يقف لبنان عند عتبة الشغور في سدّة الرئاسة، بعد تعذر الاتفاق على رئيس توافقي يحظى برضى قوى 8 و14 آذار، اضافة الى الوسطيين، وان كان هذا هو السبب الظاهري لتخلف اللبنانيين عن انتخاب رئيس جديد للبلاد، يبقى للحسابات الداخلية الاقليمية الدولية الحصة الأكبر، خصوصاً أن الاستحقاق الديموقراطي أُدخل في لعبة غير ديموقراطية، بعد تمنع النواب عن تأمين النصاب القانوني لجلسات انتخاب الرئيس، اضافة الى ظهور ترشحيات علنية وغياب ترشحيات أخرى، بقيت في خانة "الطموح بالوصول الى بعبدا"، والتي كانت قد احدثت انقلاباً في المشهد السياسي وأطفت ديموقراطية كبيرة على هذا الاستحقاق لو ظهرت الى العلن. ويعقد مجلس النواب اليوم جلسة جديدة للانتخاب، يتكرر فيها سيناريو الجلسات السابقة بتعطيل النصاب ليتكرس عمليا الفراغ الرئاسي، رغم كل الكلام عن خطط للتمديد او مفاجآت الساعة الاخيرة التي تترجم حركة اتصالات خارجية. وقال رئيس "اللقاء الديموقراطي" النائب وليد جنبلاط، عن جلسة اليوم وامكان انتخاب رئيس للجمهورية: ان "ما ورد في بيان تكتل الاصلاح والتغيير لا يوحي بالمشاركة والحضور، وهذا أمر غير مشجع". وماذا بعد؟ "للأسف سندخل منذ الان في الفراغ". وعما إذا كان الفراغ اصبح حتمياً، قال: لا يوجد فراغ، إنما شغور، والأرجح أنه حاصل الى أن يتم التوافق على مرشح تسوية، ونحن مرشحنا تحت هذا السقف هو النائب هنري حلو. وأضاف: لميشال عون وسمير جعجع الحق بالترشح، لكن وضعنا لا يحتمل إلا الرئيس التسوية؛ لأن لبنان محكوم بالحوار والتوافق. وقال النائب آلان عون ل"السفير": إن ظروف التوافق على ترشيح العماد عون "لم تنضج بما فيه الكفاية محلياً واقليمياً، لكن هذا لا يمنع من استمرار الاتصالات مع تيار المستقبل، ونحن نرى أنه لا تزال هناك إمكانية لتبنّي ترشيح عون، لكن علينا الانتظار حتى تنضج الظروف". من جهته، قال رئيس مجلس النواب نبيه بري: ان "ما أخشاه هو قيام الخارج بتدخل حقيقي بعد 25 مايو الجاري، في شكل مباشر وواسع يطاول صميم عملية انتخاب رئيس للبلاد". وأكد ان "لا معطيات جديدة في مسار الاستحقاق، واذا لم يكتمل النصاب في جلسة اليوم، وتبعاً لأي تطورات مشجعة، أدعو الى جلسة يوم غد الجمعة وقبل موعد صلاة الظهر، وكنت في صدد توجيه دعوة الى جلسة السبت، لكن الرئيس ميشال سليمان يقيم احتفالاً في هذا اليوم. وإذا تبينت ان الاتصالات والمشاورات الجارية ستصل الى قواسم مشتركة وايجابية، فلا مانع لدي من عقد جلسة قبل منتصف ليل السبت - الاحد موعد انتهاء المهلة الدستورية". الفراغ إلى تموز وسألت "النهار" مصادر سياسية مواكبة للمجريات، فأوضحت ان الفيتوات التي تعوق تقدم اي من المرشحين من خارج الاربعة الكبار بدأت تتراجع، تمهيدا للانتقال الى المرحلة الثانية التي تبدأ بعد 25 مايو الجاري، وان التفاوض سيجري على الثمن في مقابل التنازل عن الترشح. وأفادت مصادر أخرى واكبت لقاءات باريس، بأن المناقشات في شأن الاستحقاق الرئاسي لا تزال في مربعها الاول وحيث انتهت جلسة الانتخاب الاخيرة. قال رئيس مجلس النواب نبيه بري: إن "ما أخشاه هو قيام الخارج بتدخل حقيقي بعد 25 مايو الجاري، في شكل مباشر وواسع يطاول صميم عملية انتخاب رئيس للبلاد". وأكد ان "لا معطيات جديدة في مسار الاستحقاق، واذا لم يكتمل النصاب في جلسة اليوم، وتبعاً لأي تطورات مشجعة، أدعو الى جلسة يوم غد الجمعة وقالت مصادر في قوى 14 آذار ل”النهار”: إنه تبين للنواب العونيين وحلفائهم في نهاية المطاف، أن كل ما أشيع في الأسابيع الاخيرة عن احتمالات انتخاب العماد ميشال عون رئيساً توافقياً لم تثبت صحته. وتاليا لم يعد النزول إلى جلسة الانتخاب في مجلس النواب يستحق الجهد. وبدأ الجميع يلمسون ويا للأسف، أن العد العكسي لدخول لبنان الفراغ سيبدأ الخميس”. وأضافت: “نحن ضد تسخيف الفراغ. والكلام على أن الحكومة متماسكة ويمكنها إدارة البلد وملء الفراغ وأن مجلس النواب يظل قادراً على التشريع للقضايا الطارئة، لا يريح كثيراً”. اللبنانيون مستاؤون ووسط هذه الصورة وعشية الجلسة الأخيرة (ضمن المهل الدستورية) لانتخاب الرئيس، سألت "اليوم" عددا من اللبنانيين، عن موقفهم من الشغور في سدة الرئاسة، وما هي مخاوفهم تجاه هذا الموضوع، حيث أكد محمد (28 عاماً)، أن "من غير المنطقي عدم توافق القوى السياسية على رئيس جديد، فهل يعقل أن يكون لبنان من دون رئيس؟!"