أكد الباحث والكاتب د. عبد الرحمن الحبيب أن للإنترنت «تأثيرات اجتماعية ونفسية لم تدرس بعد، رغم أنها جعلت الحياة أسهل أسرع ألطف وأعلى كفاءة وفعالية وأكثر متعة». الإنترنت ساعدت على الانعزال والانفراد وقال: «أصبحنا نقضي وقتاً وحدنا أطول مما مضى، حتى عندما نكون في المقهى مع (اللابتوب) نحن مع الناس ولسنا معهم، فالحياة أصبحت أكثر داخلية، وأصبحنا نعيش أكثر داخل أدمغتنا.. وعندما نكون وحدنا في المنزل فإننا بالإنترنت نتصل بالناس وبالعالم أجمع». وأوضح أن «هذه الحالة المتناقضة أدت إلى أن يكون للإنترنت تأثيرات مزدوجة تجمع نقيضين في وقت واحد، فهو يساعد على تشظي مؤسسات المجتمع وتفتيتها إلى خلايا صغيرة، وفي الوقت ذاته يعمل على تسهيل تواصلها وسرعة تجمعها في مؤسسات كبرى. وهو يكسر طوق العزلة للأفراد والجماعات وأيضاً يساعد على الانعزال والانفراد. وهو أكبر مصدر للمعلومات السليمة المفيدة ولكنه أيضا أكبر مصدر لترويج الإشاعات والأكاذيب.. أسقطت الحدود بين الواقعي والوهمي، بين عالم التحقق والعالم الافتراضي، بين الشأن العام والخاص».= ولفت الحبيب إلى أن الإنترنت بات «فضاء يجمع التناقضات في لحظة واحدة في مكان تخييلي واحد. إلا أن أهم ما يمكن تسجيله هنا هو.. طغيان معيشة الناس فرادى معزولين أصبحت من مظاهر هذا التوجه، وكذلك مأساة تكرار مظاهر العنف». وقال إن الإنترنت «داعم للانفتاح والتسامح وفي الوقت نفسه أعظم داعم للتشدد والتطرف، فهو يوفر مساحة لا محدودة ولا مشروطة من حرية النقاش وتداول المعلومات لجماعات متفرقة حول العالم»، موضحاً أن العديد من الدراسات والتقارير تشير إلى «نجاح تنظيم القاعدة وتنظيمات العنف الأخرى في استغلال الإنترنت، لنشر أفكارها، وتحقيق التواصل بين منظماتها ونقل المعرفة الخاصة بكيفية تصنيع المتفجرات وجمع التبرعات». ويوضح أن التقديرات تشير إلى أن «ما بين 4500 و ستة آلاف موقع إلكتروني داعم للمنظمات الإرهابية»، التي تستغل افتقار الإنترنت للضوابط التشريعية. ورأى أن «طريقة التعامل الحالية مع الإنترنت تجعل هناك سمتان ظاهرتان في التثقيف الإنترنتي، وهما الثقافة الشعبوية والثقافة التجارية»، موضحاً أن «الأعمال الثقافية الأكثر انتشاراً في الإنترنت تعتمد على معيار واحد وهو أن تنال الشعبية»، التي تتطلب التوسع في الأكثر إغراء وجاذبية للعموم. وتابع: «أن تكون شعبياً يعني أنك مادة إعلان في ثقافة الإنترنت، ويعني أن أفكارك ومشاعرك وخصوصياتك الدقيقة سلعة تباع في السوق، ومن ثم تظهر الثقافة التجارية». وقال إن «هناك من يحذر من التوسع في الثقافة الشعبية لأنها تهدد الذائقة الفنية وتعرقل الإبداع والابتكار، كما أنها تمهد الطريق للاستبداد عبر توحيدها الأذواق وتبسيطها للمعايير من خلال الفهم المباشر للأعمال الثقافية، بينما على النقيض، هناك من يرى أن الثقافة الشعبية غنية ومتنوعة وتنتج في نهاية المطاف أعمالا جادة مبدعة»، مختتماً حديثه بأن الأمر أيا كان «فإن الخطورة هو في هيمنة الثقافة التجارية، فالمثقفون يشكون بالثقافة التجارية لأنهم يخشون أن تفقد الثقافة استقلاليتها أمام الاندفاع التجاري بأحكامه السريعة وتحيزه لإرضاء المستهلكين ومجاملة الجماهير، التي قد تؤدي إلى سيطرة الغوغائية».