(في السنوات الاخيرة بدأت فكرة الحوار تأخذ حيزا كبيرا من الاهتمام على كافة المستويات.. فهناك من نادى بحوار الحضارات, وهناك من دعا الى حوار اسلامي - اسلامي, وهناك من اكد على وجوب الحوار العربي - العربي. وعلى الرغم من اهمية كل تلك الدعوات والنداءات, الا ان الذي شد انتباهي وملأني سعادة هي دعوة حكومتنا الغالية الى بدء حوار وطني بين مختلف شرائح المجتمع السعودي, فمهما كانت افكار تلك الشرائح متباينة, ومهما بلغت درجة تعارضها فلابد من التقائها وتعاونها). في السنوات الاخيرة بدأت فكرة الحوار تأخذ حيزا كبيرا من الاهتمام على كافة المستويات: فهناك من نادى بحوار الحضارات, وهناك من دعا الى حوار اسلامي - اسلامي, وهناك من اكد على وجوب الحوار العربي العربي وعلى الرغم من اهمية كل تلك الدعوات والنداءات, الا ان الذي شد انتباهي وملأني سعادة هي دعوة حكومتنا الغالية الى بدء حوار وطني بين مختلف شرائح المجتمع السعودي, فمهما كانت افكار تلك الشرائح متباينة, ومهما بلغت درجة تعارضها فلابد من التقائها وتعاونها من خلال القواعد المشتركة بين تلك الشرائح. ان المملكة العربية السعودية مجتمع كبير ومتفرع, من سماته انه يضم اطيافا مختلفة من الافكار, واشكالا متنوعة من الرؤى, ومذاهب متعددة لكل خصوصيته وتميزه, لكن لنعترف ان شرائح هذا المجتمع الكبير او بعضها عاشت فترة من التباعد الفكري, غذى ذلك التباعد عدم معرفة كل طرف للآخر مما أثر وان كان بشكل غير حاد على تقارب تلك الشرائح وتعاونها. لقد كان واضحا انه لو ترك الأمر على ما هو عليه لتطورت مشكلة التباعد واثرت سلبا على تماسك الجبهة الداخلية وتطور المجتمع. لقد جاءت تلك الدعوات الكريمة ببدء عملية الحوار كمؤشر حيوي وجاد على اهمية الجبهة الوطنية من حيث تماسكها وتعاونها ان تلك الدعوة تأتي استجابة لمتطلبات العصر, فنهضة المجتمع وتطوره تتطلب حراكا جماعيا, وذلك الحراك لا يمكن ان يتم في ظل التباعد والتشرذم, والغاء كل شريحة للأخرى اذا فالحوار في مثل هذه الحالة مطلوب لأنه وسيلة لغاية سامية هي تقارب شرائح المجتمع وتعاونها لصالح النهضة والتطور واحتلال المكان المناسب بين الأمم الناهضة, لكن قبل ان نواصل الحديث, لنطرح السؤال الذي يجب ان ينطلق منه الحديث وهو: ما مفهوم الحوار؟ الحوار لغة: المفاتحة وتبادل الكلام والتجاوب فيها بالمخاطبة والرد مستندا إلى أسس من الموضوعية والصراحة في القول. اما في الاصطلاع: فهو مراجعة الكلام وتداوله بين طرفين متكافئين لا يستأثر احدهما دون الآخر, مع وجوب ابتعاد الطرفين عن التعصب والتحلي بالأدب الرفيع, من هذا التعريف نستطيع ادراك ان للحوار ركنين اساسيين هما: اولا: وجود اطراف للحوار, ثانيا: وجود قضية تطرح للنقاش, لكن هناك سؤالا يطرح نفسه بقوة على الساحة: لماذا الحوار؟ وما موقف الاسلام منه؟ الحوار هو ارقى أساليب التعاطي مع الآخر, وقد جعله الله سبحانه وتعالى سنته الاولى. فالقرآن الكريم وهو المرجعية الاولى للمسلمين ومصدر التشريع الاول هو كتاب الحوار الاول والامثل الذي اشتمل على الاوامر الالهية الموجبة للحوار بين بني الانسان, اذ القرآن يعلمنا فن الحوار مع الآخر والطرق الناجعة لتغيير القناعات غير الصالحة, وتبديل السلوكيات المتعصبة, ومجادلة الطرف الآخر بالتي هي احسن, اليس الله سبحانه وتعالى القائل: (ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين)؟ لقد ورد ذكر الحوار في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع: الاول: قوله تعالى: (فقال لصاحبه وهو يحاوره انا اكثر منك مالا واعز نفرا). سورة الكهف آية 34, الثاني: قوله تعالى: (قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا). سورة الكهف الآية 37, الثالث قوله تعالى: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي الى الله والله يسمع تحاوركما ان الله سميع بصير) سورة المجادلة الآية (1), ويظهر في هذه المواضع الثلاثة ان الحوار فيها هو تبادل الكلام وتداوله بين الطرفين والأخذ والرد فيه. هناك مصطلحات اخرى تتفق في بعض الجوانب من معانيها ومفاهيمها مع مصطلح الحوار ومنها: الجدل, المناظرة, المحاجة, المكابرة. فالجدل على سبيل المثال معناه في اللغة: اللدد في الخصومة والقدرة عليها, اما في الاصطلاح فهو دفع المرء خصمه عن افساد قوله بحجة او شبهة او يقصر به تصحيح الكلام, وهو الخصومة في الحقيقة, وقد ورد ذكر الجدل او الجدال ومشتقاتهما في القرآن الكريم في ثمانية وعشرين موضعا هذا بعضها: 1- سورة البقرة جاء فيها ذكر الجدال: (الحج اشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولو الألباب) آية 97. 2- سورة النساء, جاء فيها ذكر جادلتم: ويجادل: (ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة ام من يكون عليهم وكيلا) الآية 109. وللحديث بقية: