منذ أن وعيت على حياة التعلم وطلب المعرفة وأنا أسمع أن الأحساء بلد للعلم، وأن فيها كمَّاً هائلاً من المخطوطات العلمية! وحتى هذه اللحظة وقد تجاوزت الثلاثين من العمر فلم أجد تلك المخطوطات قد ظهرت للناس ولطلاب العلم! ولا أدري هل طرأ هذا السؤال على غيري من الناس فحاولوا الإجابة عنه أو معرفة تبعاته الثقافية والاجتماعية؟ ربما تتخفى واحة الأحساء بنخيلها فتظهر بمناظر البهجة والجمال، فيكتب فيها الشعراء أجمل القصائد وأعذب التصاوير، ولكنها أيضاً تتخفى بأنساقها وأنظمتها الثقافية المضمرة، ومن هنا كان دور النقَّاد في كشف هذه الأنساق والعيوب المضمرة التي سعى الشعراء في يوم من الأيام لزخرفة أشكالها وأوهامها! وهي كغيرها من الأماكن الاجتماعية التي من الضروري أن نباغتها بأسئلتنا وأفكارنا حتى تزيح عنا وعن الأجيال الأوهام والشعارات التي ليست من الواقع في شيء ومنها (المخطوطات العلمية)، وقبل أكثر من عشر سنوات زرت مكتبة اسرة معروفة محفوظة في مكتبة جامعة الفيصل، فلم أجد فيها مخطوطات ذات قيمة تُذكر! والسبب أن هذه المخطوطات ليست من النوادر، بل هي معروفة ومتداولة وكثير منها مطبوع ومنتشر في المكتبات التجارية والعامة، ربما تكون هذه المخطوطات نادرة في وقتها لكنها لم تعد كذلك اليوم سوى ما فيها من قِدم الورق والحبر الذي كتبت به! وكنت مصرّاً على البحث والتقصّي الدقيق فراجعت فهارس مكتبات أخرى في السعودية والخليج والأردن وسوريا، وكلما وقعت على مؤلف منسوب ل(الأحسائي) فتراه لا يخرج عن هذه التصنيفات: مقطوعات شعرية مختارة، منظومات ومختصرات لمتون شعرية قديمة، مدائح نبوية، ورقات في موضوعات متفرقة في الفقه، وغيرها مما يُصنف على أنه مدوّنات شخصية لبعض الأحسائيين القدماء كانوا يتخذونها للمراجعة والقراءة، وعلمت بعد كثير من البحث والتقصي بأن ما يُسمى بالمخطوطات التي يتحفظ عليها بعض الأوصياء ما هي إلا رسائل وصكوك وملكيات لأوقاف قديمة، والهدف منها – غالباً - هدف تجاري، وحفظٌ لحقوق أهلها، وليست تقدّم معرفةً علمية. أكاد أجزم بأن كل المخطوطات الأحسائية ماهي إلا من هذا النوع غير النادر، وهي ليست مخطوطات صادرة من ثقافة أهل الأحساء أو علمائها، بل هي منسوخة من كتب المتقدّمين، وبعضٌ منها شروحات، أو مختصرات، أو منظومات علمية، ولذلك فمن الضروري أن نخرج من هذا الوهم القديم الذي أوحى لنا بأن لدى الأحساء إرثاً علمياً! صحيحٌ أن الأحساء ورثت كتباً ومخطوطات قديمة، لكن! هل قدّمت هذه المخطوطات معرفةً تجاوزت ذلك الإرث؟وعلى هذا فأكاد أجزم بأن كل المخطوطات الأحسائية ماهي إلا من هذا النوع غير النادر، وهي ليست مخطوطات صادرة من ثقافة أهل الأحساء أو علمائها، بل هي منسوخة من كتب المتقدّمين، وبعضٌ منها شروحات، أو مختصرات، أو منظومات علمية, ولذلك فمن الضروري أن نخرج من هذا الوهم القديم الذي أوحى لنا بأن لدى الأحساء إرثاً علمياً! صحيحٌ أن الأحساء ورثت كتباً ومخطوطات قديمة، لكن! هل قدّمت هذه المخطوطات معرفةً تجاوزت ذلك الإرث؟ هل وجدنا من علمائها من هم معروفون في جانب التنظير الشرعي والمعرفي والفلسفي على مستوى العالم الإسلامي؟ هل استطاعت مخطوطات الأحساء أن تعزز الهوية الفكرية والحضارية في المجتمع؟ هل ساهمت هذه المخطوطات في تنوير الأجيال الأحسائية وبصَّرتهم بمفاهيم في الإنسان والتاريخ والحياة والمعرفة؟ هل تسابقت دور النشر ومراكز المخطوطات لبعث هذه المخطوطات من ركامها وتقديمها للناس فيما لو كانت تحمل معرفة يمكن أن يستفيد منها المجتمع العلمي والثقافي؟ إن تقديمي هذه الأسئلة ليس من باب الاستئثار بالحقيقة، وليس من باب ادعاء الأولية في ذلك، وليس من باب الفبركة والسبق العلمي أو الصحفي، بل من باب مشاركة كل المجتمع خاصة فئة الشباب والشابات المتعلمين والمتعلمات لكي يقدّموا الأسئلة حول تراث بلدهم، وينتقدوه نقداً علمياً، أتمنى من الجميع أن يخطئني فيما تطرقت إليه، وأتمنى أن تجيبوا عن الأسئلة التي قدّمتها في هذا المقال.. إن ثقافة البلد وتراث البلد تاجٌ نرفعه على رؤوسنا، ولكن هذا التاج إذا كان مزيفاً ومليئاً بالأوهام فسوف نكون من الكاذبين على أنفسنا وثقافتنا وأجيالنا، إننا بحاجة قصوى لأن نعقد الندوات والمؤتمرات من أجل البحث والتوثيق والتسجيل لمدوّناتنا المخطوطة، وأتمنى أن تكون هناك عزيمة جادة وشجاعة من جامعات الأحساء وكلياتها، وأنديتها الأدبية ومجالسها الاجتماعية أن يقولوا كلمتهم الشجاعة لله ثم للتاريخ، حتى لا تصير (المخطوطات) وهماً تاريخياً وسُلطة اجتماعية يتكسَّب منها أناس دون آخرين على حساب الحقيقة والإنسان والمعرفة. إنني في نهاية هذا المقال أسجّل تنازلي واعترافي بكل ما في المقال من أخطاء إن وجدت من يصوّبني ويجيب عن أسئلتي، وكل عام وأنتم بخير. [email protected]