في كتابه الجديد (القصيدة وتحوُّلات مفهوم الكتابة) الصادر حديثاً عن النادي الأدبي بالجوف، يطلُّ علينا الناقد والشاعر محمد الحرز في باقة منوَّعة من مقالاته النقدية التي تتناول في معظمها الكتابة الشعرية المحليَّة وتحوُّلاتها عبر أطروحات ورؤى إبداعيَّة، إضافةً إلى بعض تأملاته في الشعر والحياة. لا أدري ماذا يمكن أن يقال عن الكتاب بعد تلك المقدّمة الجميلة التي جاءت في صدارته مدبَّجة بقلم الناقد الأكاديمي الدكتور سعد البازعي الذي سلَّط مصابيحه الكاشفة على أبعاد الكتاب باختصارٍ مفيد وحميميَّةٍ ساخنة. ولكن هناك في ثنايا المقالات ما يمكن استقراؤه، خصوصاً أنَّ أكثر من مقالة في الكتاب يمكن أن تكون مدخلاً إلى كتاب آخر يستجلي رؤاها ويستبطن معانيها بإسهاب مثل مقالة (إشكالية الحداثة الشعرية المحلية.. إعادة صياغة ورسم معالم أولية)، أو مقالة (الشاعر ومدينته: الأحساء نموذجاً)، أو مقالة (قصيدة النثر العربية: معضلة إنتاج الحياة والجسد).. وغيرها من المقالات الهامة التي وردت في ثنايا الكتاب. الشعر كان أشبه ب(حصان طروادة) للوصول إلى الجاه والمكانة عند طبقة أصحاب النفوذ. بناءً عليه، بقيت الذائقة الجمالية في ثقافتنا مقتصرة على الذائقة الشعرية رغم أنَّ الأُولى أشمل وأعمَّ من الأُخرى بالتأكيد لا يمكن لزاويتي الصغيرة أن تمتصّ اثنتين وعشرين مقالة ذات جرعات نقدية وجمالية وثقافية مركَّزة حدَّ النشوة، ولكن هناك العديد من الأفكار التي جذبتني وربَّما وجدتُ ذاتي من خلالها مثل فكرة قراءة الوجود قراءة شعرية.. الفكرة التي وردت في مقالة (إهمال الشعر بوصفه فكراً عند بعض الكتَّاب) حيث أشار الكاتب إلى بعض القدماء والمعاصرين من الكتَّاب والشعراء الذين اتخذوا من الشعر طريقةَ تفكير في الوجود وكأنما (الشعر والفكر وجهان لعملة واحدة). وفي المقالة الأخيرة من الكتاب (الذائقة الجمالية وسلطة الخطابات الثقافية)، يتحدَّث الكاتب عن الحضور الطاغي للشعر في تاريخنا العربي الإسلامي لدرجة أنْ أصبحت (المخيَّلة الشعرية هي قطب الرحى في النظام الفكري للذهنية العربية المنتجة للثقافة بشكل عام). ولكنَّ الشعر كان أشبه ب(حصان طروادة) للوصول إلى الجاه والمكانة عند طبقة أصحاب النفوذ. بناءً عليه، بقيت الذائقة الجمالية في ثقافتنا مقتصرة على الذائقة الشعرية رغم أنَّ الأُولى أشمل وأعمَّ من الأُخرى، لكنَّ ذلك من صنيعة الأيدولوجيا بامتياز. هذا الكتاب يقدِّم في جانب من جوانبه إضافةً ثقافية للرؤى المطروحة في المشهد، وفي جانب آخر يحمل ذاكرة قريبة عن بدايات الأدب المحليّ الحديث، وفي جانب ثالث يُوَحِّدُ ما بين الشاعر محمد الحرز والناقد محمد الحرز في بوتقة إبداعية رائعة.