، مشدداً على انه "كان يتوجب على النواب ان ينتخبوا رئيساً، فنحن اوكلانهم هذه المهمة، وهذا واجب لا يخضع للمساومة والتسويات". وأوضحت عبير (24 عاماً)، ان "هنالك أسماء وشخصيات كثيرة تصلح لرئاسة الجمهورية"، معتبرة ان "هنالك عوامل كثيرة تحكم هذا الاختيار"، متهمة "حزب الله" بإيصال لبنان الى الفراغ". أما سلمى (31 عاماً)، فاعتبرت ان "لطالما كان لبنان مرهوناً للخارج، واليوم يتأكد ذلك، فعلى الرغم من اننا تحررنا من زمن الوصاية، الا اننا لا نزال عاجزين عن اختيار رئيس لبلدنا لبنان". ولفت زين (21 عاماً) الى انه "كان من الواضح ان الفراغ سيخيم على قصر بعبدا، وكل المشاورات والاتصالات وجلسات الانتخاب ما هي الا "لزوم الدعاية والتسويق"، قائلاً: "لن نقبل بعد اليوم أن نصبح مسيرين لحسابات خارجية، والرئاسة في لبنان، لن تنتظر احد وعلى الشعب أن ينتفض ليبقى لبنان". فيما رأى سيرج (34 عاماً) ان "برئيس او بدون رئيس، ما يهمنا هو ان نعيش في سلام وتعود الحركة الاقتصادية ويعم الاستقرار الامني على كامل الاراضي"، قائلاً: "لا نريد حرباً بعد اليوم مع أحد، نريد ان نعيش بسلام وامان". الطريق مسدود واوضح أمين سر حركة "التجدد الديموقراطي" أنطوان حداد، في حديث خاص ل"اليوم"، ان "كل الاحتمالات واردة في لبنان، إنما التحليل المنطقي وتحليل موزاين القوى وطبيعة العلاقات بين الناخبين الأساسيين والمرشحين، توحي أن انتخاب رئيس للجمهورية لا زال في طريق مسدود، وبالتالي من الصعوبة بمكان توقع أن تؤدي جلسة 22 أيار/مايو الى انتخاب رئيس جديد"، متوقعاً "عدم تأمين النصاب في ذلك التاريخ"، قائلاً: "يبدو ان التوقع الأكثر منطقياً يشير الى انه في 25 أيار، لن يكون هناك من رئيس لبناني جديد". وحول دستورية اقتراح البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس، الراعي ببقاء الرئيس ميشال سليمان في القصر الجمهوري، حيث يقوم بتصريف الأعمال لحين انتخاب الرئيس الجديد، اعتبر حداد ان "البطريرك الراعي جدي في هذا المسعى، حيث تسنى لي الاطلاع مباشرة على موقف رئيس الجمهورية اليوم اثناء لقائي به، ووجهة نظره الثابتة على هذا الصعيد، انه يقدّر موقف كل من يسعى الى هذا الامر، انطلاقاً من الرغبة في عدم احداث فراغ، لكنه غير مهتم بهذا الخيار من حيث معاكسته للدستور، وبالتالي انه غير معني بهذا الموضوع، رغم تقديره للمنطلقات التي ينطلق منها البطريرك ويحظى فيها الراعي بتشجيع من قوى كثيرة محلية وخارجية"، الا انه يعرب عن اعتقاده ان "هذا الامر لم يعد خياراً حقيقياً من حيث الواقعية". وعن مشهد صورة القصر الجمهوري في بعبدا في حال الشغور، اضاف حداد: "لا شك انه محزن، وهو يفتح على آفاق سلبية، فلا أحد يمكنه ان يسعد بهذا الواقع بعد 25 ايار/ مايو وشغور المنصب"، معتبراً ان "وجود حكومة تتمتع بقدر كبير من التوافقية وتتمثل فيها معظم القوى السياسية، يعطي نوعا من الطمأنينة الجزئية ولو كانت غير كافية، لعدم ذهاب الامور الى السلبية والتردي الامني، رغم ان اللبنانيين توجسوا البارحة من تجدد الاشتباكات في طرابلس، ولكن وضع حد سريع لها كان بمثابة مؤشر على ان الامن على الاقل ما زال نقطة توافق، حتى لو كان اللبنانيون عاجزون عن التوافق السياسي حول الرئيس الجديد". وتابع: "السؤال الذي يطرح بعد 25 ايار، ما هو المتغير الذي يمكن ان يحدث كي يتم الخروج من المأزق الحالي؟، هذا ما يقلق اللبنانيين، انه لا توجد فترة محددة أمام ملء الشغور". واشار الى انه "مرة جديدة تثبت القوى السياسية في لبنان، عجزها عن لبننة الاستحقاق الرئاسي الذي هو أهم استحقاق في النظام الديموقراطي، وهذا يعود الى عمق الارتباطات الخارجية لبعض القوى، وخصوصاً القوى المتورطة في النزاع السوري، والتي زادت من عمق تورطها في السنوات الماضية، بدل أن تخففه، وبالتالي زادت من دورها الاقليمي على حساب دورها المحلي"، مشدداً على ان "هذا هو السبب الرئيسي للفراغ او الشغور او العجز عن الانتخاب، بمعزل عن كل ما يجري على المسرح الظاهري الذي يتصل بهذا المرشح او ذاك، وهذه تبقى مسألة ثانوية قياساً بالاعتبارات الاقليمية التي تحرك اللاعبين الاساسيين".