يبدو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دخل مواجهة مباشرة مع الغرب لا يستطيع أحد أن يحسب عواقبها ومخاطرها المتزايدة؛ وذلك بعد النداء الذي وجهه اقليم القرم مطالبًا بالانضمام الى روسيا. وقد منح تصويت برلمان القرم بوتين الفرصة لتكون له اليد العليا في أزمة أوكرانيا، لكنه يمثل مجازفة باستعداء الزعماء المؤيدين للغرب في العاصمة الأوكرانية كييف الذين رفضوا اللجوء للعمل العسكري أو زيادة التوترات في جنوب البلاد وشرقها حيث اللغة السائدة هي الروسية. وقال جليب بافلوفسكي أحد المعاونين السابقين في الكرملين (قصر الرئاسة في موسكو): «نحن عند نقطة في غاية الخطورة. هي تنذر بدفع الأزمة السياسية في اتجاه وضع عسكري». وأعلن رئيس الدوما (مجلس النواب في روسيا) أمس أن البرلمان الروسي سيحترم «الخيار التاريخي» للقرم في الاستفتاء الذي ستجريه حول إلحاق شبه الجزيرة الاوكرانية بروسيا، وقال سيرغي ناريشكين خلال لقاء في موسكو مع وفد من برلمان القرم: «سنحترم القرار التاريخي لشعب القرم»، ملمحًا بذلك الى ان البرلمانيين الروسي سيصوتون لمصلحة الحاق القرم بروسيا. وليس لدى زعماء أوكرانيا (الجدد) أي شك في من يقف وراء التحركات الأخيرة في القرم بما في ذلك الدعوة لاستفتاء يقرر ما إذا كان يجب إعادة شبه الجزيرة المطلة على البحر الأسود التي تقطنها أغلبية روسية الأصل إلى روسيا. وقال أولكسندر تورتشينوف القائم بأعمال الرئيس الاوكراني في العاصمة كييف: "»هذا ليس استفتاء. إنه مهزلة. تلفيق وجريمة ضد الدولة ينظمها جيش الاتحاد الروسي». وبهذه الخطوة يرد بوتين في وجوه الدبلوماسيين الغربيين حجتهم أنه لا بد من قبول الاطاحة بالرئيس السابق فيكتور يانوكوفيتش الذي كان يحظى بتأييد موسكو في 22 فبراير شباط لأنها رغبة الشعب. والآن علي الغرب أن يقبل برغبة شعب القرم. ورأس بوتين اجتماعًا لكبار المسوؤلين في مجلس الأمن الروسي الخميس دون أن يبدي اهتمامًا باضطراب الأسواق الروسية وإصرار كييف على أن الاستفتاء على وضع القرم غير قانوني. وبعد المطالبة بالانضمام للاتحاد الروسي قال الزعماء المؤيدون لروسيا في القرم والذين تولوا الأمور بعد أن استولى مسلحون يتحدثون الروسية على البرلمان المحلي: إنهم سينتظرون رد بوتين للدعوة لاجراء استفتاء على وضع الاقليم. وينوي هؤلاء الزعماء اجراء الاستفتاء يوم 16 مارس/ اذار يطلبون فيه من سكان القرم البالغ عددهم مليونا نسمة ما إذا كانوا يريدون الانضمام لروسيا أو البقاء مع أوكرانيا. وقد شهد تحرك موسكو لاحكام سيطرتها على القرم تنسيقًا في غاية الدقة في الايام القليلة الماضية. وأفضت النداءات المطالبة بمساعدة المواطنين الذين يتحدثون بالروسية في جنوب شرق أوكرانيا للدفاع عن أنفسهم في مواجهة «متطرفين» من غرب أوكرانيا إلى مشروعات قوانين للتعجيل في البت في طلبات الحصول على الجنسية التي يتقدم بها من يتحدثون بالروسية. واقترن ذلك بتشريع لتبسيط الاجراءات الخاصة بانضمام «أجزاء من دول أجنبية» للاتحاد الروسي بما يجعل موسكو في وضع أفضل للسيطرة على شبه الجزيرة التي تنازل عنها الزعيم السوفيتي نيكيتا خروتشوف لكييف عام 1954. وقال مصدر أمني روسي: «بوتين يحاول الآن التأكد من أن يبقى الوضع تحت السيطرة، وألا يكون لأحد السيطرة على الوضع هناك. لكن الوضع في غاية التعقيد لأنه من وجهة نظره وسواء أرسل قوات أم لا فإن كل قرار سيعتبره طرف أو آخر قرارًا سيئًا». وأضاف «لا. هو لا يريد الحرب. فهو مدرك تمام الادراك لكل المشاكل وكل التداعيات لمثل هذا القرار. لكن الوضع يزداد سوءًا. أي اتجاه غير ذلك يسلك؟ استخدام القوة العسكرية لن ينظر فيه إلا إذا فشل كل شيء آخر لكنه خيار مطروح». ويتشكك كثير من المحللين الروس في أن بوتين يريد ضم القرم رغم أن شبه الجزيرة مقر قاعدة الاسطول الروسي في البحر الاسود لعقود من الزمن. وإزاء ما دعا إليه برلمان القرم في عاصمة الإقليم سيمفروبول لإلحاقه بروسيا، عبر استفتاء يجري في شبه الجزيرة، قال جون كيري وزير الخارجية الأمريكي للصحفيين في روما على هامش مؤتمر دولي حول ليبيا: إن «القرم جزء من أوكرانيا، القرم أوكرانية ونحن ندعم وحدة أراضي أوكرانيا، والحكومة الاوكرانية يجب ان تكون طرفًا في أي قرار»، وأضاف «بحسب فهمي فإن الدستور الاوكراني ينص على اجراء استفتاء في جميع انحاء اوكرانيا، ويجب ان يشارك كل جزء من اوكرانيا، وكل الاوكرانيين في الاستفتاء».