سجل اقتصاد مملكة البحرين خلال العامين الأخيرين نموًا ملحوظًا بقفزات ثابتة ضمنت للبحرين تحقيق الريادة في المنطقة والعالم على الرغم مما تمر به الكثير من دول العالم من أزمات اقتصادية . وقدم النمو الاقتصادي للبحرين مثالاً حيًا للجهود التنموية المبذولة لتحسين مؤشرات الأوضاع الاقتصادية فقد شهدت البحرين في غضون فترة قصيرة نسبيًا عدة قفزات هائلة جسدت تعافيها الاقتصادي ونجاحها في التعاطي مع متطلبات خطط النمو الطموحة التي وضعتها ومشروعات التنمية التي حددتها. واستعادت مملكة البحرين خلال العامين الماضيين موقعها الرائد كمنطقة جاذبة للاستثمارات الخليجية والعربية والدولية واستطاعت بأجوائها الآمنة والمستقرة أن تجتاز وبنجاح تداعيات مرحلة طالت كل دول العالم تقريبًا سواءً بسبب الأزمة الاقتصادية الهيكلية للنظام الدولي أو بسبب التطورات التي تشهدها دول الشرق الأوسط. وتدعم هذه النجاحات خطط البحرين في المستقبل المنظور والبعيد نحو بذل مزيد من الجهد من أجل التطوير والبناء وتحقيق حلم قيادتها الطموح ورؤيتها المشرقة لعام 2030م. وتتعدد البراهين الدالة على هذه النجاحات والتطور ومنها وصول معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 5 % تقريبًا في عام 2013م مما يؤكد تضاعف نشاط الاقتصاد الوطني وتحسن أداء قطاعاته المختلفة وعودة البحرين إلى مسارها الطبيعي للتعافي وللنمو في القطاعات كافة وتزايد ثقة المستثمرين بالسوق المحلية بعد عودة الكثير منهم إلى البحرين وضخ رؤوس أموالهم في الاستثمارات والقطاعات الحيوية. كذلك يبرز التقرير الأخير الذي أصدره صندوق النقد الدولي حول اقتصاد مملكة البحرين وبيّن أن التحسن الحاصل في المؤشرات الاقتصادية الوطنية لا يعود إلى عام 2013م فحسب بل لأعوام سابقة أيضًا خاصة منذ انتهاء تداعيات أحداث عام 2011م في إشارة إلى الإجراءات والجهود التي بذلت فور انتهاء هذه الأحداث مباشرة وأدت إلى تحقيق معدلات نمو تراوحت بين 2.1 و 4.8 عامي 2011م و2012م على التوالي وكفلت تحقيق نتائج إيجابية كثيرة سواء على صعيد تزايد الإنفاق الحكومي بوصفه قاطرة النمو في البحرين أو على صعيد تحسن أداء القطاعات غير النفطية في ظل الاهتمام الذي توليه الحكومة البحرينية لها بوصفها تجسد المبادرات الفردية والأهلية التي يمكن أن يقودها القطاع الخاص الوطني الذي ينمو ويزدهر في ظل ذلك الاهتمام. وتتجسد أبرز ملامح التحسن في مؤشرات الوضع الاقتصادي البحريني بالنظر إلى تحليل وتدقيق الأرقام والإحصائيات التالية : صعود معدلات النمو : المطلع على الكتاب السنوي لمجلس التنمية الاقتصادية وتقريره الربع سنوي الصادرين مؤخرًا، يخلص إلى عدد من المؤشرات تبرز العديد من النجاحات المحققة، حيث خلصا هذان التقريران بعد مراجعة وتحليل عميقين للقطاعات الإنتاجية المختلفة إلى أن الاقتصاد البحريني شهد زخمًا وتوسعًا ونموًا في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5 % في عام 2013م، وقدرة على استضافة أكثر من 400 من المؤسسات المالية، فضلاً عن قيام العديد من الشركات بإنشاء مقرات لها في البحرين خلال العام الماضي. وازدادت نسبة مساهمة القطاعات غير النفطية من 2.5 % في الربع الثاني عام 2013م إلى 3.0 % في الربع الثالث من العام نفسه، وهو ما يعني تجاوز متوسط النمو العالمي بفضل الأسس الاقتصادية الصلبة التي يقوم عليها، ويبشر بمعدلات أفضل لتصل إلى حوالي 4 % في العام الجاري إضافة إلى ارتفاع إجمالي العمالة في القطاع الخاص بنسبة 6.2 % في الربع الثاني في عام 2013م.
