و.. بالعامية: (البطرانين) ممن يصح عليهم المثل القائل: «إللي عنده قرش ومحيّره يشتري حمام ويطيّره»! أي أن لديهم فائضا من المال ينبغي أن يصرف أيا كانت أوجه الصرف. وهو ما يسمى ب (الإنفاق للإنفاق). ولو كان عندي من المال ما يحيرني صرفه لما اشتريت حماما وطيّرته. فالحمام أَلُوْف، «وحنينه دوما لأول منزل». أي أنه سيعود إلى بيت البائع الذي سيعرضه علي مرة أخرى، وسوف أبدوا في هذه الحال مغفلا. كما أنني لن أدخل مزادا شبيها بالمزاد الذي أقامته إحدى محطات الإذاعة بمدينة أتلانتا الأمريكية حيث عرضت ساندويتشا مقضوما أكلت نصفه الفنانة ماريا كاري.. أي أنه من قبيل الفضلات. وذلك شيء مقزز. ومن المؤكد أنني لن أشارك في مزاد تعرض فيه مقتنيات الجبابرة. لن أقتني قلنسوة قراقوش، ولا قبعة ستالين، أو سترة هتلر، أو حذاء موسوليني، ولا أي أثر من آثار نظرائهم من العرب والعجم والبربر. فشطيرة ماريا كاري المقضومة أقل إثارة للتقزز من تلك المقتنيات المرتبطة بذكرى الممارسات المروّعة لأولئك المشاهير. «للكلاب حظوظ» كما يقال. ومع تقديري للنوايا الخيرة لجمعيات حقوق الحيوان، لكن لو كان عندي من المال ما يحيرني صرفه لما فتحت حسابا مصرفيا بمبلغ 12 مليون دولار لكلب أو كلبة كما فعلت المليارديرة البخيلة (ليونا هلمسلي) لكلبتها المسماة (ترابل)! ولما اشتريت تذكرة سياحية إلى القمر، مادام أهل الأرض بأمس الحاجة إلى تلك الأموال. هنالك أوجه أخرى للصرف لا تتعارض مع مبدأ شراء الحمام وتطييره ولكن بطريقة غير عبثية. يمكن، على سبيل المثال، أن أخالف (مبيريك) في مسرحية (باي باي عرب)، فأقتني صديري ابن سينا، أو بشت المتنبي، أو حتى حافر عنز غاندي. إذا كانت عائدات المزاد ستصرف على المحتاجين. يبدو أن كل شيء قابل للبيع في هذا العالم الزاخر بالمفارقات، فقد عُرضتْ، أو سوف تُعرض، مقتنيات غاندي المتواضعة في المزاد العلني، ومنها نظارته وساعة جيبه ونعاله. وقد اعترضت وزارة الثقافة الهندية على بيع تلك المقتنيات باعتبارها إرثا قوميا. ولا أعلم إن كان الاعتراض قد قبل أم رفض. ما أعلمه أن غاندي قد حرم أولئك البَطِرين من قيمة فردة الحذاء التي رماها وهو يصعد إلى القطار، حين تركها لمن يعثر عليها من الحفاة: كان غاندي يحاول اللحاق بالقطار، وعند صعوده سقطت فردة حذائه، وقد بدأ القطار يسير فخلع الفردة الثانية ورماها بجوار الأولى، وحين سأله الأصدقاء تفسيرا لذلك، قال: أحببت للفقير الذي يجد الحذاء أن يجد فردتين فينتفع بهما، لأن فردة واحدة لا تفيده! عالم البَطِرين ومزاداتهم حافل بالعجائب، وبحكايات بعضها مقبول، وبعضها مثير للاشمئزاز. لذلك يمكن التمييز بين تلك المزادات التي لا ينتفع بعائداتها أحد، وتلك التي تخصص عائداتها للمؤسسات الخيرية. فالثري الذي يشارك في ذلك المزاد لا يدفع تلك المبالغ الخيالية من أجل قبعة أو نظارة أو فستان، وإنما لهدف أكثر وجاهة ونبلا. هدف لا يصح عليه المثل القائل: «إللي عنده قرش ومحيّره يشتري حمام ويطيّره»! [email protected]