الوطن هو نموذج للشموخ والعزة الأبدية. ومن هذا المنطلق فلابد من البداية أن نتعرّف على ماهية الوطن، ومكانته ولزومية حضوره الدائم في جوارحنا ووجداننا؟.. واعتقد هنا أن البحث والتقريب في هذه المسألة يبدآن من هذه التساؤلات: هل الوطن مجرد سفوح جبال شاهقة واودية واسعة ومبانٍ مرتفعة ومدن واسعة وجميلة وأنهار جارية. وغير ذلك من الأشياء المادية المحسوسة؟ وهل الوطن مجرّد مساحة الأرض والمنطقة التي نعيش فيها.. أو المنطقة الجغرافية التي ولدنا بها فقط؟ ثمة مفردات تُطنّبُ مسامعنا وتهفو لها أفئدتنا، نستخدمها ونجزل ترديدها، حتى غدونا نجيد حفظها منذ الطفولة.. هي عبارة عن مفردات سامقة المعنى لها دلالتها.. ولعلنا نجد ما يُجسّدها بمعناها الواسع بمقولات أزلية مثل: "الوطن والوطنية والمواطنة والشعب والدولة".. بيد أن السؤال في هذا التلاحم الأزلي يتجلى في كيفية ادراك علاقتنا بالوطن؟ اليوم الوطني لبلادنا مناسبة هامة للالتفات إلى ما أنجز على أرضية الوحدة الوطنية والثوابت الأساسية، ووفق عقد اجتماعي، يُفترض أنه يقود إلى التوافق والالتقاء بين أطراف مكونات الوطن (أفقياً ورأسياً).. وبرؤية نقدية لا تنضب. لتكون محفزاً للإصلاح السياسي واستكمال خطوات البناء والتطوير في كل المجالات، وبناء الإنسان العضوي الفاعل في حياتنا. واستئصال كل عناصر الفساد والمعيقات والمحبطات، التي تعترض مشوار البناء القادم. يبقى الوطن في كل الأحوال والأوقات هو الملاذ الآمن والأخير لأبنائه.. يقي الأبناء شر حيف الحياة وظلمها وما تفرزه من ادوات ووسائل قهر.. يستظلون تحت فيئه الدافئ ويفترشون أرضه ويلتحفون أطراف سمائه.. الوطن هو اشتقاق الروح الذي يُعبّرُ عن عمق التمازج وحالات الانصهار بين الإنسان المُبدع والأرض التي يعيش عليها.. والوطن يمثل الانتماء الروحي والجسدي. انه جملة من الوشائج التي تربط بين الوطن والمواطنة. ويمكن استخلاص الموقف، وكإجابة عن الأسئلة السابقة.. من خلال ما يرى البعض من "أن الوطن هو المنطقة التي وُلدنا بها" وفيها تكمن الهوية الوطنية للشعب.. بمعنى انها المنطقة الجغرافية التي ولدت بها الأمة.. أي منظومة الانتماء.. بينما "الوطنية تمثل مصطلحاً يُستخدم للدلالة على المواقف الإيجابية والمؤيدة للوطن على مستوى الفرد والجماعة".. وبهذا تكون المواطنة هي وحدة التواصل من قبل مكوّنات المجتمع على اختلاف تنوُّعه العِرقي والمذهبي والمناطقي.. ومما لا شك فيه أن تمتين الجدار الوطني وعصبته، تشكيل كتلة مانعة تقي الوطن من أي تطاول، وتتحطم فوقها كل محاولات المساس بالوطن وحريته واستقلاله. وبهذا التفاعل المتنوّع والانصهار الجدي والعملي، يمكن تذويب كل الخلافات عند حدود المشاركة والتعاون الشاملين في بناء الوطن وتنميته والحفاظ على العيش المشترك بين عناصر تركيبته البشرية، مهما حدث من اختلاف وتباين في الرؤية والمواقف.. ويبقى الوطن هو الحاضن للجميع وبحيادية. وعلى صعيد تجربتنا الوطنية المحلية، وما تشي إليه من خصوصية معيّنة.. فإن الاحتفاء السنوي باليوم الوطني هو بمثابة وقفة شاملة لمراجعة ما تمّ تحقيقه منذ توحيد وطننا على يد الملك المؤسس ورجاله الأشاوس (يرحمهم الله جميعاً) حيث أوجدوا لنا هذا الوطن الشامخ الذي، نُجيز لأنفسنا أن نفتخر به أمام حركة التاريخ.. رغم ما صاحب ذلك من عقبات شاقة، بما في ذلك طبيعة النسق البشري المتباعد والذي أخذ يمضي تدريجياً نحو حالة تكوّن وانصهار واضحَين خلال التجربة السابقة الحادة. لقد خاض الوطن معارك شرسة منذ تكوينه في مجالات مختلفة منها (الفقر والجوع والتخلف الثقافي والعلمي والجهل وملامح البناء والتطوير وانواع الإرهاب).. إن هذه التحديات الكبيرة، وبفضل اقتصادنا الوطني.. توفر لنا وطناً مغايراً بثقافة مختلفة وهوية متقدّمة. نفتخر بها ونخطو بها إلى الأمام لنصُدَّ بها كل أشكال التحديات القادمة.. وننافح بها بقدر ما نستطيع (عن حاضرنا ومستقبلنا) في وجه زحف العولمة المتوحّشة.. وكل أنواع التحديات التي قد تجابهنا. فعلاً اليوم الوطني لبلادنا مناسبة هامة للالتفات إلى ما أنجز على أرضية الوحدة الوطنية والثوابت الأساسية، ووفق عقد اجتماعي، يُفترض أنه يقود إلى التوافق والالتقاء بين أطراف مكوّنات الوطن (أفقياً ورأسياً).. وبرؤية نقدية لا تنضب.. لتكون محفزاً للإصلاح السياسي واستكمال خطوات البناء والتطوير في كل المجالات، وبناء الإنسان العضوي الفاعل في حياتنا.. واستئصال كل عناصر الفساد والمعيقات والمُحبطات، التي تعترض مشوار البناء القادم. والأمل أن يكون ذلك ضمن مشروع مستقبلي يتناول العدالة بكل أشكالها، والحريات المشروعة، وتنظيم الحياة وفق معادلة تضمن الحقوق للجميع وبالتساوي بين الجميع وتعزز الولاء للوطن والارتباط به.. إن هذه المطالب، أمور لا تتوقف عند حدٍّ معين.. بل تمضي وتكبر مع المستقبل.. في نطاق الواجب والمهمات المترتبة على الجميع حسب الموقع والمكانة.. إنها لصيقة مع سرمدية الحياة، تتنوّع بتنوّع متطلبات واحتياجات الناس.. تبقى موجودة طالما وجد هذا الشعب وهذا الوطن .. ولن يتحقق ذلك بدون وحدتنا الوطنية وما يرافقها من شفافية وانفتاح على الجميع والأخذ بعين الاعتبار كل ما يُطرح من مختلف الأطياف الاجتماعية المتنوّعة بإيجابية، وتأصيل مواقفنا بين الماضي والحاضر.. إن وطننا الآن وفي المستقبل يستحق منا الكثير، عاش وطناً حراً مستقلاً دائماً.