يجد الغرب نفسه امام حل مؤلم في الازمة الاوكرانية لا يؤيده، لكنه ربما يضطر الى تقبله في النهاية، وهو التخلي عن القرم لروسيا لانقاذ استقلال اوكرانيا، وأعلن الرئيس الاوكراني الانتقالي الكسندر تورتشينوف ان اوكرانيا ترفض اتباع «السيناريو الذي كتبه الكرملين» لإلحاق القرم بروسيا غير انها لن تتدخل عسكريًا في شبه الجزيرة الانفصالية، فيما استمر حوار الطرشان بين موسكووواشنطن بشأن الازمة، وتوقعت برلين زيادة حدة التوتر في العلاقات بين روسيا والغرب بسبب أزمة أوكرانيا، ودعت أوروبا والمجتمع الدولي الحيلولة دون فرض موسكو الأمر الواقع بأن القرم أصبح تابعًا لها، ودعت مجموعة السبع روسيا لوقف تحركاتها. وفي التفاصيل انتقد الرئيس الاوكراني الانتقالي الكسندر تورتشينوف في مقابلة حصرية اجرتها معه وكالة فرانس برس في كييف الاستفتاء الذي تعتزم السلطات الانفصالية في القرم تنظيمه الاحد حول الالتحاق بروسيا، ووصفه بأنه «مهزلة» تقررت في «مكاتب الكرملين». وقال تورتشينوف وهو أيضًا قائد القوات المسلحة الاوكرانية: «لا يمكننا شن عملية عسكرية في القرم؛ لأننا سنعرض الحدود الشرقية (القريبة من روسيا) للخطر، ولن تكون أوكرانيا محمية» مؤكدًا أن «العسكريين الروس يراهنون على ذلك». وتابع «تم حشد وحدات ضخمة من المدرعات على حدود أوكرانياالشرقية». وأضاف «إنهم يقومون باستفزازنا حتى تكون لهم ذريعة للتدخل على اراضي أوكرانيا، لا يمكننا اتباع السيناريو الذي وضعه الكرملين». وشدد تورتشينوف أن أوكرانيا التي «ستباشر قريبًا تعبئة جزئية لقوات الاحتياط» لن تبقى «مكتوفة الأيدي إزاء استمرار العدوان» مشيرا الى ان الروس «قد يهاجمون وحداتنا العسكرية في القرم ويوسعون عدوانهم على أرضنا، الجيش سيرد». وسئل عن الاستفتاء الذي ستنظمه شبه الجزيرة البالغ عدد سكانها مليوني نسمة، والتي تحتلها القوات الروسية منذ نهاية شباط/ فبراير، فندد تورتشينوف ب«استفتاء لن يجري في القرم بل من مكاتب الكرملين». وقال الرئيس الذي سيغادر منصبه بعد الانتخابات الرئاسية المقررة في 25 ايار/ مايو: «إنها مهزلة، إن معظم سكان القرم سيقاطعون هذا الاستفزاز». وقال: «إن العسكريين لا ينوون تنظيم الاستفتاء، سيكتفون بتدوين أرقام زائفة على محاضر» مكاتب الاقتراع. وذكر أن النيابة العامة وجهت تحذيرات إلى ممثلي السلطة التنفيذية في القرم تدعوهم الى عدم المشاركة في الاستفتاء «غير الدستوري» تحت طائلة ملاحقتهم. وأسف تورتشينوف الذي لا يعترف الكرملين بشرعيته، لعدم قيام اتصالات مع المسؤولين في الحكومة الروسية، وقال: «للأسف إن روسيا تتخلى في الوقت الحاضر عن حل دبلوماسي للنزاع». وتابع «إن الروس يرفضون أي اتصال على مستوى وزارتي الخارجية والمسؤولين» مع أن الأسرة الدولية «تطلب من روسيا بدء مفاوضات سلام». وقال تورتشينوف: إنه يعول على دعم الغربيين «لوقف العدوان الروسي». وقال: إن روسيا «تتصرف كجهة معتدية بدل أن تفي بالتزاماتها» في إشارة إلى «اتفاقية بودابست» التي تضم عدة بروتوكولات وقعت عام 1994 مع الولاياتالمتحدة وبريطانيا في إطار انضمام اوكرانيا الى معاهدة منع انتشار الاسلحة النووية، والتي تضمن وحدة وسلامة أراضي هذا البلد. وقال: «على الولاياتالمتحدة والاتحاد الاوروبي أن يرغما روسيا على وقف العدوان العسكري والاستفزازات ضد أوكرانيا». وأضاف «إن اوكرانيا بحاجة الى مساعدة مهمة، ليس على الصعيد الاقتصادي فقط بل على الصعيد العسكري-الفني» بدون