وكان قد ذهب إلى هذا التحسن أيضًا التقييم الأخير لوكالة (فيتش) للوضع الائتماني للبحرين وتثبيته عند درجة BBB مع استمرار النظرة المستقبلية المستقرة للأوضاع ، الأمر الذي أكده كذلك التقرير الأخير لصندوق النقد الدولي، وتجدد ثقة المصارف التجارية في القطاع الخاص، فضلاً عن الطلب المتزايد على الائتمان، مما يعني زيادة السيولة لدى القطاع الخاص، وكذلك على انتشار رقعة الانتعاش الاقتصادي التي يقودها القطاع الخاص الوطني . البحرين والتقارير الاقتصادية الدولية : برز قدر من التحسن في وضع البحرين ضمن التقارير الاقتصادية العالمية، إذ بحسب التقرير السنوي الأخير لمؤتمر الأممالمتحدة للتجارة والتنمية ( الأونكتاد ) عن الاستثمار العالمي في عام 2013م، فإن دول مجلس التعاون ، ومنها البحرين، تمكنت بعد فترة من التراجعات امتدت إلى ثلاث سنوات متتالية من تسجيل ارتفاع طفيف في استقبال تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى دول المنطقة. وصنفت البحرين كأكثر الدول حرية اقتصادية في العالم العربي وجاءت في المرتبة الثامنة من أصل 90 دولةً، وفقًا لتقرير معهد فريزر السنوي للحرية الاقتصادية للعام 2013م. وأحرزت أيضًا أعلى النقاط في التصنيف العالمي فيما يتصل بحرية التجارة دوليًا وأسس تنظيم الأعمال والائتمان وغير ذلك من مؤشرات وضعتها في مقدمة الدول العربية الأكثر حرية من الناحية الاقتصادية ومن ثم الأكثر رخاءً وقدرةً على خلق فرص العمل والحد من الفقر. وحل اقتصاد البحرين في المرتبة ال 12 من بين 177 اقتصادًا عالميًا، والمرتبة الأولى على الدول العشرين الأوائل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وذلك حسب مؤشر الحرية الاقتصادية السنوي الذي تنشره مؤسسة (هيريتاجفاونديشن) وصحيفة ((وول ستريت جورنال))، وهو واحد من التقارير التي تستند إليها تدفقات رأس المال العالمي ناحية دول المنطقة والخليج تحديدًا، كما أن البحرين درجت على الحصول على مراكز متقدمة في تقارير التنمية البشرية طوال السنوات السابقة، والتي تجسد الاهتمام الحكومي بالمورد البشري بوصفه العنصر الحاسم في قوة العمل المحركة للاقتصاد الوطني. الاهتمام بالقطاع الزراعي المحلي : ضمن اهتمامات مملكة البحرين بتنمية رأس المال البحريني ، خاصة في هذا القطاع الحيوي، وبهدف زيادة عدد العاملين فيه بوصفه يمثل بعدًا اجتماعيًا مهمًا ضمن إستراتيجية الدولة لرفع مستوى معيشة البحرينيين وتكوين رأسمالية وطنية متخصصة، وبالرغم من محدودية تأثير القطاع وضآلة عوائده ، لكن البحرين لم تدخر جهدًا في توفير احتياجاته وتقديم الحوافز للمشتغلين فيه، وذلك لضمان حمايته والحفاظ عليه، لا سيما فيما يتصل بالمزارع التي تقوم بتربية الأبقار والأغنام والدواجن وتلك التي تزرع بعض أنواع الخضروات، وتشجيع المزارعين والمربين على الاستمرار فيها . ولعل ما يؤكد هذا المعنى مشروعات الحاضنات الزراعية والبيوت المحمية أو البلاستيكية، وزيادة القروض المقدمة للمزارعين وتيسير التمويل لمشروعاتهم ، خاصة الصغيرة منها ، وشراء منتجاتهم ، وتوفير الدورات التدريبية والدعم اللازم لهم، خاصة فيما يتعلق بمستلزمات الإنتاج الخاصة بمشاريعهم من بذور وأسمدة وغير ذلك . وعملت مملكة البحرين على تنمية الاستثمارات القائمة على الصناعات الغذائية حيث أكدت المؤشرات أن هناك نموا