أثار الأستاذ في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن مصطفى الحسن حفيظة بعض الحضور، في محاضرة أقامها نادي المنطقة الشرقية الأدبي مساء الاثنين الماضي، بعد قوله : «إن الحداثة في المملكة حداثة أدبية فقط». الحسن (واقفاً) والعريض خلال المحاضرة ودفع هذا القول عددا من الحاضرين في الأمسية، المعنونة ب»قصة الحداثة من الغرب إلى الشرق»، إلى صب مداخلاتهم تجاه الحداثة وكيف أنها مثقلة بعقدة «الخواجة»، رافضين فكرة اقتصارها في المملكة على الأدب. وكان مصطفى الحسن استهل محاضرته، التي أدارها الشاعر عبدالوهاب العريض، بالحديث عن مفهوم الحداثة، وبين أن هذا المصطلح وافد وتبلور في الفضاء المعرفي الغربي، وهو وصف زمني للقرون الخمسة الأخيرة، موضحا أن كثيرا من الكتابات التي تصف الحداثة بأنها «العلمانية» أو «العقلانية» أو «الديمقراطية» أو «البحث عن الجديد» أو غير ذلك، إنما تمارس اختزالا للحداثة، مؤكدا أن الحداثة هي كل ما جرى في ذلك الزمان (القرون الخمسة الأخيرة)، وفي ذلك المكان الذي يوصف بالغرب (أوروبا وأمريكا). وقال إن الحداثة ممارسة وسلوك قبل أن تكون اقتناء لتكنولوجيا أو أي شيء آخر، وإننا بحاجة إلى جرأة كبيرة في نقد الذات وبعض الأفكار واستثارة العقل، ولابد أن نتجاوز أمورا موجودة في التراث تعوق التطور الإنساني، والاهتمام بتحويل الشيء إلى واقع وقانون، وعدم الاكتفاء بالنص كما هو.وركز المحاضر على مفهوم «القطيعة» مع التراث، مشيرا إلى أن الحداثة الغربية لم تستطع النهوض إلا حين أحدثت القطيعة مع التراث، ولكن هذه القطيعة لا تعني إلغاء التراث بالكامل، واستبداله بآخر، أو البدء من نقطة الصفر المعرفية، وإنما المراد هو إماتة شيء من التراث وإحياء شيء آخر. ونبه المحاضر إلى أن كل الدعوات التغيرية تقوم بهذا الفعل، أي الترك والأخذ من التراث، ولا توجد أمة ناهضة تستبدل تراثها بتراث آخر، أو تلغي تراثها لتبدأ من اللاشيء.وتابع الحسن حديثه عن العنصرية المعرفية الكامنة في النموذج الغربي، وذكر ان المثقف الغربي يعتقد أن أول فيلسوف في التاريخ هو الفيلسوف اليوناني، ولكن لم تتح له فرصة تحويل فلسفته إلى واقع، حتى جاء رواد عصر النهضة في القرن ال16 الميلادي، والتقطوا هذه الفلسفات وحولوها إلى حداثة حقيقية، معتبرا أن تلك نظرة عنصرية تشير إلى تهميش كل التراث البشري المتراكم من آلاف السنين، وأن التأمل البسيط في الفلسفة اليونانية يثبت عكس ذلك.وتحدث المحاضر عن أهم ما يميز الحداثة الغربية، وقال إن ما يميزها نزعتان، الأولى هي العقلية، فكل شيء يمكن إدراكه بالعقل، والمقصود هنا العقل التجريبي، الذي يخضع كل شيء للمختبر، ويجري عليه التجارب، ويستخلص منه القوانين. أما النزعة الثانية فهي الإنسانية، التي تؤمن بأن الإنسان خير بطبعه، قادر على تحقيق المعجزات الحضارية، فهي حركة متفائلة بالإنسان، وبإمكاناته، تجعل الإنسان أهم من الأفكار، وأهم من الحقيقة ذاتها، فهو مركز كل شيء.وأكد أن الحداثة واجهت مأزقا في بداية القرن العشرين مع نشوب الحرب العالمية الأولى ثم الثانية، حينها بدأت مراجعات لكل القيم الحداثية، فالعقل كان واثقا من ذاته أكثر من اللازم، والنزعة الإنسانية كانت فيما يبدو نزعة شكلانية، أي أنها تهتم بإطلاق خيال الإنسان، وحريته الفكرية، لكنها لم تكن تبالي في الحقيقة بمآسيه، وحاجاته، لذلك كان المثقف أكثر وأسرع من سيخذل الإنسان حين تنتهك حقوقه.