اضافة أي تفاصيل. وأسف أخيرًا لرفض المسؤولين الروس اجراء اي اتصال بنظرائهم الاوكرانيين، وقال: إن «روسيا ترفض ويا للأسف حلًا دبلوماسيًا للنزاع». وأوضح أن «الروس يرفضون أي تواصل على مستوى وزراتي الخارجية والمسؤولين» رغم ان المجتمع الدولي «يدعو روسيا الى بدء مفاوضات سلام». إدانة أمريكية وتبنى مجلسا الكونغرس الامريكي نصين يدينان التدخل الروسي في اوكرانيا، وهي إشارة رمزية، ولكنها قوية وذلك عشية زيارة رئيس الوزراء الاوكراني ارسيني ياتسينيوك الى واشنطن. وأقر مجلس النواب بشبه اجماع (402 مقابل 7) قرارًا يدين «انتهاك القوات العسكرية للاتحاد الروسي لسيادة واستقلال ووحدة اراضي أوكرانيا». ويدعو القرار غير الملزم الحكومة الامريكية الى «فرض عقوبات مالية وتجارية وعقوبات اخرى خصوصًا منح تأشيرات دخول ضد كبار المسؤولين في الاتحاد الروسي، وعقوبات على المصارف والمنظمات التجارية التي تشرف عليها الدولة، وكذلك على وكالات عامة أخرى». ومن ناحيته، أقر مجلس الشيوخ بالتفاهم قرارًا يدين «الاعتداء غير الشرعي من قبل روسيا على اوكرانيا». إغلاق محدود للأجواء وقررت القيادة في شبه جزيرة القرم الموالية لروسيا الحد من استخدام المجال الجوي لشبه الجزيرة لحين الانتهاء من الاستفتاء المقرر يوم الأحد المقبل حول انضمامها لروسيا. وقال نائب رئيس حكومة القرم روستام تيميرجاليي امس الأربعاء في تصريحات لوكالة الأنباء الروسية «إنترفاكس»: إن الهدف من القرار هو الحيلولة دون وصول «استفزازيين» من كييف وغرب أوكرانيا. وكان قد تم قطع العديد من الخطوط الجوية من عاصمة القرم سيمفروبول إلى العاصمة الأوكرانية كييف وإلى مدينة إسطنبول التركية أمس الثلاثاء. تجدر الإشارة إلى أن إسطنبول من المقاصد السياحية المفضلة لدى أفراد أقلية التتار المسلمة في القرم. زيادة حدة التوتر من جهتها جددت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركيل معارضتها لإرسال روسيا جنودها إلى القرم لبسط سيطرتها السياسية والعسكرية، وقالت ميركيل أثناء اجتماعها امس مع أعضاء كتلة المسيحيين الديمقراطيين في البرلمان الألماني: إن على الأوروبيين والمجتمع الدولي الحيلولة دون فرض موسكو الأمر الواقع بأن القرم أصبح تابعًا لها. وتوقع مفوض الحكومة الألمانية للشؤون الروسية جيرنوت إرلر زيادة حدة التوتر في العلاقات بين روسيا والغرب بسبب أزمة أوكرانيا. وقال إرلر امس الأربعاء في تصريحات للقناة الأولى بالتليفزيون الألماني (إيه آر دي): «لا يمكن أن نستبعد تمامًا أن تزداد العلاقات سوءًا؛ لأننا لا نعلم كيف سيتصرف الجانب الروسي». وذكر إرلر أن خطط الكرملين لفترة ما بعد الاستفتاء المقرر في شبه جزيرة القرم الاحد المقبل لا يمكن التنبؤ بها، متوقعًا أن تحاول روسيا فصل أجزاء أخرى عن أوكرانيا. وبحسب رئيس المفوضية الاوروبية جوزيه مانويل باروزو، فقد دعا قادة دول مجموعة السبع أمس روسيا الى وقف كل تحركاتها من أجل «ضم» شبه جزيرة القرم. وقال باروزو امام البرلمان الاوروبي: «إن قادة مجموعة السبع ورئيس المجلس الاوروبي هرمان فان رومبوي وأنا شخصيًا، وفي بيان جديد، سندعو روسيا الى وقف كل تحركاتها لضم جمهورية القرم الاوكرانية المتمتعة بحكم ذاتي». مناورات امريكية وأعلنت البحرية البلغارية امس عن بدء المناورات البحرية المشتركة بين الولاياتالمتحدة وبلغاريا ورومانيا في البحر الاسود. وانضمت المدمرة الامريكية تراكستن وعليها صواريخ موجهة