مع الانتقال الى الالفية الثالثة انطوى القرن الماضي على سؤال كبير وضاغط: كيف ينهض العرب من سباتهم الطويل وانحطاطهم المهلك ليصبحوا جزءا من العالم الحديث بكل تجلياته السياسية والاقتصادية والفكرية؟ @@@ هذا السؤال يطرحه الكاتب اللبناني الاستاذ كرم الحلو في مقال له بعنوان: (اهداف النهضة المتجددة ومأزقها المستمر) (الحياة: 1999/10/20) حيث يرى الكاتب ان ما جاء في مقدمة (المشروع النهضوي العربي) لمحمد عابد الجابري نموذج معبر لخيبة الحلم النهضوي وانكساره كأنما هو لعنة تطارد حركة التنوير العربية منذ بزوغها الخجول مطلع القرن الماضي. يقول الجابري: لقد عاش العرب طوال هذا القرن على ثلاث قضايا رئيسية: مقاومة هيمنة الغرب وتحقيق نوع من الوحدة بين اقطارهم وتحرير فلسطين. وهاهم العرب اليوم يقفون امام هيمنة الغرب بلا أمل في التحرر منها في المستقبل المنظور، وهاهي دولتهم القطرية تفرض نفسها كواقع يعاند اي تفكير في الوحدة معاندة تامة، واخير وليس آخرا: هاهي اسرائيل قد انتزعت اعترافهم بينما يواجه الفلسطينيون مصيرا مجهولا. @@@ ولايختلف كثير من المفكرين العرب الذين ساقهم الكاتب من خلال ماصدر لهم في الاعوام الاخيرة من هذا القرن من مؤلفات في النهضة العربية ومأزقها الراهن مثل ناصيف نصار، وقسطنطين زريق، وأبي يعرب المرزوقي، واسامة عبدالرحمن في الخروج بنفس النتيجة التشاؤمية التي خرج بها الجابري، غير ان اكثر تلك الكتابات النهضوية الراهنة تشاؤما واحساسا بالهزيمة، كما يقول الكاتب، هو كتاب (المأزق العربي الراهن) للدكتور اسامة عبدالرحمن الذي خلص الى ان صورة الواقع العربي (تتجاوز حدود القتامة) حيث النكوص والارتداد يهيمنان على الساحة، اضافة الى انعدام الثقة في قدرات الامة وامكاناتها وسقوط الهم الوطني وضلوع الشريحة المتنفذة في الفساد بينما غالبية المجتمع تطحنها رحى الفقر والبطالة. @@@ هذه الرؤى سبق بها اصحابها (العرب) كل الطروحات الحديثة عن اصلاح المجتمع العربي.. أي قبل الحادي عشر من سبتمبر، وقبل مشروع الشرق الاوسط الكبير (الأمريكي). لكن مازال بعضنا يرفض شتى دعوات الاصلاح من منطلق انها دعوات خارجية وان الاصلاح يجب ان ينبع من الداخل. فهل حان الزمن الذي نتحدث فيه عن قضايانا الحساسة بمزيد من الشفافية ونبتعد فيه عن ضبابية توغل في العموميات وتتجنب الدخول في التفصيلات خشية الاصطدام بالزوايا الحادة. ان الوضع العربي الراهن يحتم علينا ان نضع الاصبع على الجرح وان اوجع، وان نتعدى مرحلة الكلام الى مرحلة الفعل. @ اضاءة: (ما أضيق فكري ما دام لايتسع لكل فكر). ميخائيل نعيمة.