ قصف مدفعي وشاهدت عاموداً من الدخان الأسود يتصاعد. وقال أطباء في مستشفى يقع شرقي سرت: إن مقاتلاً قُتل وأُصيب 12 في الاشتباكات. وتشير روايات من مقاتلين تابعين للمجلس الوطني الانتقالي وأشخاص تمكنوا من مغادرة سرت إلى أن القوات الموالية للقذافي تحاول منع المدنيين من مغادرة المدينة لاستخدامهم دروعا بشرية. وقال رجل يدعى يوسف ،كان يقود سيارة بعيدا عن سرت وبصحبته زوجته: //قوات القذافي حاصرت المنطقة وأغلقتها بإطلاق النار على المواطنين..هناك الكثير من الاشخاص الذين يريدون الخروج لكنهم لا يستطيعون.// ويسلط هجوم القوات الموالية للقذافي على غدامس الضوء على هشاشة قبضة المجلس الوطني الانتقالي حتى على أجزاء من البلاد اعتبرت تحت سيطرته. وتقع البلدة على مسافة 600 كيلومتر جنوب غربي طرابلس، وبالقرب من معبر حدودي استخدمه ليبيون موالون للقذافي في الهروب الى الجزائر. وتصنف البلدة القديمة بجدرانها الطينية التي تشكل متاهة متداخلة ضمن مواقع التراث العالمي لمنظمة الاأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة /يونسكو/. وقال أحمد باني المتحدث العسكري باسم المجلس الوطني الانتقالي: إن هذه الميليشيات هاجمت قوات المجلس في مدينة غدامس . وأضاف: إن من المتوقع أن يسيطر مقاتلو المجلس على المنطقة بأكملها في غضون أيام. وبعد مرور شهر من طرد قوات القذافي من طرابلس ومعظم أنحاء البلاد ما زال المجلس الوطني الانتقالي يواجه تحديات لحكمه من منطقتين رئيسيتين هما سرت وبني وليد وهي بلدة تقع على مسافة 170 كيلومترا جنوب شرقي طرابلس. ويقول حكام ليبيا الجدد: إنهم لا يستطيعون البدء في عملية إجراء الانتخابات قبل السيطرة على سرت وبني وليد. وحالت الخلافات على الحقائب الوزارية دون تشكيل حكومة مؤقتة مما أدى إلى زيادة الغموض بشأن مستقبل البلاد. تعثر تشكيل الحكومة الليبية المؤقتة قال سياسيون في بنغازي: إن تعثر تشكيل الحكومة الليبية المؤقتة الذي كان مقررا في 18 سبتمبر يخفي صراعا محموما على السلطة بين خصوم معمر القذافي الذين أطاحوا بنظامه. وكان مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الوطني الانتقالي أعلى سلطة في ليبيا الجديدة ،صرح السبت الماضي :إن «الحكومة ستعلن خلال الأسبوع المقبل»، مُقِراً بوجود خلافات وصراعات أخّرت الإعلان عن تشكيلها ومشددا على أن الكفاءة هي المعيار لتولي حقائب وزارية وليس «النضال» ضد القذافي أو الانتماء لمنطقة او قبيلة معينة. وقال مساعد لأحد الأعضاء البارزين في المجلس: إن «تشكيل الحكومة (مكتب تنفيذي موسع) دونه الكثير من الصعوبات» موضحا ،أن «عدد الوزراء مشكلة، والتسمية مشكلة، وأسماء من يتولى الحقائب مشكلة». وأضاف: إن «دخول إعضاء من المجلس الانتقالي الحكومة يطرح مشكلة إضافية من طبيعة قانونية، حيث لا يفترض بأعضاء المجلس تولي مناصب تنفيذية بحسب الإعلان الدستوري». وكان عبد الجليل أعلن السبت ،أنه قد يتم «المزج» بين المجلس الانتقالي والمكتب التنفيذي وتولي أعضاء من المجلس حقائب وزارية في هذه الحكومة المؤقتة التي ستدير شؤون البلاد الى حين استكمال تحرير مختلف المناطق الليبية. ونصت المادة 21 من الإعلان الدستوري الذي ينظم عمل الدولة لحين اعتماد دستور جديد على أنه «لا يجوز الجمع بين عضوية المجلس الوطني الانتقالي المؤقت وتولي الوظائف العامة».