أثار تصريح الناقد والكاتب عابد خزندار حول النقاد الذين لا أهمية لهم، والذين جاؤوا بعد عبدالله الغذامي وسعد البازعي، استياء عدد من النقاد الشباب، الذين يحضرون منذ سنوات في المشهد الثقافي، ويحاولون أن يقدموا رؤية جديدة، مهما اختلف معها الآخرون. وكان خزندار قال أخيراً في أحد حواراته إن الحراك الثقافي والنقدي كان في مرحلة الثمانينات أكثر فاعلية بوجود الغذامي وسعد البازعي، لكنه اليوم، كما يرى عابد خزندار، «لا يجد حراكاً في ظل تراجع الغذامي عن أفكاره الأولى، إذ بات يكتب أشياء غير مهمة»، أما عن البازعي فيقول إنه «أخرج كتاباً قيماً»، فيما الباقون، «لا أهمية لهم». وقال الناقد سلمان السليماني ل«الحياة»: «إن الحركة النقدية بالنظر إليها كفاعلية ليست بمعزل عن اعتمال منظومة الكتابة، بما أنها فعل يعبر عن الحصيلة المعرفية والفكرية والثقافية لدى المجتمع أو الوسط الإبداعي، الذي يسبب ظهور هذه الفاعلية النقدية التي تشتغل بالنص كنتاج يبشر ببزوغ مشاريع نقدية مُرضية، أو بالحراك الثقافي كنظم إنتاجية مجتمعية. وفي تصوري أن بقاء الإنتاج الكتابي والإبداعي المتزامن مع اشتغالات النقاد، خارج نطاق الإيقاع العميق والمؤثر للصيغ الإبداعية المرجوة يسبب ارتباكاً ظاهراً لعملية تصدير المشاريع النقدية البارزة، ذلك أن عمق الكتابة النقدية وارتقاء حضورها مرهون ببروز القضية المحرضة، سواء أكانت على مستوى النص الذي من المفترض أن يشكل مفهوم التعبير عن المجتمع واشتغالاته الثقافية والحضارية أم بالنظر إلى الحراك الثقافي كفكرة لازمة يجب أن تؤكد وجود المجتمع وتثبت وجوده». ويعتقد السليماني أن ما أراد أن يقوله الناقد عابد خزندار «هو أن الرموز النقدية تشاغلت عن القضايا النقدية الحقيقية بالصيغ الاجتماعية الرائجة وبالقضايا الجماهيرية التي تخضع لمفهوم السوق، وذلك كرد فعل طبيعي لغياب القوالب الإبداعية المتمكنة أو لعجز فكري ونقدي وإبداعي عن سبر أغوار المنظومات الفكرية والاجتماعية القادرة على التبشير بمشاريع نقدية ذات قيمة عالية، فانصرفت العقول النقدية والإبداعية بعيداً عن إنتاج حضور ثقافي فاعل ومجد. كما أشير أيضاً وفي السياق نفسه، إلى أن النقد المحلي عجز حتى الآن وعبر تاريخه، عن انتزاع الصيغ المخبأة في هامش الأفكار المبهرة بحضورها الصوري المفرغ من أية قيمة معرفية أو فكرية أو فلسفية قد تؤثر في صميم نمو المجتمع، إذا ما اعتبرناه صيغة تمثل مجموعة من النصوص المتولدة من ممارساته المتنوعة على شكل تفاعل ثقافي أو فني». ويرى الشاعر والناقد حامد بن عقيل أن مثل هذه الأفكار «غريبة على أستاذنا خزندار، فلم أكن أعلم أنه ممن يميلون لإطلاق الأحكام بهذه السهولة. يبدو في ثقافتنا المحلية أننا لا نستمر في العمل حتى النهاية، نتقاعد باكراً ونتوقف عن المتابعة ثم نجلس على منصة الإفتاء،غريب ما قرأته، وليتني ما قرأت لعابد خزندار مثل هذا الحكم لأنه صادم بالفعل، بالطبع الأمر ليس صادماً لو صدر ممن سواه، كأن يصدر ممن كتب شهادات مشوهة عن الحداثة في السعودية، وكأنها كانت تخرج من فناء بيته بكل نتاجها!». وقال عقيل: «يبدو أن أستاذنا عابد خزندار ترك القراءة منذ أمد بعيد. بالمناسبة، أدعو مثقفينا للاهتمام بالمنتج لا بالأسماء كي لا يقعوا في ما يقع فيه الآن بعض من مبدعي وكتاب أجيال سابقة». هناك صفحة قراء أهم من صفحات الثقافة في بعض الأحيان، وبإيمانكم بذلك ستتجنبون مأزق الجلوس في آخر العمر والإفتاء من منطلق الحنين لعهد «بائد» لا من منطلق ثقافي قرائي مرافق للمنتج الأدبي من دون توقف وبشكل مستمر. أخيراً، المثقف لا يعتزل ويكتب مذكراته، فذلك أمر لا يليق به، بل بنجوم الضوء الذين اشتهروا لمهارات أجسادهم وتثنيها وليونتها فقط وليس أفكارهم». وأوضح الناقد علي فايع الألمعي الأسباب التي يعتقد أنها جعلت أصوات بعض نقاد الثمانينات تبدو صاخبة وعالية، إذ يقول: «هناك أسباب كثيرة ساعدت في حضور الأسماء البارزة في الثمانينات، ولعل من أهمها الصراع الذي كان بارزاً بين الحداثة والمعاصرة ودخول الدين طرفاً في هذا الصراع، فلم يعد النقد بوصفه درساً أدبياً فقط بل أصبح النقد وسيلة يستخدمها الناقد كي يوصل رسالته النقدية، ويستخدمها رجل الدين المعارض للحداثة وأهلها كي يوصل هو الآخر رسالته التحذيرية، بالنقد الفج والتحليل الناقص وربما المتخيل، ربما يكون هذا السبب واحداً من أبرز العوامل التي ساعدت في بروز أسماء نقدية مثل الغذامي الذي واجه بما يكتب عن الحداثة تياراً دينياً أخذ منه الكثير وأعطاه الكثير». ولفت الألمعي إلى أنه لم يعد للنقد اليوم «عدوّ متخيّل أو عدو ظاهر يساعد في بروز اسم أو أسماء، فالهموم اختلفت، والعداوات التي تخلق إنتاجاً تلاشت والأندية الأدبية التي كانت تتبنّى هذه الإشكالات لم تعد راغبة في خلق تلك الأجواء والعمل على إبرازها، وكذلك النقاد الذين كانت أعمالهم تبدأ من أفعال صاخبة أصبحت اليوم تؤثر العمل الفردي البعيد عن الصخب والضوضاء والحوار الجاد، لأنها تبحث عن قارئ عادي متفق أكثر من بحثها عن قارئ معترض لا تقبل به ولا تسمع رأيه». وقال: «اليوم أعيد قراءة منتج بعض تلك الأسماء التي برزت في الثمانينات فأصاب بدهشة كبيرة حين أجد بعض تلك الأسماء البارزة في النقد لا تقبل اليوم الاختلاف، ولا تصمد أمام وجهات النظر المحتجة، وأسأل: هل كانوا يفعلون ذلك من قبل؟ أعتقد أن السبب الرئيسي في الانتشار والذيوع لتلك الأسماء هو الاحتجاج الصاخب الذي كان، والمختلف عنه اليوم أن لدينا أسماء نقدية تختلف عن تلك الأسماء في الحضور والثقافة والدراسات والمشاريع، لكن الفرق أن صخب الحاضرين أقل وتجاوبهم الهادئ والهادف مع المختلف أكثر عملية وقبولاً».