بشكل مطرد، والدليل على ذلك تلقي العديد من الطلبات الاستثمارية للدخول في هذا القطاع الحيوي، وإنشاء عدد كبير من الشركات التي تدعم الإنتاج والاستزراع السمكي والداجن والسكر والتمور وغير ذلك. ولا شك أن الاهتمام بهذا القطاع الحيوي كرافدٍ من روافد الاقتصاد الوطني سيسهم ليس فقط في توفير قدر لا بأس به من الإنتاج المحلي من المنتجات الزراعية، ومن ثم تقليل الاعتماد على الخارج في تلبية الاحتياجات الوطنية الغذائية، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من بعض السلع والمنتجات الزراعية، وإنما أيضًا في توسيع خيارات الاستثمار الوطني لتشمل الإنتاج الزراعي. توقعات مستقبلية مبشرة : توقعات الخبراء والمؤشرات بقدرة الاقتصاد البحريني على العودة إلى مساره الطبيعي والنمو والازدهار، كثيرةٌ ومتعددة، ومن ذلك: 1 ) نمو إصدار السجلات التجارية في عام 2012م بمختلف القطاعات الاقتصادية بنسبة تراوحت بين 6.5 % إلى 48 % وفقًا للقطاع ، هذا بالرغم من قرار وزارة الصناعة والتجارة البحرينية برفع رسوم الإصدار منتصف العام الماضي، الأمر الذي يؤكد قدرة القطاعات الإنتاجية المختلفة على التحسن في الأداء، ونجاح السياسات المالية والنقدية في استقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية. 2 ) تأكيد الخبير في بنك (ستاندرد تشارترد) ماريوس ماراثافتس الذي توقع نموًا بنسبة 5 % خلال عام 2014م، عازيًا ذلك التوقع إلى زيادة إنتاج حقل أبو سعفة النفطي في عام 2013م بنسبة 4.5 % وانفتاح البحرين على الاقتصاديات العالمية مما يعزز من الثقة في أدائها، وهو ما أكدت عليه أيضًا رئيس مجلس إدارة شركة ميد بوينت الشيخة نورة بنت خليفة آل خليفة في تصريح لها أشارت فيه إلى حدوث تطورات نوعية في الاقتصاد الوطني في عام 2013م، سيكون لها مردودها على العام الجاري. 3 ) تأكيد الخبير الاقتصادي عضو الجمعية البحرينية لتنمية الصادرات الدكتور يوسف حامد المشعل بشأن تعافي الاقتصاد البحريني من جميع الآثار التي عصفت بقطاعها المالي والتجاري في السنتين الأخيرتين ، وذلك في إشارة إلى ارتفاع فوائضها التجارية بواقع 7.5 مليارات دولار ونمو الناتج المحلي الإجمالي بواقع 4.2 % بالأسعار الثابتة و 6.3 % بالأسعار الجارية خلال النصف الأول من عام 2013م مقارنة بالفترة نفسها من عام 2012م ، إضافة إلى تدني معدل البطالة عند مستوى 3.6 % لتكون من أدنى المعدلات العالمية وكبح جماح التضخم عند 2.5 % فقط . سياسات حكومية رشيدة : لا شك أن هذه الشهادات والتقديرات المبشرة ترجع إلى برامج وجهود حكومية متواصلة، اقتصادية وسياسية وأمنية، استهدفت وما زالت تستهدف تحقيق أكثر من هدف في مقدمتها تحريك عجلة الإنتاج ومن ثم تنشيط الاقتصاد الوطني وتوفير احتياجات البحرينيين، المعنوية قبل المادية ، فضلاً عن تثبيت حالة الطمأنينة التي بات يشعر بها الجميع، وإطلاق حزمة من المشروعات التنموية التي تسهم في الانتعاش الاقتصادي المطلوب. ولعل من بين أبرز هذه الجهود التي تبدت خلال الفترة الأخيرة : 1 ) حزمة الإجراءات التحفيزية الأخيرة وفي مقدمتها قرار مجلس الوزراء الأخير العمل وفق نظام جديد لرسوم هيئة تنظيم سوق العمل ، وهو القرار الذي كان قد تم تمديد العمل به لأكثر من مرة بهدف إزالة وقْع وتأثير الأحداث على المشروعات المتضررة ومن ثم أيجاد حالة من الطمأنينة في أوساط القطاعات الاقتصادية، وقد جاء هذا الإجراء في سياق تخفيف العبء عن رجال الأعمال والمشروعات المختلفة ومؤسسات القطاع الخاص، خاصة الصغيرة منها، ورفع كفاءتها على تجاوز الصعوبات التي تواجهها، مثلما أشار إلى ذلك رئيس الغرفة التجارية في تصريح له . 