اذا كانت الطبيعة في حالتها البرية البسيطة تمثل للانسان أهمية كبيرة في العصور القديمة ومصدر الهام له اذا اراد ان يعيش، عندما كانت المواد والعناصر المتوافرة في حالة تداخل وعدم تجالس وعشوائية شديدة، فان التكنولوجيا تعتبر الاداة الفاعلة في فصل هذه العناصر والمواد وتشكيلها وتطويعها واعادة تركيبها بالصورة التي تخدم تطلعاته. ومن هنا حل النظام محل الفوضى، وتحولت الطبيعة البرية الى طبيعة مدنية متنامية ومترامية الاطراف، تضم مدنا وشبكات غاز وكهرباء وماء وانفاقا وكباري وانظمة ري واتصالات عبر الاقمار الصناعية، ناهيك عن الثقافات والفنون الجميلة التي اصبحت تتميز بها الشعوب كل على حدة. وقد يكون من المجدي التنويه الى رحلة الانسان الطويلة مع التكنولوجيا والتي مرت عبر عدة بوابات لا تنتهي، أولها الحياة البدائية عندما كان يستخدم اساليب اولية وآلات بدائية في قضاء حوائجه، ادوات صنعها بنفسه من الحجارة والاخشاب. وقد وصل تطور الانسان الحديث لهذه الآلات والادوات البسيطة الى ذروته، حيث صنع وأعد اناسا آليين (اذا صح التعبير) روبوتات تقوم بتنفيذ الاعمال الصعبة في الظروف المناخية الاكثر صعوبة نيابة عنه. وقد سبب التطور التكنولوجي هوسا لدى البعض من المهتمين ووصل بهم الامر الى تشغيل منازلهم آليا كغلق وفتح الابواب والنوافذ والتحكم في درجات الحرارة والرطوبة والاضاءة وخلافه. ويعني مصطلح تكنولوجيا ببساطة (وهو موضوع هذه المقالة) أساليب فهم العمل او الاداء المتبادل بين الانسان والآلة، ومحاولة التعامل مع تلك الآلة عن طريق المعرفة والتطور الفكري. ففي السابق، عندما كنا نستخدم مصطلح التكنولوجية، كنا نقصد التعبير عن اي عمل مرتبط بالعمليات الانتاجية، وهي الوسائل والادوات الحديثة التي تستخدمها المنشآت والمصانع في العمليات الانتاجية، باعتبار ان التحول التكنولوجي آلة مهمة من آليات التطور من اجل تحسين الانتاج وخفض التكاليف وزيادة المبيعات والتي تصب في النهاية في زيادة الربحية لتلك المنشآت. اما في العصر الحديث، وعندما اقول العصر الحديث لا اقصد الخمسين سنة الماضية كما يطلق عليه اخواننا المهتمون بالتاريخ، فانا اقصد العشر او الخمس عشرة سنة الماضية، تغير مفهوم التكنولوجية واستخداماتها وتوسع العالم كثيرا في استخدام هذا المصطلح وتعدى العمليات المرتبطة بالانتاج. فقد ظهرت علينا تكنولوجيا الانسان والذي تحدثت عنه في مقالة منذ اسبوعين تقريبا، كما ظهرت علينا ايضا تكنولوجيا التعليم والتي سأتحدث عنها في مقالة قادمة قريبا باذن الله، كما ظهرت علينا ايضا تكنولوجيا الادارة وتكنولوجيات المعلومات، وحديثا جدا ظهرت تكنولوجيات التصميم والتطوير وتكنولوجيا التسويق وغير ذلك كثير مما قد يظهر قريبا. وبلا شك ان التحول التكنولوجي السريع والهائل هذا له دلالة هامة يجب ادراكها، الا وهي زيادة المردود الاقتصادي للتكنولوجيا، فبدون وجود جدوى لهذا المردود لن يكون هناك معنى لتطوير تكنولوجيا جديدة وانفاق اموال كثيرة في البحوث والدراسات لهذا الغرض وهذه هي الدوافع الحقيقية وراء تطور الانسان تكنولوجيا للكثير من اساليب اعماله، وذلك لتوفير الوقت والجهد مع الدقة العالية. وهذا سيؤثر ايجابيا باذن الله على النتائج سواء على مستوى الاداء العام للافراد، او على مستوى تحسن الانتاجية الذي سيؤهل الصناعات على المنافسة الشرسة، في ظل النظام الاقتصادي الجديد المتمثل في العولمة. ومن هنا نستطيع ان نلخص ان التكنولوجيا هي منظومة اساليب عمل تحوي قدرا كبيرا من الابحاث يمكن تطويرها ليكون ابسط نتائجها تحويل مدخلات قليلة القيمة الى مخرجات عالية القيمة وهذا يتوقف على كفاءة وفعالية عملية التحويل ومقدار القيمة المضافة. *كاتب ومستشار مالي واداري عضو الجمعية السعودية للإدارة