وطاقم من نحو 300 فرد التابعة للاسطول الامريكي السادس، ومقره ايطاليا الى المناورات مع فرقاطة البحرية البلغارية درازكي وثلاث سفن من رومانيا في البحر الاسود. وتجري المناورات بالقرب من شبه جزيرة القرم الاوكرانية المطلة على البحر الاسود. وقال اللفتنات كولونيل ديميتار تيتيف لرويترز: «بدأت التدريبات هذه المرة في موعدها المقرر»، وتأجلت المناورات الثلاثاء يومًا واحدًا بسبب سوء الطقس. وصرح وزير الدفاع البلغاري انجيل نايدينوف ان السفير الاوكراني لدى بلاده ميكولا بلتاجي أبلغه ان المناورات البحرية المشتركة في البحر الاسود التي كان من المقرر ان تقودها اوكرانيا بين 18 مارس و25 ابريل ألغيت. حل مؤلم ويجد الغرب نفسه اكثر فأكثر امام حل مؤلم لا يؤيده، لكنه ربما يضطر الى تقبله في النهاية، وهو التخلي عن القرم لروسيا من اجل انقاذ استقلال اوكرانيا. وهذا التقاسم بين القوى العظمى يفترض ان يكون ضم شبه جزيرة القرم كافيًا لاشباع طموح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لكي يبقى في التاريخ على انه الرجل القوي الذي رمم مكانة روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. مثل هذه الاستراتيجية الرامية الى التهدئة يمكن ان تجعل الرئيس الامريكي باراك اوباما يتعرض لانتقادات، كما انها لن تروق لدول شرق اوروبا التي تخشى على أمنها. ولا تبدو أي دولة عظمى مستعدة لمواجهة روسيا من اجل الدفاع عن القرم، التي كان الزعيم السوفياتي نيكيتا خروتشيف فصلها عن روسيا في 1954 لضمها الى اوكرانيا، ضمن الاتحاد السوفياتي. وفي الوقت نفسه، يريد الغرب ابعاد اوكرانيا عن مجال تأثير موسكو وضمان وجود دولة صديقة على الحدود الغربية لروسيا. واعتبر البروفسور الكسندر موتيل من جامعة راتغرز في نيوارك بولاية نيوجيرسي ان «الغرب يمكن ان يختار ان يصم اذنيه ويصرف نظره حتى لا يرى احتلال القرم، لكن فقط بشرط ان يعترف بوتين بالحكومة الاوكرانية الحالية». وتابع موتيل المنحدر من اوكرانيا «سيتعين عليه تقديم ضمانات صريحة للغرب». وأضاف «مع الاسف انه لا شيء في خطاب او اعمال بوتين يوحي بأنه سيتوقف عند القرم». أما جيمس نيكسي الخبير لدى تشاتهام هاوس في لندن فاعتبر في المقابل انه من المستبعد ان يواصل بوتين توسعه، وقال: إن الرئيس الروسي «حقق الهدف الذي كان ينشده» فقد «سقطت القرم». ويرى بعض المحللين ان بوتين يريد فقط «معاقبة» القادة الاوكرانيين الجدد مع الحفاظ على علاقة عمل ظاهرية مع الغرب. وقال اريك نيلسون من مجموعة «يوني كريدت» الايطالية: انه «بنظر روسيا، فان خسارة النفوذ على اوكرانيا شيء والتخلي عن القرم وبالتالي عن الوصول الى احد الاسطولين الاساسيين في بحريتها شيء اآخر لا يمكن تقبله بسهولة أبدًا». وتابع نيلسون ان بوتين ان كان يريد «معاقبة اوكرانيا بصفتها دولة على ميولها نحو الغرب» الا انه لا يريد ان «يتجاوز التوتر الذي لا يمكن تفاديه مع الغرب مستويات مقبولة على الصعيدين السياسي والاقتصادي». الا ان غالبية المحللين يعتقدون ان الغرب لن يعترف أبدًا بعملية الضم، ولو تقبلها ضمنًا بحكم الامر الواقع. ويرى ستيفن بايفر الباحث لدى معهد بروكينغز في واشنطن ان غياب تنديد عام لضم القرم سيشجع بوتين على التدخل بشكل اكبر في شؤون اوكرانيا ودول اخرى من الاتحاد السوفياتي. وأضاف بايفر السفير الأمريكي السابق في كييف «سيخطئ الغرب بتقبل ضم القرم على أمل ان يدع بوتين باقي اوكرانيا بسلام».