2 ) تنويع مصادر الدخل في الاقتصاد الوطني، واستقطاب صناعات أساسية عديدة لا تعتمد النفط والصناعات التقليدية المعروفة موردًا له، من قبيل صناعة الألمنيوم وبناء وإصلاح السفن والحديد والبتروكيماويات وغيرها، وهي الصناعات التي سجلت تطورًا في مؤشراتها ، حيث يشار على سبيل المثال لا الحصر إلى الارتفاع المتواصل في الصادرات البحرينية غير النفطية، التي باتت تشكل 43% من إجمالي الصادرات . والمعروف أن تنويع مصادر الدخل الوطني مكَّن البحرين من النجاح في جذب الاستثمارات الخارجية وإيجاد فرص عمل وإنتاج جديدة أشار إليها رئيس المنظمة العالمية للتنمية المستدامة في تصريح أثنى فيه على ما حققته المملكة من خطوات ملموسة في هذا الشأن، وهو الأمر ذاته الذي أكده بيت الاستثمار العالمي (جلوبل) الذي اعتبر أن الاقتصاد البحريني شهد عام 2012م نموًا سريعًا في القطاع غير النفطي الذي ارتفع إجمالي ناتجة المحلي بحسب بيانات الجهاز المركزي للمعلومات إلى 6.7 % في عام 2012م، مقارنةً ب 1.4 % في عام 2011م. 3 ) إبلاء الدولة اهتمام خاص بكل ما من شأنه طمأنة الشارع ورأس المال، الوطني والأجنبي على السواء، حيث بذلت البحرين كل ما في وسعها لمواجهة الممارسات التي كانت تشكل أمرًا مقلقًا للاقتصاد، وهو ما كان له عظيم الأثر في النجاحات المحققة على المستوى الاقتصادي التي ظهرت في الآونة الأخيرة، وكان غرضها الأساسي زيادة أداء الاقتصاد الوطني بعد شكاوى تجار ورجال صناعة ورأسماليين بعد تهديدات الغلق والحرق التي كانت ترد إليهم، وكان ضحيتها مؤسساتهم الصغيرة والمتوسطة، فضلاً عن العاملين فيها. التفاؤل يسود الشارع : التفاؤل بوضع وأداء القطاعات التجارية والمالية وغيرها في ظل المعطيات القائمة يسهم في الثقة في الاقتصاد الوطني وقدرته على الأداء، وكذلك طمأنة رجال الأعمال ودفعهم لضخ رؤوس أموال جديدة في استثماراتهم ومن ثم توفير المزيد من فرص العمل والحد من التضخم وغير ذلك من آثار إيجابية يجدها ويتلمسها الشارع الآن في كل مظاهر حياته اليومية. ولعل من بين أبرز الدلائل على ذلك انتعاش رحلات السفر من قبل البحرينيين بنسب تصل إلى 100 % مقارنة مع العام الماضي، حسب تصريحات مختصين، ووصول نسبة إشغال القطاع الفندقي إلى أكثر من 90 %، وبلغت 100 % خلال الإجازات الأخيرة، وزيادة حركة المجمعات التجارية بالمقارنة بالعام الماضي، علاوة على ارتفاع معدلات مشاركة المرأة في الاقتصاد الوطني، التي يتوقع أن تنمو بنسبة 5 % لتصل إلى 45.6 % حتى عام 2020م بالمقارنة مع مستواها في الوقت الحالي . يضاف ذلك بالتأكيد إلى استعادة مملكة البحرين لعافيتها في تنظيم المؤتمرات والمعارض والفعاليات المختلفة، حيث تطمح لتكون الخيار الأول في المنطقة في تقديم هذا النوع من الخدمات ذي القيمة المضافة ، من قبيل سباق " الفورميلا 1 " الذي استقطب وحده العام الماضي نحو 70 ألف سائح، وكذلك معرض البحرين للطيران وغيرها من الفعاليات المهمة. ومن الطبيعي أن يوجد كل ذلك الكثير من الفرص للشركات البحرينية وللعاملين فيها ومن ثم للاقتصاد الوطني برمته بوصفه رائدَا في التنويع الاقتصادي على المستوى الإقليمي، والساعي بقوة ليحتل موقعه كمركز مالي راسخ وثابت ورئيس في منطقة الخليج.